هل أنت شخص صيفي، أم تفضل برودة فصل الشتاء؟
بغض النظر عن درجة الحرارة في الخارج، يتفاعل الأشخاص بشكل مختلف مع الطقس، وهناك جانب من جوانب تغير المناخ الذي يهمله الكثير؛ إنّه الاستجابة العاطفية والعقلية لتغير المناخ، من الخوف والقلق إلى الأمل والشفاء إلى غيرها من الاستجابات المعقدة لتغير الطقس وتأثيره على الحالة المزاجية للأفراد وأفعالهم وبما حتى قراراتهم في بعض الأحيان.
يقول عالم النفس ديفيد واتسون: إنّ الناس المختلفين يفضلون بالفعل أنواعا مختلفة من الطقس، البعض يحبه أكثر دفئاً، والبعض الآخر يفضله أكثر برودة، وآخرون يحبون الطقس الجاف، وهناك من يحب الجو الأكثر رطوبة.
الفئة الاكثر عرضة للتأثر بتغيّرات المناخ
بعض الناس أكثر عرضة للتأثيرات المحتملة لتغير المناخ، بما في ذلك الأطفال والمسنين، والمصابين بالأمراض المزمنة، والأشخاص الذين يعانون من إعاقات حركية أو النساء الحوامل والأشخاص المصابين بأمراض نفسيّة. كذلك قد يكون الأشخاص ذو الحالة الاجتماعية والاقتصادية المنخفضة، والمهاجرون، واللاجئون، والمشردون أكثر عرضة للخطر وتأثراً بتغيرات الطقس.
للمزيد: حساب نقاط الاكتئاب لكبار السنّ
الحرارة الشديدة والصحة والعقلية
الحرارة الشديدة لها آثار كبيرة على الصحة العقلية والسلوك.
تجعل الحرارة الشديدة الكثير من الناس غريبي الأطوار أو سريعي الاهتياج والغضب.
وتعتبر موجات الحرارة ليست حميدة، وفترات غير مريحة، خاصة للأفراد الذين لديهم مخاطر صحية عميقة مرتبطة بزيادة معدلات القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، كما تزداد معدلات الانتحار خلال الفترات التي تمتاز بالحرارة الشديدة.
في الواقع، تعتبر الحرارة الشديدة الآن السبب الأكبر للوفاة المرتبطة بالطقس، حيث تتجاوز الأعاصير والبرق والأعاصير والفيضانات والزلازل مجتمعة، حيث شهدت الهند وهي دولة تعاني من فقر مدقع، خامس موجة حارة دموية في التاريخ في عام 2015، وتسببت هذه الموجة الحارّة في وفاة 2500 شخص بسبب الحرارة.
وعلى سبيل المقارنة، أفاد مركز السيطرة على الأمراض في الولايات المتحدة أنه بين عامي 1999 - 2010 كان هناك 618 حالة وفاة سنوياً بسبب الحرارة الشديدة، رغم توفر الوصول إلى أجهزة التكييف بسهولة أكبر من غيرها من البلدان الفقيرة.
يمكن أن يكون للحرارة الشديدة آثار كبيرة على الصحة العقلية وسلوك الأفراد، نذكر في ما يلي بعض آثار الحرارة الشديدة على السلوك والحالات النفسية:
- العنف
تؤكد الدلائل أنّ هناك ارتباط بين الحرارة الشديدة وازدياد العدوانية، حيث يؤدي الانحراف المعياري لارتفاع درجة الحرارة إلى زيادة بنسبة 4٪ في العنف، وهذا له آثار كبيرة على العنف المنزلي وله آثاره على النساء والأطفال.
كما أنّ نسبة الانتحار -وهو شكل من أشكال العنف تحول على الذات- تزداد خلال الحرارة الشديدة. تُظهر الأبحاث زيادة في معدلات الانتحار بنسبة 0.7 ٪ في الولايات المتحدة و 2.1 ٪ في المكسيك خلال الفترات التي تزداد حرارتها 1 درجة مئوية عن متوسط درجات الحرارة الشهرية.
- تغيّر المزاج
قامت إحدى الدراسات بتحليل أكثر من 600 مليون اتصال عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووجدت زيادة في اللغة الاكتئابية والتفكير في الانتحار المرتبط بزيادة درجات الحرارة؛ مما يشير إلى انخفاض في الصحة العقلية.
- المعرفة
تدعم مجموعة متنوعة من الدراسات الاستنتاج بأن الحرارة تُضعف من الوظائف الإدراكية، حيث لوحظ أن المهام الإدراكية المعقدة مثل الذاكرة العاملة (اختبار الامتداد المكاني، التعرف على الأنماط) قد تضعف بشكل كبير بسبب الضغط الحراري.
- الأرق
يعتبر النوم وظيفة أساسية للمحافظة على الصحة النفسيّة والصحة بشكل عام، و يؤثر الحرمان من النوم على الحالة المزاجية والإدراك.
تبدأ عملية النوم الطبيعي عن طريق انخفاض درجة حرارة الجسم الأساسية، لذلك تسهم زيادة الحرارة في زيادة الأرق وتفاقمه مع زيادة الرطوبة، مع إمكانية تفاقم جميع الصعوبات النفسية وقدرات المواجهة للفرد، وهذا له آثار على الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الحارّة، أو للأشخاص الذين لا يستطيعون الوصول إلى الهواء أو استخدام التكييف لتوفير أجواء أقل حرارة وأكثر راحة.
البرودة وتأثيرها على الصحة العقلية
تُظهر الأبحاث أن أشهر الشتاء وساعات الظلام الطويلة التي تأتي معه يمكن أن يكون لها تأثير على الصحة العقلية في كثير من الأحيان على نحو اضطراب عاطفي يُسمّى الاضطراب العاطفي الموسمي.
ذُكرت أعراض هذا الاضطراب في الأدبيات العلمية في عام 1845، ولكنه لم يكتسب اسماً سريرياً حتى أوائل الثمانينيات، ووفقاً للأكاديمية الأمريكية لأطباء الأسرة، يعاني حوالي 5 في المائة من سكان الولايات المتحدة من الحزن الموسمي كل عام، وتستمر أعراضهم لمدة خمسة أشهر تقريباً.
الاضطراب العاطفي الموسمي (بالانجليزية: Seasonal affective disorder) أو الاكتئاب الموسمي أو "البلوز الشتوي"، هو نوع من الاكتئاب يرتبط عادةً بحدوث تغيّر في الفصول.
يبدأ هذا الاضطراب (اختصاره (SAD وينتهي في نفس الوقت تقريباً من كل عام، حيث تبدأ غالباً الأعراض في الخريف وتستمر حتى أشهر الشتاء. ومع ذلك،هناك أشخاص أقل شيوعاً ذو نمط معاكس؛ حيث تبدأ لديهم أعراض هذا الاضطراب في الربيع أو الصيف. في كلتا الحالتين، قد تبدأ الأعراض خفيفة وتصبح أكثر حدة مع تقدم الموسم، قد تشمل علامات وأعراض SAD ما يلي:
- الشعور بالاكتئاب معظم اليوم تقريباً وكل يوم.
- فقدان الاهتمام بالأنشطة التي كان يستمتع بها الفرد عادةً.
- الخمول وانخفاض الطاقة.
- مواجهة مشاكل مع النوم.
- تغيّر في نمط الشهية أو الوزن.
- الشعور بالركود أو الإثارة.
- مواجهة صعوبة في التركيز.
- الشعور باليأس، أو شعور الفرد بأنه لا قيمة له أو أنه مذنب حيال كل شيء.
- وجود أفكار متكررة عند الشخص عن الموت أو الانتحار.
للمزيد: فحص الكشف عن الاكتئاب
أسباب الاضطراب العاطفي الموسمي
السبب المحدد للاضطراب العاطفي الموسمي لا يزال مجهولاً، ولكن هناك بعض العوامل التي قد تؤخذ في عين الاعتبار، مثل:
- الساعة البيولوجية الخاصة بالفرد (إيقاع الساعة البيولوجية): انخفاض مستوى أشعة الشمس في الخريف والشتاء قد يعطل الساعة الداخلية للجسم ويؤدي إلى الشعور بالاكتئاب.
- مستويات السيروتونين: قد يلعب هبوط مستوى السيروتونين دورا في الشعور بالحزن، وهي مادة كيميائية في الدماغ (ناقل عصبي) تؤثر على الحالة المزاجية؛ حيث يمكن أن يسبب انخفاض ضوء الشمس في الخريف والشتاء انخفاضاً في مستويات السيروتونين الذي قد يؤدي إلى الاكتئاب.
- مستويات الميلاتونين: يمكن أن يؤدي التغير في الموسم إلى تعطيل توازن مستوى الميلاتونين في الجسم، والذي يلعب دوراً في أنماط النوم والمزاج لدى الأفراد.
التغيّرات الموسمية وتأثيرها على الاضطراب الثنائي القطب
قد تؤدي بداية فصلي الربيع والصيف عند بعض الأشخاص الذين يعانون من الاضطراب الثنائي القطب إلى ظهور أعراض الهوس أو شكل أقل حدة من الهوس (Hypomania)، أمّا الخريف والشتاء فيميلون خلالهما أكثر للاكتئاب.
متى يجب زيارة الطبيب؟
من الطبيعي أن يشعر الشخص بالإحباط لبعض الأيام، ولكن إذا لازم شعور الإحباط الفرد لعدة أيام ولم يتمكن من تحفيز نفسه للقيام بأنشطة يستمتع بها عادةً، حينها عليه مراجعة الطبيب، هذا مهم خاصة إن رافق هذا الشعور تغيّر في نمط الشهية أو النوم، أو إذا بدأ الفرد باللجوء إلى شرب الكحول للحصول على الراحة والاسترخاء، أو في حال بدأ التفكير في الموت أو الانتحار.
لا يجب إهمال هذه المشاعر السنوية باعتبارها مجرد حالة من حالات " البلوز الشتوي" الذي يجب على الشخص أن يصارعه بنفسه، ويُنصح دوماً بتشخيص هذا الاضطراب مبكراً لتجنب مضاعفاته وتأثيراته السلبية على حياة الفردالشخصية والعملية والاجتماعية، وقد يشمل علاج الاضطراب العاطفي الموسمي العلاج بالضوء والأدوية والعلاج النفسي.
خطوات عملية لتخفيف تأثير التغيرات الموسمية
بغض النظر عن الأسباب التي قد تسبب مشاعرك القلق خلال موسم الخريف أو الشتاء، هناك بعض الخطوات التي يمكن للفرد القيام بها للحفاظ على حالته المزاجية وتوازنه، نذكر منها ما يلي:
- لتعرض لأشعة الشمس
ابدأ بقضاء المزيد من الوقت في الهواء الطلق للاستفادة القصوى من ضوء الشمس الموجود هناك؛ يمكنك الاستيقاظ مبكرا للحاق بأشعة الشمس في الصباح.
- التمرّن كل يوم
قم بممارسة الرياضة يوميا لمدة لا تقل عن 30 دقيقة.
يقول أحد الخبراء: "بمجرد أن يهدأ طقس الصيف الحار، يصبح الخريف وقتاً رائعاً للاستمتاع بالهواء الطلق، لذلك يمكنك الاستفادة إلى أقصى حد من خلال المشي لمسافات طويلة أو ركوب الدراجات".
"التمرين هو المفتاح في جميع المجالات لاضطرابات الصحة العقلية، تشير مختلف الدراسات إلى تحسّن الحالة المزاجية بعد التمرين".
- تغيير النظام الغذائي
يقول موريسون إن الخريف هو وقت ممتاز للتفكير فيما تأكله. ويقول آخر إنّ موسم الخريف يعدّ وقتاً رائعاً لإعداد الحساء الموسمي المفضل لديك والوجبات الدافئة التي لم تأكلها خلال فصل الصيف.
- ابدأ بعمل شيء جديد
ابدأ بتعلم هواية أو أخذ فصل دراسي جديد أو التقاط صور جديدة!.
تأثير الأعاصير والأحوال الجوية القاسية على الصحة العقلية
في العقود الأخيرة، زاد عدد الفيضانات والأحداث الجوية القاسية المبلغ عنها في جميع أنحاء العالم، وتفاقمت جزئياً بسبب تغير المناخ.
عندما تضرب العواصف الشديدة المجتمعات، مثل إعصار دوريان الهائل في جزر البهاما، فإنها يمكن أن تسبب أضراراً للمنازل وخطوط الكهرباء، مما يعرض سلامة السكان للخطر، لكن ليس البنية التحتية هي التي تتضرر فقط، بل يمكن أن تتأثر الصحة البدنية والعقلية للناجين من العواصف لفترة طويلة حتى بعد انقضاء العاصفة.
العيش في عواصف خطيرة يمكن أن يزيد من خطر الاكتئاب والقلق، ويمكن أن يصاب بعض الناجين من العواصف باضطراب ما بعد الصدمة أو اضطرابات أخرى طويلة الأجل، ولكن هناك خطوات واضحة يمكن اتخاذها لمساعدة الناس الذين مروا خلال حدث صادم.
يؤكد الخبراء أنه للحد من الآثار السلبية للعواصف الشديدة وغيرها من الكوارث، لا بدّ من تلبية الاحتياجات الأساسية للناجين بما في ذلك الغذاء والماء والمأوى والسلامة، وأنّ الدعم المقدّم من متخصصي الصحة العقلية الذين يفهمون الآثار التي يمكن أن تحدثها الكوارث أمر مهم أيضاً لمساعدة المجتمعات والأفراد على التغلب على آثارها.
يكون بعض أفراد المجتمع أكثر عرضة من غيرهم لتجربة الآثار الضارة للصحة النفسية عقب الكوارث. يقول أحد الخبراء أنّ الأشخاص الأكثر عرضة للمعاناة بعد هذه الأحداث هم في كثير من الأحيان الأشخاص الأكثر ضعفاً قبل الحدث، كما أن الأشخاص ذو الموارد المنخفضة، والأشخاص ذو الدخل المنخفض، وأولئك الذين ليس لديهم الكثير من الدعم الاجتماعي هم الذين سيواجهون عملية تعافي أصعب من غيرهم.