يعد التليف الكيسي أحد الأمراض الوراثية الناتجة عن حدوث طفرة أو خلل في جين CFTR، المسؤول عن تفعيل البروتين المنظم لحركة السوائل والأملاح عبر خلايا الجسم. تتسبب هذه الطفرة زيادة لزوجة وسمك الأغشية المخاطية في الجسم على عكس الطبيعي. وهذا يسبب في دوره تراكم المخاط في عدة أعضاء من الجسم، وتعد الرئتين والجهاز الهضمي -بالأخص البنكرياس- الجهازين الأكثر تأثراً بهذا الخلل. مما يخلف آثار ومضاعفات كالاتهاب المتكرر للرئة، وسوء التغذية، والإصابة بمرض السكري، والعقم الذكوري وغيرها من المضاعفات المتعددة والتي قد يكون بعضها خطيراً للغاية.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ التليف الكيسي هو من الأمراض الوراثية المتنحية، أي يشترط اجتماع نسختين من الطفرة الجينية من كلا الأم والأب لولادة طفل مصاب بالتليف الكيسي. ويعد هذا المرض من الأمراض المهددة للحياة، إذ يعيش المصابين بالتليف الكيسي مدةً أقصر مقارنةً بغير المصابين. ولكن عند وراثة نسخة واحدة من الطفرة الجينية من أحد الأبوين فإن الطفل المولود يعد حاملاً للتليف الكيسي وليس مصاباً به وقد يتم توريثه كذلك إلى الأجيال اللاحقة.

ينصح جميع الأزواج بالفحص الجيني للكشف عن احتمال إصابة أطفالهم بالتليف الكيسي قبل الحمل أو أثناؤه حتى في غياب أي تاريخ عائلي للمرض. كما يتم فحص جميع المولودين لتشخيص التليف الكيسي إما عن طريق الفحص الجيني أو فحص مستويات التربسنوجن الفعال مناعياً. ثم يتم التأكد من الإصابة عن طريق فحص التعرق. كما توجد بعض الفحوصات الأخرى التي يمكن إجراؤها لتشخيص الإصابة بالتليف الكيسي. وفيما يأتي توضيح لذلك.

الفحص الجيني

يعد الفحص الجيني للتليف الكيسي قبل أو أثناء الحمل أحد أنواع فحوصات الحملة (بالإنجليزية: Carrier Screening). ويُجرى فحص جينات الأبوين والجنين، وبالتالي تحديد احتمال إصابة الجنين بالتليف الكيسي أو حمله للطفرة. يُذكر أنَّ عدد الطفرات الحاصلة في جين CFTR المتسببة بالتليف الكيسي حوالي 2000 نوعاً. ونظراً لهذا التعدد الهائل وعدم وجود فحص واحد قادر على الكشف عن هذا العدد في ذات الوقت يتم إجراء فحص جيني يسمى ACMG/AGOG panel المصمم للتعرف على 23 نوعاً من تلك الطفرات المسببة للتليف الكيسي وهي الأكثر شيوعاً حسب توصيات الكلية الأمريكية لعلم الجينات الطبية والجزيئية والكلية الأمريكية للنسائية والتوليد.

يُطلب هذا الفحص في الغالب في حال كانت الأم أو الأب حاملين لطفرة التليف الكيسي أو في حال وجود تاريخ عائلي لدى الأم أو الأب بوجود إصابة بالتليف الكيسي أو حمل لجيناته. ويتم إجراء الفحص الجيني للأبوين عبر أخذ عينة دم أو عينة من خلايا باطن الخد، ففي حال وجود نسختين من الطفرة في جين CFTR يعد الفرد مصاباً بالتليف الكيسي، أما وجود نسخة واحدة يعني أن الفرد يعد حاملاً للطفرة وليس مصاباً مع احتمالية توريثه للأجيال اللاحقة. بينما تستخدم الفحوصات التالية لتحديد وضع الجنين الصحي من التليف الكيسي:

  • بزل السلى (بالإنجليزية Amniocentesis): يقوم الطبيب أثناء بزل السلى بسحب كمية صغيرة من السائل الأمنيوسي المحيط بالجنين لأغراض فحص فيما إذا كان الجنين يعاني من أحد الاعتلالات الوراثية أو أحد تشوهات الولادة. وعادةً ما يتم إجراؤه بين الأسبوع 15-20 من الحمل، وقد يتم إجراؤه لاحقاً حتى موعد الولادة.
  • فحص الزغابات المشيمية (بالإنجليزية Chorionic villus sampling): يقوم الطبيب أثناء فحص الزغابات المشيمية بأخذ خزعة من النتوءات المشيمية وإجراء الفحص الجيني للجنين، وعادةً ما يتم إجراء الفحص بين الأسبوع 10-13 من الحمل.

ويتم إجراء الفحص الجيني عادةً للأم أولاً، وفي حال ظهور نتيجة إيجابية تدل على وجود نسخة من الطفرة الجينية، أي أنها حاملة لمرض التليف الكيسي، يجب إجراء الفحص للأب كذلك لتحديد ما إذا كان حاملاً للطفرة الجينية كذلك. وفي حال كان الأب أيضاً حاملاً للطفرة الجينية، فتكون الاحتمالات بالنسبة لإصابة الجنين كما يأتي:

  • احتمالية إصابة الجنين بالتليف الكيسي نتيجة اجتماع نسختي الطفرة من الأب والأم معاً هي 25%.
  • احتمالية كون الجنين حاملاً للطفرة الجينية، أي قد ورث أحد نسختي الطفرة فقط إما من الأب أو الأم هي 50%.
  • احتمالية كون الجنين غير مصابٍ بالتليف الكيسي وغير حاملٍ للطفرة الجينية هي 25%.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ الفحص الجيني للتليف الكيسي قد يساعد على التنبؤ بمدى حدة المرض بناء على نوع الطفرة الجينية الظاهرة في الفحص. فعلى سبيل المثال تتسبب طفرة deltaf508 بظهور أعراض أكثر حدة مقارنةً بغيره من طفرات التليف الكيسي كتكون مخاط أكثر لزوجة، وارتفاع نسبة انسداد المجرى التنفسي، وانحسار وظائف البنكرياس. وتعد هذه الطفرة أكثر طفرات جين CFTR شيوعاً.

اقرأ أيضاً: الاختبارات الجينية أثناء الحمل

فحص مستويات التربسنوجن الفعال مناعياً

يتم إجراء فحوصات تقصية روتينية لحديثي الولادة للتنبؤ بإصابة المولد بمجموعة من الأمراض الوراثية خلال اليوم الأول أو الثاني من الولادة ومن ضمنها فحص مستويات التربسنوجن الفعال مناعياً (بالإنجليزية: Immunoreactive Trypsinogen) المعروف اختصاراً بفحص IRT.

في الحالة الطبيعية، يفرز البنكرياس مادة التربسنوجين التي تنتقل إلى الأمعاء لتتحول إلى شكلها النشط وهو التريبسين. أما عند الإصابة بالتليف الكيسي لا ينتقل التربسنوجين إلى الأمعاء بسبب انسداد قنوات البنكرياس، وبالتالي لا يتحول إلى الشكل النشط، ويرتفع مستواه عن المعدل الطبيعي. ومن الجدير بالذكر بأن هذا الفحص لا يعد تشخيصاً نهائياً نظراً لوجود حالات أخرى تتسبب بارتفاع مستوى التربسنوجين الفعال مناعياً في الدم كالولادة المبكرة.

تتم آلية هذا الفحص بالحصول على عينة من الدم من كعب قدم المولود ووضعها على شريحة مخصصة لهذا الغرض تدعى بكرت غوثري. وفي حال كانت النتيجة إيجابية فإن ذلك يعني بأن المولود قد يكون حاملاً أو مصاباً بالتليف الكيسي. وتجدر الإشارة إلى اعتبار فحص مستويات التربسنوجن الفعال مناعياً فحصاً تحرياً (بالإنجليزية: Screening Test) وليس دليلاً على الإصابة (بالإنجليزية: Diagnostic Test)، لذلك يتم إجراء الفحص الجيني أو يُعاد فحص مستويات التربسنوجن الفعال مناعياً بعد أسبوعين لتأكيد النتيجة الإيجابية. كما يتم إجراء فحص التعرق فيما بعد للحصول على تشخيص نهائي.

اقرأ أيضاً: توصيات على فحوصات واختبارات حديثي الولادة

فحص التعرق

يعد التعرق مالح الطعم من أبرز أعراض الإصابة بالتليف الكيسي؛ ذلك بسبب اختلال حركة الماء والأملاح عبر خلايا الغدد العرقية. وهذا يسبب عدم إعادة امتصاص الصوديوم إلى داخل الخلية، وتراكم الكلوريد في القنوات العرقية، وبالتالي تكون الملح بالقرب من الجلد. وهذا ما يلاحظه الآباء جلياً عند تقبيل أطفالهم.

ويقيس فحص التعرق (بالإنجليزية: Sweat Test) نسبة الكلوريد في العرق لتشخيص الإصابة بالتليف الكيسي. وغالباً ما يُجرى للأطفال بين عمر الأسبوعين والأربع أسابيع. كما يمكن إجراؤه للأشخاص الذين يعانون من أعراض التليف الكيسي على اختلاف أعمارهم. ويعد هذا الفحص أهم فحوصات التليف الكيسي، ولا يعتمد التشخيص دون إجراؤه. ويمكن استخدامه لجميع الأعمار باستثناء:

  • الرضع دون عمر الأسبوعين أو إذا كانت أوزانهم دون 3.2 كغم: لعدم قدرتهم على إفراز كمية العرق اللازمة للفحص مما يجعل النتائج غير دقيقة.
  • الأشخاص الذين يعانون من الوذمة الوعائية (بالإنجليزية:Edema): ذلك أن السوائل المتجمعة تقوم بتخفيف نسبة الأملاح في العرق مما يولد نتيجة سلبية خاطئة بالإصابة بالتليف الكيسي.

يستغرق هذا الفحص في المجمل ساعة. ويبدأ بوضع المختص قطبين كهربائيين على الجلد في منطقة الذراع أو الفخذ لدى الأطفال والرضع يحتوي أحدهما على جل البايلوكاربين (بالإنجليزية: Pilocarpine) المحفز لإفراز العرق. ثم يقوم المختص بتمرير تيار كهربائي منخفض الجرعة عبر القطبين لتحفيز عمل الجل الدوائي لمدة 10 دقائق. وهنا قد يشعر المصاب بوخز أو تنميل بسيط. وبعد ذلك، يقوم المختص بمسح الجلد ووضع ورقة مفلترة على المكان لمدة 30-45 دقيقة لجمع كمية كافية من العرق وإرسال الرقعة الورقية إلى المختبر.

قد تظهر نتائج هذا الفحص في نفس اليوم أو خلال اليوم التالي. وتقسن النتائج إلى ما يأتي:

  • نتيجة إيجابية: في حال كانت نسبة الكلوريد 60 ممول/لتر.
  • نتيجة سلبية: في حال كانت نسبة الكلوريد أقل 30 ممول/لتر.
  • نتيجة غير حاسمة: إذا كانت نسبة الكلوريد تتراوح بين 30 – 59 ممول/لتر.

ومن الجدير بالذكر أنه في حال ظهور النتيجة إيجابية، ينصح بإجراء الفحص الجيني لتأكيد التشخيص ولاستبعاد وجود حالة وراثية أخرى تتسبب بارتفاع مستوى الكلوريد في العرق وإعطاء نتيجة إيجابية خاطئة للتليف الكيسي، خاصةً عند عدم وجود أعراض الإصابة المعروفة بالتليف الكيسي. كما ينصح بإجراء الفحص الجيني للتليف الكيسي أو بإعادة فحص العرق في حال تراوحت النتيجة بين 30-59 ممول/لتر والتي لا تعتبر نتيجة حاسمة.

فحص فرق الجهد الكهربائي عبر الخلايا الظهارية الأنفية

يعرَف فحص فرق الجهد الكهربائي عبر الخلايا الظهارية الأنفية (بالإنجليزية: Nasal Potential Difference) اختصاراً بفحص NPD. ويعد من الفحوصات نادرة الاستخدام نظراً لصعوبة إجرائها تقنياً وعدم وجود مراكز متخصصة لإجرائها.

يعتمد مبدأ هذا الفحص على قياس فرق الجهد الكهربائي الناتج عن اختلاف تدفق أيونات الصوديوم والكلوريد عبر الأغشية الأنفية. ولإحداث هذا الفرق في الجهد الكهربائي يقوم المختص بوضع أقطاب كهربائية على أغشية الأنف المبطنة وتمرير سلسلة من السوائل المحتوية على أملاح مختلفة، إذ تقوم تلك السوائل بتغيير حركة أيونات الصوديوم والكلوريد عير أغشية الأنف. ويختلف فرق الجهد الكهربائي الناتج تماماً بين المصابين بالتليف الكيسي عن هؤلاء غير المصابين بالتليف الكيسي نظراً لحركة الأملاح غير الطبيعية لدى المصابين/،مما يُعطي نتيجة إيجابية عند الإصابة، وسلبية في حال عدمها.

كما تجدر الإشارة إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الأعراض السريرية الظاهرة على المصاب، وفحص التعرق والفحص الجيني وعدم الاعتماد على فحص NPD منفرداً عند تشخيص التليف الكيسي.