في فجر الزمن العربي الإسلامي وضحاه، كان الطبيب عالماً، وأديباً، وفيلسوفاً، وشاعراً.. أي أنه يتقن اللغة العربية ويحسن توظيفها بطلاقة لفظاً، وإعراباً، وإملاء، وممارسة، وتصنيفاً، وكان بعض الأطباء متفقهين وأساتذة في علم الكلام، سواء كانوا عرب الأصل أو مستعربين، فعندما نقل حنين بن إسحق الكتب الطبية اليونانية كانت فصاحته وعبقريته في الترجمة ووضع المصطلحات علامة فارقة وخطوة جبارة في درب التعريب الطبي، وعنه نقل واقتبس الكثيرون من الأطباء. وعندما نستعرض موسوعة القانون لابن سينا الذي لم يكن عربي الأصل بل كان فارسيا من بخارى، وكذلك موسوعة الحاوي في الطب، وكتاب "المنصوري" لأبي بكر الرازي الذي لم يكن أيضاً عربياً فهو من الري أي أن أصله من بلاد العجم أو الفرس؛ نعجب لفصاحة العبارات ورشاقة اللغة العربية التي كتبت تلك الكتب وصنفت بها.

أما ابن النفيس الطبيب العربي الشهير مكتشف الدورة الدموية والكحال الشهير الذي أصله من هذه البلاد ولقب القرشي، وربما الجرشي من جرش، أو من قرية مجهولة جنوبي دمشق؛ فقد كان فقيهاً وعالماً سنياً ولغوياً، ومحدثاً، ومدرساً، وعالماً في علم الحديث وفقيهاً.

أما الطبيب موفق الدين عبد اللطيف البغدادي، فقد كان طبيباً بحاثاً يكفي اكتشافاته ودراسته لآلاف الهياكل العظميَّة في جبل المقطم عندما حلت جائحة الكوليرا في مصر، وكثرت الوفيات، فقد درس بدقة الهياكل العظيمة وتعرف على حقيقة أن الفك السفلي عظم واحد وليس عظمين منفصلين كما كانت الدراسات الإغريقية تقول وأن عظم العجز في آخر العمود الفقري هو ملتحم الفقرات، وهذا في كتابه "الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة"، فالطبيب أغنى المكتبة العربية العلمية، وكان الكتاب الطبي في سباق مع كتب العلم الأولى كالهندسة والميكانيكا وعلم المواقيت والساعات والحساب والمثلثات.. هؤلاء العلماء العمالقة وجدوا وعاشوا مابين القرنين التاسع والثالث عشر الميلادي. كانوا فحول التراجمة والمؤلفين ورواد التعريب الطبي.

اقرأ أيضاً: نحو تخصص إعلامي أفضل للأطباء

تعريب الطب

كان الوزن الطبي راجحاً في السنوات والقرون الأولى من زمن التعريب العلمي.وكتب الطب طفحت وتجاوزت عدد كتب الحساب والفلك أو علم الهيئة؛ فالطب علم أثير يمس حياة الأمم وصحة الناس فيها، فالمؤلفات الطبية كانت هي الرائجة والمطلوبة التي سعى الخلفاء والأمراء والولاة إلى دعم نشرها وإغداق العطاء على المصنفين والمتطببين والمترجمين في شتى فروع الطب وتخصصاته، وبخاصة طب العين أو كما كان يسمى الكحالة.

لقد اشتهر عن الخليفة المأمون أنه كان يمنح المترجم المتطبب حنين بن إسحق وزن كتابه ذهباً، وكان حنين يخط كتابه على ورق الرق السميك الذي يصنع من جلود الأغنام أو الغزلان بحروف كبيرة وكلمات متباعدة مما يزيد في وزن الكتاب وفي مردود العطاء. ولقد كانت ثورة العلم الأولى التي فجرها العرب المسلمون حين أسسوا مصانع الورق وصنعوا الورق وسهلوا صناعة الكتب وانتشارها، مما سهل على الأوروبيين نشر العلم بترجمة كتب العلماء العرب المسلمين، وإلا لاضطروا لذبح مائة خروف من أجل كتابة نسخة واحدة من الإنجيل. وعندما أسس هارون الرشيد دار الحكمة وتبعه عبدالله المأمون في رعايتها وتوظيف خيرة العلماء الأطباء بالقيام عليها كانت الأكاديمية الإسلامية العربية الأولى التي حوت أمهات الكتب الطبية العربية المؤلفة والمترجمة، وكان أبو بكر الرازي من خيرة أساتذة وعلماء الطب العرب المسلمين الذين تولوا قيادتها ورعوا شأنها.

اللغات مشعر حساس للمدى الذي تكون عليه الأمم،فهي تغنى وتنتعش وتعز بعزة أقوامها، ويصيبها النكس والانكماش بذل أهلها واندحارهم وهبوطهم في أسفل الدرك الحضاري. ولا ننسى أن الذليل المقهور يبادر للتمثل والانجرار وراء السيد الذي احتله وأهانه وأذله، تلكم الحقيقة التي وقف عليها ابن خلدون ذات زمان ذليل محتل بسيوف وهمجية المغول. وحقيقة تاريخ الأجداد المناذرة والغساسنة الذين رضخوا لأسيادهم الفرس والروم فحاربوا بعضهم بعضا وقتلوا أنفسهم لإرضاء أسيادهم المحتلين. أين نحن الآن من هذا الذي يجري في العراق وليبيا واليمن وسوريا والسودان وأفغانستان.. وأين نحن من لغة ننادي بإعزازها وتوظيفها في الحياة اليومية في الصحف ومسميات المراكز التجارية والمؤسسية وفي البنوك المصرفية والدوائر المالية وفي أسماء الفنادق والمؤسسات والمدارس والمعاهد والجامعات.

اقرأ أيضاً: تاريخ الطب عند العرب والمسلمين بين النظري والتطبيقي

الطب والدين

للطب والدين والمعتقد أثر كبير في ارتقاء المجتمعات وتحسن صورتها، وبالتالي صحة أجسامها وارتقاء فكرها ومستواها الثقافي والنفسي، لما له من تأثير مباشر في حياة الأمم وفعاليتها وتفرغها للعلم والثقافة بعد أن أمنت غوائل الضعف البدني والنفسي. لذلك تعمل المؤسسات التبشيرية في تنصير الفقراء المسلمين عن طريق البعثات والمستوصفات والمستشفيات والإغاثة الطبية كما حصل ويحصل في إفريقيا والكثير من مناطق آسيا كأندونيسيا مثلاً. فالتعليم والتطبيب هي القنوات والمداخل المؤثرة التي يعبر من خلالها الغرس والغسل الدماغي للأمم التي لا حصانة لها بعد أن أضعفها الفقر والذل. ثم المدارس التي تعلم اللغات الأجنبية وتؤثرها على اللغة العربية والثقافة الغربية التي تدخل البيوت وتنغرس في النفوس وتنساب عبر تكنولوجيا التسلية والألعاب وحرق الوقت بما لا يفيد. وحيث إن اللغة العربية هي العروق والأنساغ التي عن طريقها ينساب الفكر والتعاليم والثقافة الإسلامية فهي الجرس واللفظ والمدركات الفكرية والطلاقة اللسانية والأنشودة السهلة والأغنية المؤثرة وصورة الخط العربي الجميل كلها معاً هي التي تصقل الشخصية العربية الإسلامية منذ الطفولة الأولى وفي مرحلة الشباب المبكرة، فلا شك أن طمسها ومحاربتها تكون الطريق المخاتل الخفي اللامباشر في حرب الإسلام وتغيير المسلمين وتبديل طرائق تفكيرهم وتسطيح ثقافتهم، وتغريبهم وإقصائهم عن تقاليدهم ومعتقداتهم، وتذويب ثقافاتهم وتعسير تقدمهم وتعاضدهم، فليس أسهل من اللغة وسيلة لجمعهم واتحادهم وتآلفهم وإبداعهم ما دام أنهم ينتمون لنفس الدين والمعتقد. فأي طريق معيق أشد من الجهل باللسان العربي، وأي وسيلة خبيثة أكثر تأثيراً في التغريب والتشتت من جعل العرب يتحدثون ويتعاملون مع بعضهم برطانة أجنبية في جميع شؤون حياتهم وأكثرها مساساً وأصالة في أعمارهم.

اقرأ أيضاً: صفات الطبيب في كتب التراث الطبي العربي الإسلامي

دور مؤسسة نقابة الأطباء في التعريب الطبي

بعد هذا العرض أعود للبحث عن دور مؤسسة نقابة الأطباء في التعريب الطبي الذي ننادي به منذ أن أنشئت الجامعات والكليات الطبية في بلدنا.

نعلم الآن أن البلاد العربية هي في الدرجات الدنيا على سلم المساهمة في صنع الحضارة الإنسانية المعاصرة، وهي الأقل في الترجمة والتأليف والبحث في الأمور العلمية والطبية، وحيث إن من أولويات نقابة الأطباء أن تقوم بدور رعاية الأطباء وتنظيم مهنة الطب، ولها دور الرقابة على حسن الأداء الطبي المتعلق بأطباء القطاع الخاص فهي تهتم بحسن العلاقة وصحتها بين الطبيب والمريض، وبين الأطباء فيما بينهم. وإن لم يكن لها تأثير على المستشفيات الخاصة، إلا بما يتعلق بالأطباء الذين يعملون بها، وهي تنظر في الشكاوى وتهتم بالتعليم الطبي المستمر وترنو لمستوى طبي عال من حيث الأداء الطبي. وتريد أن يكون الأطباء على قدم وساق في تعقب ما يجد من علم وبحث طبي في مختلف التخصصات.

لذلك حُقّ لمجمع اللغة العربية أن يتساءل عن دور نقابة الأطباء في عملية التعريب العلمي الطبي. وقد كلفني الأستاذ الكبير الدكتور عبدالكريم خليفة مشكوراً أن أجلي وأوضح الأبعاد التي تتحرك بها نقابة الأطباء في مضمار التعريب الطبي الذي نحن في أمس الحاجة إليه الذي للأسف يبدو أمراً معسراً في بلادنا بشكل غير مبرر وغير منطقي ومخالف لكل المعايير.

فقبل أكثر من عشرين عاماً (عام 1989م) تأسست جمعية تعريب العلوم الطبية بتشجيع واضح من نقابة الأطباء للتعريب الطبي، وكان من أوائل المؤسسين الأستاذ الطبيب قنديل شاكر رحمه الله. وعند الانتخاب كان أول رئيس للجمعية الزميل الطبيب فتحي أبو مغلي.. ولكن، خمدت الجمعية ولم يكن لها أي نشاطات وكادت تنسى حتى عام 1994م حين أوكلت إليّ نقابة الأطباء. ممثلة بالدكتور نزيه عبابنة وبحثت معي موضوع هل الأفضل إعادة تأسيس الجمعية وبعث الحياة فيها أم الاقتصار على تخصيص لجنة للتعريب متفرعة عن النقابة، فكان رأيي الذي شجعته النقابة آنذاك هو إحياء جمعية تعريب العلوم الطبية وبعث النشاط فيها.

فكان لي شرف رئاسة الجمعية، مدة أربعة عشر عاماً 1994-2008م، وكان من أهم منجزات جمعية تعريب العلوم الطبية إصدار "مجلة المقتطفات الطبية" التي كنت رئيسة تحريرها مدة أربعة عشر عاما حتى 2008م. وكانت تترجم بها المقالات والأبحاث العلمية الطبية الحديثة، بلغة عربية فصيحة جميلة مرفقة بمسرد عربي- إنجليزي للمصطلحات الطبية الواردة في كل مقالة أو بحث. وقد صدر منها أحد عشر عدداً ممتازاً.

لقد شجعت نقابة الأطباء التعريب وبالتعاون والإيعاز من جمعية تعريب العلوم الطبية. كان هنالك تشجيع إلقاء المحاضرات باللغة العربية، واستطاعت الجمعية، بدعم نقابة الأطباء، عقد المؤتمر الأول والثاني لجمعية تعريب العلوم الطبية.. والآن يرأس جمعية تعريب العلوم الطبية الزميل الطبيب موسى المعطي، ولي شرف رئاسة تحرير مجلة المقتطفات الطبية.

إن المجلة الوحيدة الطبية الثقافية التي تصدرها نقابة الأطباء هي "السماعة"، وهي كما المقتطفات الطبية تصدر باللغة العربية. فهل هذا يكفي؟ لنقابة ينتسب إليها آلاف الأطباء وتحت ظلها تنتسب عشرات جمعيات الاختصاص؟ الجواب بالطبع لا.

حقائق

بالبحث والاستقصاء حصلت على المعلومات التالية:

  • عدد الأطباء الأردنيين بحدود 24343 طبيباً، وعدد الأطباء العراقيين الذين انتسبوا للنقابة 1522 طبيب، الممارسون منهم 339 طبيباً.
  • تنضم تحت لواء نقابة الأطباء خمسون جمعية:
  • (35) جمعية اختصاص.
  • (1) جمعية الطبيب العام.
  • (10) جمعيات جغرافية (تنتسب اسما إلى الدول التي تخرج منها الأطباء). كجمعية أطباء خريجي ألمانيا، وخريجي إسبانيا، وخريجي روسيا.. وهكذا. وللمفارقة فإن النشاطات العلمية لتلك الجمعيات تكون باللغة الإنجليزية وليس باللغة التي تعلم الأطباء الطب بها في تلك البلاد.
  • (4) جمعيات مختلفة منها جمعية تعريب العلوم الطبية، جمعية الطب الإسلامي، جمعية الطب المسند، جمعية الأطباء الرواد. ونشاطاتها تكون باللغة العربية.
    • عدد الأطباء الذين تعلموا الطب بالعربية = 1167 طبيباً.
    • عدد الأطباء الذين تعلموا الطب بالإنجليزية = 12462 طبيباً.
    • عدد الأطباء الذين تعلموا الطب بلغات مختلفة أخرى غير الإنجليزية= 10714 طبيباً.
    • وهذه الجمعيات تعقد سنوياً ما يعادل (15) مؤتمراً، أغلبها يعقد مؤتمراً مرة كل سنتين، ومعظمها يتحدث بلغة غير العربية. ويقتصر استعمال اللغة العربية على (4) جمعيات هي: جمعية تعريب العلوم الطبية، وجمعية الطب الشرعي، وجمعية العلوم الطبية الإسلامية، وجمعية الأطباء الرُّوَّاد.
    • أما الندوات التي تعقد في رحاب نقابة الأطباء فهي بمعدل (70) ندوة سنوياً، (60) منها علمية، و(10) ثقافية. والندوات العلمية على غالباً تعقد باللغة الإنجليزية، وقد تتوكأ على اللغة العربية العامية ليس ولاء للعربية وإنما قصوراً في طلاقة المتحدثين بالإنجليزية.
    • أما المجلات التي تصدر عن النقابة فهي مجلة واحدة هي: السماعة، إضافة إلى المقتطفات الطبية التي تصدرها جمعية تعريب العلوم الطبية.

    طالما نبهت جمعية تعريب العلوم الطبية مجلس النقابة وأوعزت إليه بضرورة التعميم على الجمعيات بجعل اللغة العربية لغة المؤتمرات والندوات، ولكن لم تكن النتائج بالمستوى المأمول. فالأطباء يفضلون الرطانة باللغة الإنجليزية على التكلم باللغة العربية، وهم، والحق يقال، ضعيفون جداً لفظاً ونحواً وصرفاً باللغة العربية. ومن الطريف أن معظم الذين يهللون لجعل المحاضرات باللغة الإنجليزية ليس أولئك الذين تخصصوا أو درسوا الطب باللغة الإنجليزية، وإنما هم الأطباء الذين درسوا في ما كان يسمى بالدول الاشتراكية وبلغات شتى، كالروسية والرومانية والصربية، إضافة إلى اللغات الإيطالية والتركية واليونانية والألبانية والإسبانية. فهذه الفسيفساء من اللغات لن تتيح للطبيب تلك الدرجة المأمولة في التعليم الطبي المستمر وبالتالي لن تقوم برفع المستوى الطبي والصحي كما لو كان التعليم بلغة واحدة هي العربية.

    من هنا نتبين أن هنالك عبئاًَ وتعسيراً لغوياً كبيراً أمام معظم الأطباء، ويقابله تقصير كبير مفروض على ذلك الجسم الطبي المؤسسي، نقابة الأطباء، بالنسبة للتعريب الطبي. وفي البحث تفصيل عن دور النقابة إيجاباً بالتلبية أو سلباً في التقصير في مجال التعريب.
    نعلم أن الكثيرين من الأطباء لا يعرفون المصطلحات الطبية باللغة العربية وبعضهم يجهل أن هنالك معجماً طبياً عربياً موحداً يضم خمسمائة ألف مصطلح طبي مع مدلوله الإنجليزي بنسختيه الورقية والإلكترونية. أو أنَّ هنالك معجماً طبياً عربياً انجليزياً مفسراً كالذي وضعه الطبيب عبدالعزيز اللبدي. ربما كان واجب النقابة تيسير تلك المعجمات لتناول الأطباء المهتمين بالتعريب، أو نصحهم وتنبيههم لضرورة الحصول على تلك المصادر التي تيسر التعريب الطبي وتحقق مراميه. ولكن ما بالكم ومجلس النقابة قد ألغى المكتبة الطبية من منشآته بحجة عدم وجود متسع لها.

    لم يحدث يوماً أن استدعت نقابة الأطباء الهيئة العامة للاجتماع بشكل طارئ للبحث في مشكلة هجر اللغة العربية، أو تأزم استعمالها بين الأطباء الذين يتخرجون سنوياً بأعداد كبيرة في كليات الطب الأردنية والأجنبية، وهم مغربون عن اللغة العربية لا يألفون التحدث طبياً وعلمياً بها. ولم تستثار النقابة بضحالة وشح حضور العربية، في المدارس الأجنبية أو في الحياة اليومية في الدوائر والمؤسسات العامَّة والخصوصية وشبه الرسمية، ولا في لافتات الأسماء في المحال التجارية والأسواق، أو في قوائم الدفع في شتى المشتريات التي تصدر باللغة الإنجليزية، وكأنها لغة آباء القوم وأجدادهم.. بينما استدعيت الهيئة العامة مرات ومرات في أمور أخرى أقل أهمية من أزمة اللغة العربية. مع أن درب التعريب الطبي ممهد ميسور إذا توفرت النية الصادقة في سبر غوره والسير المستقيم عليه وتحقيق مقاصده.

    اللغة في العيادات

    تكتب القصة السريرية والبيانات والنتائج التي يعطيها الفحص السريري باللغة الإنجليزية إلا فيما ندر من العيادات، وحتى أن النماذج المقدمة للفحوصات المخبرية وكذلك نتائج الفحوصات وتقارير الصور تكتب بالإنجليزية، يكتبها اختصاصي المختبر أو الأشعة التشخيصية العربي بالإنجليزية، ويرسلها ليقرأها الطبيب المختص الذي طلب إجراء تلك الاستقصاءات وهو عربي ابن عربي ليقرأها باللغة الإنجليزية، أليست مفارقة ومهزلة عجيبة ومضحكة؟!

    أذكر قبل ثمانية عشر عاماً عندما قدم إلينا من سويسرا مخترع تصحيح البصر بالليزر البروفسور تزيلر ليدربنا على عملية تصحيح البصر بطريقة الليزك في المستشفى التخصصي، وهو الألماني الأصل، وعندما سمع الأطباء يتجادلون في الموضوع باللغة الإنجليزية قال أرجو ألا تجاملوني وتكلفوا أنفسكم التحدث باللغة الإنجليزية من أجلي فأنا أتيت لأعلمكم لا لأتعلم.. لذلك تحدثوا وتناقشوا بلغتكم العربية فأنا أكره التكلف. وعندما بادر الزملاء مبتسمين مفاخرين وأعلموه أنه من الطبيعي أن يتحدث الأطباء في بلادنا باللغة الإنجليزية في جميع المواد الطبية انقلب على ظهره ضاحكاً وقال: هذا شيء عجيب..وغير مألوف. لأنه من المستحيل أن يتكلم الألماني مع قومه بلغة أخرى غير الألمانية، ومن الهزل واللامعقول أن يتكلم الإنجليز مع بعضهم بعضاً بغير اللغة الإنجليزية.

    فهذا التنازل العربي ممجوج مكروه لن يزيد العرب احتراماً لأنفسهم، ولن يوفر لهم احتراماً أو يزيدهم اعتباراً أمام الأمم الأخرى، بل على العكس سيثير سخرية الآخرين واحتقارهم عندما يرونهم يبدلون أثوابهم ويلوون بألسنتهم متنكرين وهاجرين للسانهم العربي المبين.