يلجأ الكثير من الأشخاص الذين يعانون من الأمراض النفسية باختلاف درجاتها إلى الإدمان باختلاف أشكاله محاولون الابتعاد عن واقعهم وتخفيف الأعراض الذين يواجهونها بسبب هذه الأمراض. تزداد شدة الأعراض المرافقة لأمراض النفسية سوءاً في حال لم يتم علاجها بالإضافة للجوء الشخص في هذا الحال للإدمان مما يؤدي إلى تدهور حالته النفسية والجسدية وبالمقابل يزيد الإدمان شدة الأعراض المرافقة للأمراض النفسية لذلك لابد من معالجة الشخص من هذه الأمراض والإدمان بأسرع وقت ممكن ويشترك في هذه المعالجة أعضاء الطاقم الطبي والمرشدين النفسيين بالإضافة لدور الشخص المريض الأساسي في عملية العلاج والتأهيل النفسي حتى يتمكن من ممارسة الحياة اليومية. إذ تشير إحصاءات أجريت في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية أن ما يقارب 50% من الأشخاص الذين يعانون من الأمراض النفسية يلجأون إلى الإدمان، وقرابة 37% من الأشخاص الذين يعانون من الأمراض النفسية يعانون من الإدمان على الكحول، وما يقارب نسبة 53% منهم يلجأون إلى إدمان المخدرات.
للمزيد: ما هي انواع الإدمان؟
ما هو التشخيص المزدوج؟
يطلق مصطلح التشخيص المزدوج على التشخيص الذي يمارسه الأطباء أو أحد أعضاء الطاقم الطبيّ على الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية مثل الاكتئاب أو انفصام الشخصية أو اضطراب ثنائي القطب أو اضطرابات الأكل أو اضطرابات الشخصية الحادة أو اضطرابات الهلع بالتزامن مع معاناتهم من الإدمان. إذ يلجأ الكثير من الأشخاص المصابين بأيّ من الأمراض النفسية إلى الإدمان بمختلف أشكاله، حيث يمكن أن يلجأ الأشخاص إلى الإدمان على المخدرات أو المهدئات أو اللجوء لممارسة العلاقات الجنسية أو اللجوء إلى لعب القمار أو الإدمان على الكحول. وبالرغم من ظهور مصطلح التشخيص المزدوج قبل ما يزيد عن عشرين عاماً إلاّ أنه مازال هنالك لبْس في فهم هذا المصطلح وذلك يعود إلى سبب عدم كفاءة بعض أعضاء الطاقم الطبيّ لإدارة مثل هذه الحالات.
يعاني حوالي نصف المرضى الذين يعانون من اضطرابات نفسية من اضطراب تعاطي الكحول أو المخدرات أيضاً في مرحلة ما من حياتهم، والعكس صحيح. واجتماع هاتين الحالتين معاً يمكن أن يزيد كلاهما سوءاً.
للمزيد: علاج إدمان الكحول بالأعشاب
ما هي أسباب حدوث التشخيص المزدوج؟
على الرغم من أن اضطرابات الإدمان والاضطرابات النفسية غالباً تحدثان معاً، إلا أن ذلك لا يعني أن إحداهما كان السبب في حصول الأمر الآخَر بالضرورة وإن ظهر أحدهما أولاً، بل ويبدو من الصعب تحديد من حصل أولاً. ويعتقد الباحثون أن هناك عدة عوامل متداخلة يمكن أن تؤدي إلى حدوث اضطرابات الإدمان والاضطرابات النفسية معاً:
- الاضطرابات النفسية تؤدي إلى استعمال الأدوية، وبالتالي قد يكون ذلك سبباً في سوء استعمالها. مثلاً؛ يتناول الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية الأدوية أو الكحول فتمنحهم إحساساً مؤقتاً بأنهم أفضل حالاً، وهذا يُعرف باسم العلاج الذاتي (بالإنجليزية: Self-medication). كما أن الاضطرابات النفسية قد تغير في الدماغ بجعله أكثر قابلية ليصبح الشخص مدمناً.
- الإدمان واستعمال الأدوية قد يؤدي إلى حصول اضطراب نفسي، لأن الإدمان قد يغير في الدماغ بجعله أكثر قابلية للإصابة باضطراب نفسي.
- تعاطي الأدوية يمكن أن يثير الأعراض التي تحاكي الاضطراب النفسي. على سبيل المثال يمكن أن يؤدي الإفراط في استخدام الماريجوانا إلى الذهان (بالإنجليزية: Psychosis) لدى بعض الأفراد، وهو اضطراب نفسي شديد يؤدي إلى فقدان الاتصال بالواقع.
- الجينات؛ حيث يمكن أن يؤدي الاستعداد الوراثي للشخص إلى جعله أكثر عرضة للإصابة بالإدمان أو الاضطراب النفسي. تشير الدراسات إلى أن الجينات تشكل ٤٠ إلى ٦٠ بالمئة من قابلية الشخص للإدمان.
- العوامل البيئية؛ يمكن أن يؤدي الإجهاد المزمن، أو القلق المستمر، أو حدوث صدمة إلى حدوث اضطراب نفسي أو إدمان لدى بعض الأشخاص.
- التعرض إلى الأدوية أو الكحول في سن مبكرة؛ قد يصاب الأشخاص الذين يجربون الأدوية أو الكحول في سن مبكرة بمشكلة تعاطي الأدوية أو اضطرابات الصحة النفسية في وقت لاحق. وذلك لأن المراهقين والشباب أكثر عرضة لتلف الدماغ بسبب تعاطي الأدوية من البالغين الأكبر سناً.
ما هي الأمراض النفسية المرتبطة بالتشخيص المزدوج؟
هناك بعض الاضطرابات النفسية والسلوكية التي تظهر بشكل متكرر إلى جانب الإدمان. في كثيرٍ من الأحيان، تكون هذه الاضطرابات هي السبب الكامن وراء الإدمان؛ لهذا السبب من المهم ألا يتم أبداً تجاهل أعراض الاضطرابات النفسية والسلوكية عندما يتعلق الأمر بخطة التعافي من الإدمان على المدى الطويل. ومن الأمثلة على الاضطرابات النفسية المصاحبة للإدمان:
- اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (بالإنجليزية: Attention-deficit Hyperactive Disorder)، يلجأ بعض الأشخاص الذين يعانون من اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط إلى الإدمان على بعض المواد أو النشاطات لتخفيف الشعور بالأعراض المصاحبة لهذا المرض.
- اضطراب ثنائي القطب (بالإنجليزية: Bipolar Disorder)، يلجأ قرابة 50% من الأشخاص الذين يعانون من اضطراب ثنائي القطب إلى تعاطي أنواع من المخدرات أو الكحول لتخفيف الأعراض المرافقة لهذا المرض بشكل مؤقت.
- اضطرابات الشخصية الحادة (بالإنجليزية: Borderline Personality Disorder)، يصادف عادةً الإصابة بالاضطرابات الشخصية الحادة مع الإدمان، حيث تبين أن ثلثي المصابين بهذا الاضطراب يلجأون لتعاطي المخدرات او الكحول.
- الإكتئاب، يصاب شخص واحد من بين عشر أشخاص بالإكتئاب في الولايات المتحدة الأمريكية إذ يلجأ بعض الأشخاص المصابين بالإكتئاب إلى تعاطي الكحول أو المخدرات.
- اضطرابات الأكل، يلجأ بعض الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الأكل إلى تعاطي الكحول أو المخدرات حتى تؤثر على الشهية وتساعد في تخفيف الوزن.
- اضطرابات القلق العام (بالإنجليزية: Generalized Anxiety Disorder)، يكثر الإصابة بهذا الإضطراب داخل الولايات المتحدة الأمريكية حيث يصيب قرابة 18% من البالغين بهذا الاضطراب. يلجأ عدداً من الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب للإدمان على الأدوية من مجموعة البنزوديازيبين لتخفيف الأعراض المرافقة لاضطراب القلق العام.
- الوسواس القهري (بالإنجليزية: Obsessive Compulsive Disorder)، يتمثل الوسواس القهري بمخاوف عديدة من الجراثيم والرغبة الشديدة بابقاء جميع الأشياء نظيفة ومرتبة بالإضافة لتخوّف الأشخاص المصابين بالوسواس القهري من عدة أمور قد لا يكون لها اصل أو وجود في الواقع مما يزيد من نسبة الإصابة بالاكتئاب واضطرابات نفسية أخرى تستدعي وصولهم لمرحلة الإدمان على الكحول أو المخدرات.
- اضطرابات ما بعد الصدمة (بالإنجليزية: post-traumatic Stress Disorder)، تقل كمية هرمون الأندورفين المفرزة من الدماغ بعد تعرضه للصدمات غذ يبدأ الشخص بعدها بالشعور بعدم السعادة مما يستدعي الشخص اللجوء إلى تعاطي المخدرات أو الكحول لتحسين المزاج ولو بشكلٍ مؤقت.
- انفصام الشخصية، يتمثل انفصام الشخصية بالهلوسات والتفكير الوهميّ. يشترك انفصام الشخصية والإدمان بعددٍ من الأعراض والتأثيرات مما يجعل عملية التشخيص أكثر صعوبةً حيث يلجأ الكثير من الأشخاص الذين يعانون من انفصام الشخصية إلى الإدمان على الكحول والمخدرات لتخفيف أعراض هذا المرض إلاّ أن في الواقه تعاطي مثل هذه المواد تزيد الحالة سوءاً.
ما هي أعراض وعلامات التشخيص المزدوج؟
تختلف علامات التشخيص المزدوج اختلافاً كبيراً بين الأفراد المصابون به. وبشكلٍ عام، تعتمد الأعراض على المادة التي يتم تعاطيها، وكذلك على شدة الحالة التي يعاني منها المُصاب. وتشمل أعراض التشخيص المزدوج ما يلي:
- تغير مفاجىء في السلوك العام.
- صعوبة إدارة المهام والمسؤوليات اليومية.
- تجنب الأنشطة الاجتماعية والأحداث التي كان يستمتع بها المصاب سابقاً.
- إهمال الصحة والنظافة.
- التفكير الوهمي أو الإعاقات الإدراكية.
- رفض البدء أو الامتثال للعلاج.
- الحديث حول التفكير بالانتحار أو التصرفات الانتحارية.
- القيام بسلوكيات مثيرة للاندفاع.
- مشاكل في إدارة الشؤون المالية.
- ضعف الأداء في المدرسة أو العمل.
ما هي مخاطر العلاج الذاتي لدى الأشخاص ذوي التشخيص المزدوج؟
يعد العلاج الذاتي واحدةً من المشكلات الأكثر شيوعاً المرتبطة بالتشخيص المزدوج. يتضمن العلاج الذاتي تعاطي الأدوية أو الكحول لإخفاء أعراض الاضطراب النفسي، مما يؤدي إلى تحفيز الإدمان، وجعل المشكلة العقلية الكامنة أكثر سوءاً. ومن أمثلة العلاج الذاتي:
- تناول الكحول لتقليل الشعور بالقلق في المواقف الاجتماعية.
- تناول كميات زائدة من البنزوديازيبين لتخفيف نوبات الهلع القادمة.
- استعمال الماريجوانا لتخدير الألم العاطفي الناجم عن الصدمة أو الحزن.
- التدخين أو استخدام حُقن الكوكايين لزيادة الطاقة والتحفيز لاستكمال المهام اليومية.
ما هو علاج التشخيص المزدوج؟
ينبغي على الشخص المصاب بالتشخيص المزدوج التداوي من كِلا الحالتين. ولكي يكون العلاج فعالاً، ينبغي على الشخص المصاب التوقف عن استعمال الكحول أو الأدوية. وقد تشمل العلاجات العلاج السلوكي والعلاج الدوائي. كما أنه من الممكن أن توفر مجموعات الدعم الدعم العاطفي والاجتماعي، ويمكن للأشخاص من خلاله مشاركة النصائح حول كيفية التعامل مع التحديات اليومية. ويتم العلاج كما يلي:
- علاج الأمراض النفسية، يمكن علاج الأمراض النفسية من خلال تناول الأدوية، وتغير نمط الحياة المتبع من قبل الشخص، وأخذ المشورة والدعم النفسيّ من قبل أعضاء الطاقم الطبي.
- علاج الإدمان، يمكن علاج الادمان من خلال إدارة أعراض الإنسحاب( بالإنجليزية: Withdrawal Symptoms)، بالإضافة لدور الدعم والإرشاد المعنوي إما بشكلٍ فرديٍ أو على شكل مجموعات في مساعدة الأشخاص للتعافي من الإدمان.
- الإلتزام أثناء فترة العلاج، يتطلب التعافي من الأمراض النفسية والإدمان الشجاعة والالتزام بكل ما هو محدد في البرنامج العلاجيّ.
- البقاء متيقظاً أثناء فترة العلاج، يتطلب من الشخص المصاب أن يكون واعياً بحالته وأن يبقى على معرفة تامة بتأثير تعاطي الكحول والمخدرات على الأدوية الموصوفة من قبل الطبيب لعلاج الأمراض النفسية والإدمان.
- الاختلاط ضمن المجموعات المساندة والداعمة، يمثل الاختلاط ضمن المجموعات المساندة والداعمة دوراً هاماً في علاج حالات التشخيص المزدوج.