بات جلياً، منذ بداية العام الجاري، انتشار جائحة "كورونا" (كوفيد-19) عالمياً غير مستثنية بقعة جغرافية دون غيرها، أو بلداً دون آخر، أو حتى رقعة على حساب رقعة أخرى. وتبعاً لحجم انتشار هذا الوباء وتوزّعه عالمياً، كان لا بد من البحث والتبصُّر بطبيعة وكُنه هذا الفيروس للعمل على تجييش الجيوش ومحاربته والقضاء عليه بأقل الخسائر.
وفي هذا السياق ظهرت دراسات عديدة من هنا وهناك للتعرف على ماهية الوباء وتداعياته المرضية وما إلى غير ذلك من أمور. فظهرت تساؤلات وثارت إشارات استفهام عن علاقة الإصابة بكورونا (بالإنجليزية: Corona) مع فصائل الدم المختلفة.
العلاقة بين فصائل الدم والإصابة بفيروس كورونا
رأى المختصون أن هناك علاقة وارتباطاً بين فصائل الدم، والتعرض للإصابة بالأمراض المختلفة. فعلى سبيل المثال، ترتبط فصيلة دم "B" بانخفاض خطر الإصابة بأنواع السرطان، عموماً، في حين ترتبط فصيلة دم "O" بانخفاض خطر الوفاة نتيجة الملاريا الحادة. ومع ذلك، فهي أكثر عرضة للإصابة بـالفيروس المُسبب للقيء والإسهال والمعروف باسم (Norovirus).
ورغم حداثة موضوع الإصابة بفيروس كورونا وعدم نضوجه حتى اللحظة، وعدم اكتمال وضوح الصورة الوبائية له، إلا أنّ المراكز البحثية المهتمة والمنتشرة في انحاء العالم بدأت البحث عن العلاقة بين الإصابة بهذا الفيروس وارتباطها بفصائل الدم المختلفة، إضافة إلى العديد من الأبحاث في المجالات المختلفة المرتبطة بالموضوع.
وتوصل الكثير من الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يحملون دماً من فصيلة "O" هم أقل عُرضة للإصابة بالكورونا من غيرهم، وأن الحاملين لفصيلة الدم "A" هم الأكثر عُرضة للإصابة. وقد كشفت دراسة أمريكية حديثة أجرتها شركة (23andMe) إلى أن فصائل الدم يمكن أن تلعب دوراً في حماية صاحبها من الإصابة بهذا الفيروس، وأقرّت أنّ الأشخاص الذين لديهم فصيلة دم "O" يحظون بحماية أكبر، كما ذكرت فضائية "فوكس نيوز" الامريكية. ولقد اعتمدت تلك الفضائية في دراستها على عينة من 750 ألف شخص في شهر نيسان (ابريل) لهذا العام، لفهم الدور الذي تلعبه العوامل الوراثية في الإصابة بالكورونا. وقد أظهرت النتائج الأولية أن الأشخاص أصحاب فصيلة دم "O" كانوا أقل احتمالاً للإصابة بالفيروس بنسبة 14 في المائة من فصائل الدم الأخرى، بعد استبعاد عوامل العمر والجنس والعِرق والأمراض المصاحبة.
وفي دراسة صينية أخرى، تبين أن الأشخاص الذين ينتمون لفصيلة الدم "O" أكثرمقاومة للفيروس، عكس الأشخاص الذين ينتمون لفصيلة الدم "A" الذين كانوا أقلمقاومة، واكثر عرضة للإصابة بالطبع. وقام باحثون في مستشفى تشونغنان في جامعة "ووهان" بفحص فصيلة دم لنحو 2173 مريضاً بـ "كوفيد19-"، وتبين أن معدلات الإصابة بالعدوى بين أصحاب فصيلة الدم "A" أعلى بكثير من باقي أصحاب فصائل الدم.
وخلصت دراسة ألمانية نرويجية مشتركة تمت عبر 2205 عيّنات إلى أن الأشخاص الذين يحملون فصيلة دم "A" أكثر تأثراً بالمرض من الأشخاص ذوي فصائل الدم الأخرى! ووجدوا أن الخطر يقل لدى الأشخاص الذين فصيلة دمهم "O". وكشفت الدراسة أن الأشخاص الذين يحملون فصيلة دم "A" يحتاجون، خلال علاجهم إلى ضعف كمية الأوكسجين، وأنهم أكثر حاجة لأجهزة التنفس الاصطناعي، مقارنة بأولئك الذين يحملون فصيلة دم "O". أما بالنسبة لبقية فصائل الدم فقد تراوحت شدّة أعراض المرض لدى أصحابها بين هاتين الفصيلتين بشكل متفاوت.
اقرأ أيضاً: الدليل الشامل حول فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)
أسباب التباينات
وللتعرف على سبب تلك التباينات في الاصابات تبعاً لفصائل الدم، تبين أن هناك جيناً مرتبطاً بفصيلة الدم يرتبط بدوره بمستويات مرتفعة من بروتينات رئيسية على سطح خلايا الدم الحمراء يمكن أن تؤثر في تخثرالدم، وهي إحدى المضاعفات التي تصيب مرضى كورونا الذين بلغوا مرحلة مرضية حرجة وخطيرة، وتحديداً المرضى الذين يحملون فصيلة الدم "A". أما الأشخاص ذوو فصيلة الدم "O" فيمتلكون مستويات منخفضة من تلك البروتينات، التي تعمل على تقليل معدلات تخثر الدم، وكان ذلك بمثابة عنصر وقائي لهم، كما جاء في دراسة أعدها علماء إيطاليون وإسبان. ففي تلك الدراسة تم استخراج عيِّنات من الحمض النووي من نحو 1980 مريضاً تم نقلهم إلى المستشفى بسبب تدهور حالاتهم الصحية، والوصول إلى مرحلة فشل في الجهاز التنفسي.
وفي سياق آخر أشارت دراسة أجريت في مستشفى ماساتشوستس العام الأمريكي، أنّ الجينات الوراثية وفصيلة الدم قد تزيد من فرص الإصابة أو الوفاة بسبب "كورونا" لسبب آخر مغاير لما تم طرحه. فقد وجد الباحثون أن الأشخاص الذين لديهم فصيلة دم "A" لا يصنعون الأجسام المضادة نفسها مثل الأشخاص الذين لديهم دم من فصيلة "O"، فهؤلاء الأشخاص هم أكثر قدرة على التعرف على بروتينات معينة (الانتيجينات) بوصفها أجساماً غريبة تستوجب مقاومتها، ومنها البروتينات الموجودة على سطح تلك الفيروسات.
وعلى الرغم من تلك المعطيات السالفة الذكر، إلا أنه اتضّح أن تأثير فصائل الدم، ليس وحده من يلعب الدور المهم في الإصابة والعدوى، فهناك عوامل أخرى، منها ما زالت مجهولة، ومنها ما بدأ كشف النقاب عنها، وأكثرها بات شائعاً ومتعلقاً بالأمراض المزمنة، مثل امراض الضغط والسكري والقلب والكبد والكلى. وبات تأثير فصائل الدم جزئياً وليس محورياً، ولا يوجد شخص في مأمن من الإصابة بفيروس "كورونا" بغض النظر عن فصيلة دمه. من هنا فإننا نقول: "إذا كانت فصائل الدم لا تساعد كثيراً في علاج الأشخاص المصابين بالمرض، إلا أنه يمكن الاستعانة بها للكشف عن أمر مهم في الطبيعة الأساسية للمرض، لأن فصيلة الدم تؤثر في كيفية مكافحة الجهاز المناعي للعدوى".
وبالرجوع الى الوراء قليلاً، وتحديداً إلى العام 2002 وحتى العام 2005، وذلك عندما انتشر وباء "سارس" (كوفيد-2)، فقد تبين في حينه ما يدعم النظرية التي تربط معدلات الإصابة بهذا الوباء بفصائل الدم. فقد أظهرت الدراسات في حينه أن هناك نظام حماية خاص لدى الأشخاص أصحاب فصيلة الدم "O" من العدوى من الفيروسات التاجية، عموماً وفيروس "سارس" خصوصاً، فقد قام العلماء بتحليل بيانات انتقال العدوى في حينه، وتبين أن 44 في المائة فقط من الأشخاص ذوي فصيلة الدم "O" أصيبوا بالعدوى، بالمقارنة مع 85 في المائة من فصائل دم أخرى، حسب بيانات علماء مستشفى هونغ كونغ.
وفي السياق ذاته توصّل باحثون في مدينة "ووهان" الصينية إلى استنتاج مماثل، فبعد إقصاء عوامل الخطر الأخرى، مثل العمر والجنس والمرض، تحقّق الباحثون من وجود صلة بين الأشخاص الذين يحملون فصيلة الدم "A" وخطر الإصابة بالسارس، حيث كانوا أكثر عرضة لخطر دخول المستشفى من أصحاب فصيلة دم "O".
اقرأ أيضاً: متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد ( السارس)
الخلاصة
رغم ما أظهرته الدراسات حول هذا الموضوع، إلا أنه يتوجّب على الأشخاص الذين ينتمون لفصيلة دم "A" ألا يشعروا بالقلق، ولا يجب على الأشخاص الذين ينتمون لفصيلة دم "O" أن يعتبروا أنفسهم في مأمن من العدوى! فهناك عوامل أخرى ثبت أن لها دوراً في الإصابة بالمرض. من هنا، يتوجّب على الجميع أخذ الاحتياطات الوقائية وتحديداً الأشخاص المُسنين والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة، أو أولئك الذين يعانون من خلل في جهازهم المناعي بغض النظر عن فصائلهم الدموية.
اقرأ أيضاً: طرق الوقاية والعلاج لفيروس كورونا
الدكتور: سرمد فوزي التايه