يعود مرض السل مرة ثانية للإنتشار بين البشر في العديد من بلدان العالم النامي والمتقدم على حد سواء، ويعود هذه المرة بشكل خطير يتمثل بظهور سلالات بكتيريا السل "Mycobaterium tuberculosis" المقاومة للمضادات الحيوية التي أستعملت ولا تزال تستعمل منذ ما يقارب من الخمسين عاماً في علاج المرض، والتي نجحت بمحاصرة انتشار مرض السل في العالم، ومعها انخفضت أعداد المصابين والوفيات بالملايين، حيث جعل هذا التطور الكبير معظم الأطباء يعتقدون بأن مرض السل سوف يختفي ويريح البشر في المستقبل القريب من مضاعفاته المميتة.

ولكن حقيقة الأمر أظهرت منذ سنوات قليلة، أن بعض سلالات بكتيريا السل، تمكنت من تطوير مقاومة نوعية ضد أدوية مضادات السل المستعملة، وأصبحت هذه الأدوية رخيصة الثمن والمتوفرة حالياً لا تصلح لعلاج مرضى السل المصابين بهذه السلالات العنيدة، كما بدأت الدوائر الصحية في الكثير من البلدان وخاصة بالهند والصين تلاحظ زيادة كبيرة بنسبة المرضى والوفيات بمرض السل نتيجة قصور عمل أدوية السل.

إحصائيات

أعلنت منظمة الصحة العالمية في عام 2010، أن مرض السل أصاب 8,8 مليون شخص، وأدى الى وفاة 8,1 مليون شخص في أنحاء العالم، وتؤكد هذه الأرقام بأن مرض السل لا يزال يفتك بالبشر كما كان في الماضي القريب، وقبل بدء عصر استعمال المضادات الحيوية في منتصف القرن الماضي، وتعتبر الصين والهند من أكثر الدول في العالم من حيث عدد المصابين والوفيات ببكتيريا السل المقاوم للعديد من أدوية المضادات حسب تقارير منظمة الصحة العالمية الأخيرة.

أنواع مرض السل

إن حصول العدوى البكتيريا التي تسبب مرض السل لدى الفرد لا تعني أنه سوف يمرض ويصاب بمرض السل. هناك نوعين من مرض السل:

  • السل الكامن، حيث الأفراد المصابون به تتواجد البكتيريا المسببة للمرض في أجسامهم، لكن يقوم جهاز المناعة لديهم بمنع هذه البكتيريا من الانتشار. أيضاً إن المرضى المصابون بمرض السل الكامن لا تظهر عليهم أي أعراض ولا يقومون بنقل العدوى للأشخاص الآخرين، لكن ومن الجدير بالذكر أن هذه البكتيريا لا تزال حية في جسم الشخص المصاب ويمكن أن تصبح ذات يوم نشطة.
  • السل النشط، حيث إن البكتيريا المسببة للمرض قادرة على التكاثر ويمكن أن تسبب المرض للشخص حيث تظهر عليه الأعراض. أيضاً يمكن للأشخاص المصابين نشر المرض لأشخاص الآخرين. والجدير بالذكر أن 90% من حالات السل النشط للبالغين ناتجة عن تنشيط عدوى السل الكامنة.

أعراض مرض السل

هناك عدد من الأعراض التي تظهر عادة على المريض الذي يعاني من مرض السل النشط والتي تشمل:

  • سعال يدوم أكثر من 3 أسابيع.
  • ألم في منطقة الصدر.
  • سعال المصحوب بخروج الدم.
  • الشعور بالتعب في كل الأوقات.
  • التعرق خلال الليل.
  • القشعريرة.
  • الحمى.
  • فقدان الشهية.
  • فقدان الوزن.

لذلك إذا كان لديك أي من هذه الأعراض ، فقم باستشارة طبيبك لإجراء الفحوصات المناسبة.

أسباب مرض السل

إن البكتيريا التي تسبب مرض السل قادرة على الانتشار في الهواء، تماماً مثل البرد أو الأنفلونزا، لذلك عندما يقوم الشخص المصاب بمرض السل النشط بالسعال أو العطس أو يتحدث أو يضحك أو يغني، قد يتم إطلاق قطرات صغيرة من سوائل الجسم، مثل اللعاب، والتي تحتوي على هذه الجراثيم والبكتيريا المسببة للمرض، فإذا قمت بالتنفس واستنشاق هذه القطرات فقد تحصل على هذه الجراثيم و من ثم قد تصاب بالمرض.

والجدير بالذكر أنه وبالرغم من أن مرض السل النشط يمكن أن ينتشر من شخص لآخر، إلا أنه ليس من السهل الإصابة به وعادة ما يكون عليك أن تقضي الكثير من الوقت حول شخص المصاب لذلك من المرجح أن يحصل الشخص على المرض عادة من زملاء العمل، والأصدقاء، وأفراد الأسرة.

أيضاً إن البكتيريا المسببة لمرض السل لا تنمو على الأسطح، لذلك لا يمكن أن يحصل الفرد على المرض من خلال مصافحة الشخص المصاب به أو من خلال مشاركته بالطعام أو الشراب.

علاج مرض السل

يعتمد العلاج المقدم للمريض المصاب بالسل على ما إذا كان مصاباً بالسل الكامن أو السل النشط.

  • إذا كان لديه مرض السل الكامن، فمن المحتمل أن يعطيه الطبيب أدوية تقوم بقتل البكتيريا المسببة للمرض وذلك حتى لا يصاب بمرض السل النشط. يتم ذلك خاصة لدى المرضى المعرضين لخطر حدوث تنشيط لمرض السل- على سبيل المثال، إذا كان المريض مصاباً بفايروس نقص المناعة البشري.
  • أما في حالة مرض السل النشط، فيقوم الطبيب بإعطاء المريض مزيج من الأدوية والتي عادة ما سيستمر المريض بأخذهم لمدة تتراوح من 6 إلى 12 شهراً. هنالك عدد من الأدوية المعتمدة من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لعلاج السل، منها:
  • الآيزونيازيد (بالإنجليزية: Isoniazide).
  • الريفامبين (بالإنجليزية: Rifampin).
  • الإيثامبوتول (بالإنجليزية:Ethambutol).
  • بيرازيناميد (بالإنجليزية: pyrazinamide).
  • والجدير بالذكر أنه سواء أكنت مصاباً بمرض السل الكامن أو السل النشط، من المهم أن تنتهي من تناول كامل الجرعات لجميع الأدوية الخاصة بك، حتى لو كنت تشعر بتحسن بعد بدء تناولها.

    الحد من انتشار بكتيريا السل

    يعتقد أهل الأختصاص بالميكروبات الطبية والخبراء في الصحة العامة بأن المعركة ضد بكتيريا السل يجب أن تبدأ فوراً وبقوة وبشكل منظم في جميع أرجاء العالم، وبدعم مالي أكبر من الدول الغنية وبإشراف منظمة الصحة العالمية، وذلك للأسباب التالية:

    • سهولة إنتشار بكتيريا السل من الشخص المصاب أو الحامل الصامت وغير المكتشف أصابته بمرض السل، ويكفي أن نبين هنا بأن أي شخص مصاب بسل الرئتين يستطيع أن ينقل المرض عن طريق إفرازات جهازه التنفسي بالسعال، والعطس، والبصق إلى عشرات الأفراد باليوم الواحد.
    • تنتقل بكتيريا السل من الشخص المصاب إلى الآخرين بسهولة عن طريق الاختلاط والتقبيل بين الأفراد، ويزيد انتقال البكتيريا في مناطق الازدحام مثل المصاعد، والأماكن المغلقة من مقاهي، ومطاعم، وصفوف المدارس، في حالة عدم توفر التهوية الجيدة والنظافة العامة.
    • يعتبر بصق الشخص الحامل لمرض السل في الشوارع والأماكن العامة من أهم ما يساعد على نشر العدوى ببكتيريا السل بين المئات في البلدان النامية، فالمعروف أن بكتيريا السل تعتبر مقاومة للجفاف في الطبيعة، وتبقى حية وقابلة لعدوى الإنسان ولفترة عدة سنوات على أرصفة الشوارع والأماكن المعتمة التي لا تصلها الشمس، وذلك عن طريق إنتقالها بالغبار إلى أي جزء من الجهاز التنفسي للإنسان، ويكفي أن يصل ويستقر عدد قليل من عصيات بكتيريا السل في أنسجة أحد الرئتين عند أي شخص لتؤدي لاحقاً بعد فترة أسابيع إلى أشهر لحدوث حالة السل، وخاصة بين الأشخاص الذين يعانون من نقص المناعة، أو سوء التغذية، أو الأمراض المزمنة ومنها أمراض الإيدز والرئتين. وللعلم فأن بكتيريا السل لا تسبب العدوى والمرض فقط للفقراء كما يعتقد بعض الأشخاص خطأ.
    • من المهم أن لا يتم استعمال مضادات بكتيريا السل غير الجيدة التصنيع أو التي لا تحتوي على الكميات المقررة دولياً من الدواء، فهناك أدوية مزورة تباع بكثرة في بلدان العالم النامي، وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية بأن حوالي ثلث مجمل الأدوية المباعة تعتبر مزورة وغير فاعلة في العلاج، ومن المعروف علمياً بأن أي نقص أو ضعف في مفعول هذه الأدوية سيؤدي إلى عدم شفاء المريض، وسيساعد على زيادة إنتشار سلالات بكتيريا السل وغيرها من أنواع البكتيريا المقاومة للمضادات المستعملة،
    • في حالة زيادة انتشار سلالات بكتيريا السل المقاومة لعديد المضادات الحيوية، فإن الكثير من الدول النامية والفقيرة لن تستطيع دفع تكلفة أدوية السل الجديدة الغالية الثمن، والتي يمكن أن تؤدي إلى أستنزاف كل ميزانيات الصحة الأولية والتطبيب في هذه الدول، ونشير هنا، بأن تكلفة معالجة مريض السل الواحد المصاب ببكتيريا السل غير المقاومة للمضادات لا تكلف عادة أكثر من 200-300 دولار أمريكي، وغالباً تستمر فترة العلاج لمدة 6 أشهر حتى يشفي المريض، وأما في حالة معالجة المريض المصاب ببكتيريا السل المقاوم للعديد من المضادات فتصل التكلفة إلى مبلغ لا يقل عن 15000 دولار، وتستمر فترة العلاج بين 1-3 سنوات، وترتفع نسبة الوفيات بينهم إلى عشرة أضعاف، كما ستبقى نسبة من المرضى لا ينفع معها أي علاج وستموت من المرض.
    • ستبقى بكتيريا السل ومعها أنواع متعددة من البكتيريا المعدية تطور آليات مقاومة لجميع أنواع المضادات الحيوية التي أصبحت تستعمل بكميات كبيرة وفي كثير من الحالات بدون خبرة كافية في علاج أمراض الإنسان والحيوان أو للوقاية من الأمراض المعدية، وحتى الآن لا توجد وسيلة علمية أوعملية تمنع كليا وقف عملية مقاومة البكتيريا للمضادت الحيوية.

    والخلاصة، من المهم أن نعرف أن وقف عودة انتشار بكتيريا مرض السل المقاوم للعديد من المضادات الحيوية، يتطلب أن تقوم المؤسسات الصحية الرسمية والخاصة عندنا وفي العالم وبالتعاون مع جميع الأطباء المعالجين والصيادلة بتنظيم أسس استخدام المضادات الميكروبية في مجال المعالجة والوقاية عند الإنسان وفي مزارع تربية الحيوانات والطيور والأسماك، وعليهم أن يتبعوا التوصيات العالمية التي تحدد بدقة الكمية والمدة الزمنية لاستعمال كل صنف من الدواء، وخلاف ذلك لن نستطيع السيطرة على مقاومة الميكروبات لأدوية المضادات الحيوية، وسيزيد عدد الذين سيموتون بأمراضها المعدية.

    اقرأ أيضاً: اليوم العالمي لمرض السل

    اقرأ أيضاً: فيتامين ج يقتل البكتيريا المسببة للسل