هل تشعر بالميل إلى السهر أم النوم مبكراً؟ هل تشعر بأن مستوى نشاطك الذهني والجسدي يكون مرتفعاً في النهار أم في ساعات الليل المتأخرة؟ إذا كنت من الأشخاص الذين يضغطون على زر الغفوة أكثر من مرة قبل الاستيقاظ، فأنت لست وحدك!
عندما ننظر من حولنا نجد أن بعض الأشخاص يفضلون السهر لأوقات متأخرة من الليل وحتى ساعات الصباح الباكر دون الشعور بالرغبة في النوم، ويستيقظون في ساعات متأخرة من النهار، ويطلق على هؤلاء بوم الليل (بالإنجليزية: Night Owls) أو الأشخاص المسائيين، وهو واحد من الأنماط الزمنية للنوم والاستيقاظ، بينما نجد أشخاص آخرون يشعرون برغبة في النوم في ساعات الليل الأولى ولا يلائمهم السهر ويستيقظون باكراً، ويطلق على هؤلاء الطيور المبكرة (بالإنجليزية: Early Birds) أو طيور الصباح، أو الأشخاص الصباحيين.
لاحظ الطبيب النفسي الألماني إيميل كريبيلين هذا الفرق الواضح بين الأنماط الزمنية للنوم والاستيقاظ، وذلك عندما أجرى على مرضاه بحثاً مكثفاً حول الميل الطبيعي للأشخاص للنوم أو اليقظة خلال اليوم، وفيما بعد، قام كريبيلين وفريقه بإجراء العديد من التجارب السريرية والنفسية التي استمرت لسنوات، حتى كشفت هذه الدراسات عن وجود عالمين منفصلين من الأنماط الزمنية وهما بومة الليل والطائر المبكر.
عادة ما يسود الجدل حول أفضلية كل نوع عن الآخر، ولكن يرى الباحثون في هذا الجانب بأنه لا يوجد أفضلية، فلكل منهما مزايا وعيوب، ولكن الأهم هو أن يفهم كل شخص طبيعة عادات النوم والاستيقاظ لديه حتى يتسنى له المقدرة على ترتيب حياته ويرفع من إنتاجيته بعيداً عن إجبار نفسه على عادات لا تناسب طبيعته. كما أنه لا بد من إدراك وجود الاختلاف بين الناس وقبوله بعيداً عن تصنيفه بالأمر الجيد أو السيء.
اقرأ أيضاً: كيف نؤسس لنمط نوم صحي للطفل؟
الفرق بين صفات بومة الليل والطائر المبكر
الطائر المبكر (الشخص الصباحي)بومة الليل (الشخص المسائي) يقوم بمعظم أعماله ونشاطاته أثناء النهار حيث يكون في قمة نشاطه. يشعر بالنعاس ويتسم بالعزلة أثناء النهار، لكنه يمضي الوقت بنشاط في ساعات الليل. يستطيع البقاء نشيطاً بعد الاستيقاظ باكراً، ولكن تنخفض طاقته مع مضي الوقت. يستيقظ متأخراً، ويستطيع البقاء نشيطاً جداً لساعات طويلة. تكون أكثر الساعات الإبداعية لديه ما بين ساعات الليل المتأخر والصباح الباكر.أكثر الساعات الإبداعية لديه في المساء ضمن وسط هادئ وآمن. يفضل الدراسة أثناء النهار ويفضل وقت الصباح الباكر ويحتفظ بوقت الليل للخلود إلى النوم. يميل إلى الدراسة ليلاً حيث يكون تركيزه في أوجه.
اقرأ أيضاً: متلازمة الجمال النائم تدفع المصاب بها إلى النوم 15 إلى 21 ساعة يومياً
ما سبب الاختلاف بين بوم الليل والطائر المبكر؟
يوجد عدة أسباب لوجود الاختلاف ما بين بوم الليل وطيور الصباح، ألا وهي:
- يكون لكل دماغ من أدمغتنا ساعته الخاصة، وهذه الساعة البيولوجية تحدد أوقات النوم وأوقات اليقظة، وهي تخضع للاختلافات الوراثية مثل الاختلافات الوراثية التي ينتج عنها اختلاف لون العيون بين الناس، كما تعمل الساعة البيولوجية وفق دوران الأرض حول الشمس وكذلك درجة وشدة الإضاءة خلال النهار والليل.
- تخضع دورة هذه الساعة تخضع للاختلافات الفردية فإذا كانت لديك دورة نوم واستيقاظ طويلة، فأنت على الأرجح شخص مسائي. وعلى العكس، لدى الشخص الصباحي دورة نوم واستيقاظ قصيرة.
- تخضع الساعة البيولوجية إلى تغيرات كيميائية وبيولوجية وخاصة في بداية سن البلوغ. مثلاً، الأشخاص الذين كانوا يتبعون نمط البوم الليلي في فترة المراهقة، قد يتحولون إلى نمط الطيور الباكرة بعد البلوغ.
- يعود الاختلاف بين نمطي البوم الليلي والطيور المبكرة إلى عوامل تطورية أيضاً. مثلاً، عندما عاشت البشرية في الكهوف والأدغال، كان على الناس حماية أنفسهم من الحيوانات المفترسة، لذا كان على الناس التناوب للحراسة خلال 24 ساعة. وهكذا ، كان لدى البوم الليلي وكذلك الطيور المبكرة وقتًا محدداً للقيام بأدوارهم.
اقرأ أيضاً: نصائح لنوم صحي
التحديات النفسية والاجتماعية التي يواجهها كلاً من بوم الليل والطائر المبكر
التحديات النفسية والاجتماعية التي يواجهها بوم الليل
إن بوم الليل يواجهون بعضاً من التحديات النفسية والإجتماعية وتشمل:
- الإكتئاب والقلق
إن الأشخاص المسائيين أكثر عرضة للاكتئاب والقلق، وذلك بسبب وجود مادة بيضاء أقل في الدماغ وبالتالي تقييد لحركة الدوبامين والسيروتونين (هرمون السعادة). إن هذان الهرمونان يشكلان أحد أهم النواقل العصبية في الجسم ولهما تأثير كبير على المزاج والحالة النفسية.
- التوتر
إن الأشخاص ذو نمط البوم الليلي أكثر عرضة للتوتر وذلك بسبب ارتفاع هرمون الكورتيزول (هرمون التوتر).
- حب المجازمة وخوض المخاطر
أيضاً بسبب ارتفاع الكورتيزول، قد يتسم البوم الليلي بحب المجازفة وخوض المخاطر، مثلاً، البعض منهم يميل إلى الانغماس في الأمور المالية والاستثمارات وهذه ميزة لهم من حيث نشاطهم في مجال المال والأعمال.
- التعب والنعاس ونقص الانتباه والعزلة أثناء النهار
يعاني بوم الليل من التعب والنعاس ونقص الانتباه والعزلة أثناء النهار ويعزى ذلك إلى اختلاف النشاط الدماغي لبوم الليل، حيث لوحظ أن لديهم "اتصال دماغي" أقل - وهو مقياس لكيفية تزامن مناطق الدماغ المختلفة مع بعضها البعض - مقارنة بالطيور الباكرة.
- صعوبة الالتزام بالجدول الزمني الوظيفي المعتاد
إن أحد أهم التحديات التي يواجهها بوم الليل هو صعوبة الالتزام بجدول زمني وظيفي من 8 صباحاً وحتى 4 مساء أو أي جدول زمني وظيفي يبدأ في الصباح الباكر ويستمر ل 7 أو 8 ساعات، وذلك بسبب الحالة التي يكونون عليها أثناء النهار. إن إجبار الأشخاص لأنفسهم على الالتزام بنمط زمني يخالف إيقاع ساعتهم البيولوجية يؤدي إلى مشاكل إدراكية لديهم وقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى احتمالية الموت المبكر على المدى البعيد.
- الإفراط في تناول الطعام
قد يواجه البوم الليلي أيضاً مشاكل مثل الإفراط في تناول الطعام، نتيجة البقاء مستيقظين ليلاً، وقد ينخرطون في تناول الوجبات الخفيفة ويجلسون كثيراً أمام الشاشات (التلفزيون، والكمبيوتر اللوحي، والكمبيوتر المحمول، والهواتف) وبالتالي تكون أوزانهم وتغذيتهم على المحك.
اقرأ أيضاً: هل تؤدي قلة النوم إلى الإفراط في تناول الطعام
تحديات الطيور المبكرة
لدى الطيور المبكرة بعض التحديات أيضاً منها:
- تميل أجسامهم إلى فقد الطاقة خلال النهار بشكل أسرع من بوم الليل ولا يمكنهم العمل بشكل مثالي لساعات طويلة بعد الاستيقاظ. لذلك يتعين عليهم المشاركة في تمارين مختلفة لتعزيز مستويات الطاقة والحفاظ عليها لفترة أطول.
- قد تعاني هذه الفئة أيضاً من صعوبة في المشاركة في الفعاليات والأعمال التي تتطلب الاستيقاظ لوقت متأخر.
اقرأ أيضاً: ما هي الأغذية التي تمد الجسم بالطاقة؟
كيف يمكن لبوم الليل التعامل مع تحدياتهم؟
قد يناسب بوم الليل العمل الحر أو أوقات الدوام التي تبدأ في منتصف النهار وليس في الصباح الباكر، فتقع على عاتقهم مطابقة أعمالهم مع ساعتهم البيولوجية. ولا ننسى في هذا الصدد بأن بوم الليل يحتفظون بطاقة عالية بعد الاستيقاظ حتى لو استيقظوا في وقت متأخر، مما سينعكس على انتاجيتهم التي قد تفوق انتاجية الطيور الباكرة ولذلك لابد من استثمار طاقاتهم في الوقت الذي يلائم طبيعتهم.
كما يحتاج الأشخاص الذين ينتمون إلى نمط بوم الليل وضع جهود للمحافظة على صحتهم من حيث التغذية المتوازنة وممارسة الرياضة لخفض التوتر النفسي الذي قد ينشأ لديهم. أيضاً هنالك حاجة مجتمعية لفهم طبيعة هذه الفئة وتفعيل نظام دوام وظيفي يناسبهم ويستثمر طاقاتهم.
مثلاً؛ قبل عشرة أعوام، قامت شركة الأدوية العالمية AbbVie في الدنمارك ببدء برنامج يخضع فيه الموظفون إلى تدريب شامل على النمط الزمني حتى يتمكنوا من تحليل وتصميم برامج العمل الخاصة بهم بما يتوافق مع النمط الزمني الخاص بكل فرد. وأصبحت تعقد اجتماعات الشركة فقط في الأوقات التي يكون فيها جميع الموظفين حاضرين في المكتب. أيضاً في السنوات العشر التي تلت بدء البرنامج، قيل أن نسبة رضا الموظفين والتي كانت تبلغ حوالي 39% قد وصلت إلى 100%، وبالمثل، ارتفعت كفاءة الموظفين بشكل ملحوظ جداً.
اقرأ أيضاً: النشاط الرياضي وآثاره على صحة الإنسان
هل يمكن التحول من نمط بوم الليل إلى الطيور المبكرة؟
على الرغم من أن النمط الزمني (بالإنجليزية: Chronotype) للأشخاص خاصية فسيولوجية، فإنه يمكن أن تتغير. تتطور الأنماط الزمنية على مدار دورة حياة الشخص. على سبيل المثال:
- الأشخاص في سن المراهقة هم أفراد مسائيون في الغالب.
- الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و50 عاماً يمكن أن يتواجدوا بنسب متساوية بين نمطي بوم الليل والطيور الباكرة.
- الأشخاص فوق خمسين عاماً بشكل عام يندرجون نحو نمط الطيور المبكرة.
ولكن السؤال الذي قد يتبادر إلى الأذهان: هل يجب على بوم الليل أن يحاولوا تطوير إيقاع ساعتهم البيولوجية ليتحولوا إلى أشخاص صباحيين؟
لقد كانت هذه المسألة موضع جدل منذ اكتشاف الأنماط الزمنية للناس، ولكن لم يتم التوافق على هذا الأمر حتى الآن. وبالرغم من أن هذه المسألة بالنهاية تخضع لقرار الشخص نفسه، إلا أن الخبراء لديهم بعض الاقتراحات للأشخاص المسائيين الذين يرغبون التعايش في عالم يغلب عليه نمط الأشخاص الصباحيين عن طريق معالجة إيقاع الساعة البيولوجية لديهم بتعديلات طفيفة مثل:
- تناول مكملات الميلاتونين تحت إشراف طبي؛ فهي تعمل على تحفيز النوم في الظلام.
- استخدام الإضاءة بشكل استراتيجي، حيث تعمل الأضواء الخاصة التي تحاكي شروق الشمس وغروبها على تحضير أجسامنا للنوم أو الاستيقاظ.
في النهاية، يعتمد النعاس واليقظة على التوازن الدقيق بين هرمون النوم (الميلاتونين) والضوء.
فحص جديد يكشف عن الشخص المسائي أو الصباحي (فحص الساعة البيولوجية)
في عام 2018 تم ابتكار فحص يسمى "تايم سجنيتشر" وهو يقيس 40 دلالة تعبير جيني مختلف تتعلق بالوقت الخاص للجسم مقارنة بالوقت في العالم الخارجي. على سبيل المثال؛ قد تكون الساعة 8 صباحًا، ولكن قد يعمل الجسم كما لو كانت الساعة 6 صباحًا.
يمكن إجراء هذا الاختبار في أي وقت من اليوم، وهو يتطلب سحب الدم مرتين بغض النظر عن النمط اليومي للمريض.
أهمية فحص الساعة الداخلية
إن معرفة إيقاع الساعة البيولوجية يساهم في تحسين جدولة الأنشطة اليومية بما يتوافق معها. مثل، وقت تناول الأدوية ووقت تناول الطعام. وهذه الأمور تختلف من شخص لآخر؛ في الأشخاص الأصحاء، يختلف توقيت الساعة الداخلية بما يصل إلى خمس ساعات، مما يعني أن وقت النوم الأمثل لشخص ما قد يكون الساعة 9 مساء وقد يكون وقت النوم الأمثل لشخص آخر في الثانية صباحًا.
إن محاولة النوم في وقت ليس مثالياً لساعتك الداخلية، قد ينتج عنه صعوبات في النوم. وبالمثل، فإن تناول وجبة في الوقت الداخلي "الخاطئ" يمكن أن يسبب تغيرات في التمثيل الغذائي، بما في ذلك زيادة الوزن.