شكّلت "الحياة الجنسيّة لمتوسّطي السنّ" آخر المواضيع المحرّمة المتعلّقة بالجنس. وطوال عقود، كافح الطبّ كي يقدّم لمتوسّطي السنّ الصحة وطول العمر، مهملاً باب "الابتهاج الجنسيّ" الذي لم يكن يشكّل أيّ أولوية. لكنه ربح رهانه في تأمين حياة متميّزة حتى نهاية رحلة العمر، من حيث إنّه خلق في الوقت عينه جهوزيّة جديدة لحياةٍ جنسيّة أكثر تحرّراً، غير تابعة لضغوطات الإنجاب، وباتت الصحة الجنسيّة حقاً من الحقوق المشروعة لكل إنسان .

كلّ إنسان يستطيع أن يعيش حتى الثمالة حياته الجنسية طوال العمر، على الرغم من التغيّرات الفسيولوجيّة والاجتماعيّة والعلائقيّة والنفسيّة التي يُسبّبها التقدّم في العمر، والتي ينبغي ألاّ تُسبّب حواجز لا يمكن تخطيها إذا استطعنا قبولها كما هي وتكيّفنا معها، إذ أنّ التعرّف بعمقٍ على التغيّرات الجسديّة الناتجة عن تقدّم العمر واستيعابها، يسمح بتلطيف بعض سيئات الشيخوخة من دون الاستخفاف بتقدير الذات، سواء أكانت هذه التغيّرات اضطرابات في النظر أو السمع أو حتى في الوظائف الجنسيّة. فالإثارة، بشكلٍ خاصّ، حتى لو كانت مَعيشة بقوّةٍ على المستوى النفسي تصبح بها حاجة إلى وقتٍ أطول لتعبّر عن نفسها على المستوى الجسدي، سواءً عند المرأة أو الرجل. وعلى مستوى الممارسة، لن يكون الانتصاب عند الرجل الناضج بنفس العفوية التي كان عليها في عمر الشباب، فظهوره قد يتأخّر لعدّة دقائق، وهذا يترك الوقت الكافي للمُداعبات والتصرّفات الشهوانيّة المتواصلة، والتي تسمح لأصحاب القذف السريع بإبطاء إيقاعهم. وتبدو هذه المُداعبات المتبادلة أكثر فأكثر ضروريّة لإقامة انتصاب كافٍ، كما أنّ تمديد وقت الحوار والتلامس الشهواني يُقربان الزوجيْن من بعضهما. كل ذلك مرتبط بوعي المرأة لهذه الأمور، ومساهمتها كشريكةٍ فاعلة في إطلاق الانتصاب والمحافظة عليه. وفي المقابل، يمكن للبرودة الجنسيّة أن تنقلب إلى مخاطر قلبيّة - وعائيّة تكون نتيجتها مضرّة على شرايين القضيب وليونتها بسبب التقدّم في العمر. وهكذا، فالتبغ و ارتفاع ضغط الدم غير المراقب (فوق الـ13) والسكري اللامتوازن (المصاحب باضطرابات عصبيّة) والدسليبيدميا والسمنة والخمول، كلّها عوامل تتكاثر مع تقدّم العمر وتصبح مؤذية للوظيفة الجنسيّة من دون أن ننسى أيضاً الآثار الجانبيّة لبعض العلاجات الفموية على وظيفة الانتصاب، والتي يكثر استعمالها مع العمر (كما هو الحال في الحبوب المضادّة لضغط الدم والدهون) بالإضافة إلى التأثير المباشر وغير المباشر للأمراض (تضخم البروستات أو سرطان البروستات) وتدهور الحالة الصحيّة العامّة.

ترطيبٌ أقلّ غزارة

في المقابل، يتأخّر الترطيب المهبلي لعدّة دقائق من دون أن يفسد ذلك الّلذة. هذا الترطيب، الأقل غزارة ولاسيّما في حالة عدم النشاط الجنسي، يرافقه فقدان الليونة في الأنسجة العجانيّة (حول المبهل) ويُترجم باستجابة فسيولوجيّة بطيئة أثناء الإثارة، من دون أن يؤثّر ذلك على قدرة الانتشاء. ويُضاف إلى ذلك تبدّل في الـPH الموضعي وترقّق في ظاهر المهبل، ممّا يسبّب آلاماً أثناء الولوج وخلال العلاقة الجنسيّة، إلى جانب الالتهابات والجروح الآليّة إن لم تكن المرأة مهيّأة بشكلٍ كافٍ من شريكها. هذا يدفعنا إلى الاستنتاج أنّ بالجهات الفاعلة في المعادلة الجنسيّة حاجة إلى وقتٍ أطول للتبادل الشهواني قبل عملية الولوج، كما أنّ استعمال المواد المرطبة تسمح بالتصدّي للنشاف المهبلي. ومن المتّفق عليه أنّ أفضل وسيلة لمحاربة آثار الشيخوخة على الأعضاء التناسلية هو المحافظة على النشاط الجنسي، في جوٍّ من الّلذة، كما هو معروف.

الّلذة دائماً موجودة

على صعيد ذروة الجُماع، إنّ عضلات العجان تضعف مع العمر والانقباضات المهبليّة عند المرأة تخفّ من ناحية القوة والعدد، كما يحدث لقوة قذف السائل المنوي وكميته. لكن، لحسن الحظ، الّلذة دائماً موجودة ولو عشناها بطريقةٍ مختلفة.

في المقابل، إنّ تقلّص التضخّم عند الرجل يبدو أكثر سرعة ممّا كان عليه في الماضي، كما إنّ مرحلة الصمود تمتد لفترةٍ أطول وتتخطّى الـ24 ساعة، حتى أنّها تدوم لأيامٍ عدّة.

أحياناً، قد لا يحدث القذف، مع الإشارة إلى أنّ مستوى الاكتفاء الجنسيّ الذكوريّ لا يخفّ مع تقدّم العمر، على عكس ما يحدث عند بعض النساء. لكن، هل هذا الفارق عائد إلى غياب الحافز الإنجابي عند المرأة في متوسط العمر؟ أو إلى صورة الجسد المعيشة سلبيّاً؟ أو إلى حقيقةٍ فسيولوجيّة؟ - العوارض الضارّة التي تؤثّر على الحياة الجنسيّة ليست فقط متعدّدة بين الرجل والمرأة (ومن الصعب عزلها)، إنّما هي أكثر من ذلك، فتجربة اللّذة بشكلٍ عام، والأنثويّة بشكلٍ خاصّ، مطبوعة بالتجربة الذاتيّة، ومن الصعب حينها وضع الأمور في موضعها.

تأثير نقص الهرمون على الرغبة

من الناحية الأنثويّة

إنّ انقطاع الطمث بشكلٍ طبيعيّ أو بعد عمليّةٍ جراحيّة هو تعبير عن توقّف إباضة الهرمونات النسائيّة (استروجين- بروجسترون)، وأيضاً منشّطات الذكورة. وإن كان هذا المنعطف القاهر في حياة المرأة يؤشّر إلى نهاية حياتها الإنجابيّة، فإنّه ليس مرادفاً لاستئصال رغبتها الجنسيّة وقدرتها على التمتّع. في الواقع، وعلى نقيض المعتقدات المتداولة، فإنّ النتائج المباشرة للحرمان من الهرمونات الأنثويّة التي ترافق انقطاع الطمث (نشاف المهبل وآلام المجامعة) يمكن علاجها بواسطة النشاط الجنسيّ المنظّم أو المليّنات أو العلاجات الهرمونيّة الرديفة، إن كان ذلك ممكناً من دون إفساد القوة الجنسيّة حقيقة. لكن حالياً، نتساءل أكثر عن تأثير نقص إنتاج الهرمونات الذكوريّة في المبيض حول انقطاع الطمث ووفق الدراسات الحديثة، فإنّ فرز التستوستيرون من المبيض والغدد الكظرية يلعب دوراً مهماً في نوعية الصحة الجنسيّة النسائيّة. فنقص الرغبة الجنسيّة، وانخفاض الطاقة اليوميّة والتعب المزمن يمكنها أن تكون مصدراً لانخفاضٍ كبير في مستويات الهرمونات الذكورية. هذه النسب من التستوستيرون تتراجع مع العمر وتصبح فسيولوجيّاً في أدنى درجاتها، وذلك قد يحدث قبل بلوغ سنّ اليأس(إنقطاع الطمث). ومع ذلك، فإنّ إضافة الهرمونات الذكوريّة على المعالجة الهرمونية الرديفة لانقطاع الطمث تبقى موضع جدل، ويبدو أنّ وصفها يقتصر على حالات اليأس المبكرة أو تلك المشخّصة سابقاً. عمليّاً، هذا الانخفاض يتأرجح بين امرأةٍ وأخرى ويؤثّر على طاقتها الجنسيّة. وهذه الأخيرة تبدو هشّة غالباً، إن من خلال التأثير غير المباشر أو الانعكاس النفسي - الاجتماعي الفردي الذي يرافق انقطاع الطمث.

اضطرابات تؤثّر سلباً

إنّ تغيير صورتنا الذاتيّة، الانهيار العصبي، الحياة الاجتماعيّة المعدومة بسبب العزلة، ترك الأولاد للمنزل العائلي، ردّة فعل الشريك إن كان موجوداً، الطلاق، الحزن... كلها اضطرابات تؤثّر سلباً على هذه المرحلة الانتقاليّة. وهذا يؤدي إلى تراجعٍ مهم في الطاقة الجنسيّة لدى ثلث النساء المعنيات باليأس. قسم من هذا الثلث سيخضع للأمر ويتهرّب من حياةٍ جنسيّة بدت غير كافية سابقاً، مستعملات سن اليأس كذريعة لوضع حدّ لحياة زوجيّة غير ملّذة. وهناك أخريات سيحرمن أنفسهن من لذّتهن على مضض بسبب فقدان الشريك، أو بسبب نقص في الثقة بالنفس، أو اضطرابات في الانتصاب عند الزوج أو حتى بسبب أحكامهن المسبقة التي تربط حقّ التمتّع بالحياة الجنسيّة بعمر الشباب. لذلك نحو ثلثيْ هذه النساء ستحافظن على شهوتهن الجنسيّة وحتى إعادة إحياء الرغبة والاستمتاع الجنسيّ من جديد، متحرّرات من ضغوطات الإنجاب وحبوب منع الحمل المرافقة له، والأعباء العائليّة والمهنيّة، لأنهنّ حينئذٍ يصغين إلى رغبتهن ويجمعن كل الشروط الضروريّة لحياةٍ جنسيّة كافية. مع ذلك، لم يكتشفن منتجاً عجائبيّاً! لقد أدركن أنّ الحصول على حياةٍ جنسيّة منتظمة يتمّ بجرعةٍ مناسبة من المواقف الإيجابيّة، وإبعاد الشكّ عن تقديرهن لذواتهن، تلك هي أفضل الوصفات لحياةٍ جنسيّة متفتّحة مهما كان العمر.

من الناحية الذكورية

لنكن صريحين في أنّ حياة الرجل الجنسيّة تبدو أقلّ إحاطة بالمحرّمات والأحكام المسبقة. وهكذا، فإنّ متابعة النشاط الجنسي الذكوري تبدو مقبولة أكثر مع التقدّم في السنّ، وحتى أنّها مطلوبة في بعض الأوساط الاجتماعيّة. وينبغي الاعتراف بأنّ تركيبة جسم الرجل البيولوجيّة تساعده في متابعة هذا النشاط، كما أنّ الطبّ قد وفّر له بفضل الـIPDE5 مساعدة على الانتصاب. مع ذلك، وفي حالة نقص الأندروجين المرتبطة بالعمر، والانخفاض التدريجي لنسبة التستوستيرون عند بعض الرجال، يبدو تأثير ذلك جليّاً عندهم أكثر من النساء، ومن علاماته: غياب الطاقة الجنسيّة، اضطرابات في الانتصاب، تعب شامل، فقدان العضلات، انخفاض المعدن في العظام، الأرق وتعكّر المزاج، كل ذلك يقضي على الحياة الشهوانيّة للشخص، ويتطلّب اللجوء إلى الطبيب للمعالجة.

التكيّف مع المتطلّبات الجديدة

على نقيض الأفكار المنقولة والمعتقدات الخاطئة المتداولة، فإنّ الرغبة والملذّات الشهوانيّة ترافقان مسيرة حياتنا الطويلة بقدر ما تسمح صحتنا بذلك. لكن يجب الانتباه! فإن لم يكن هناك عمر محدّد للعشق، إلاّ أنّ ذلك يقتضي بعض التكيّف مع متطلّبات الجسد الجديدة واستفادة الزوجيْن من أجل حياة جنسيّة مختلفة، مبنية على معرفة تطوير الدوافع الجنسيّة المعاشة في عمر الشباب نحو حميمية ذات طعم خاصّ ومشاركة مدعمة. فالحوار الذي يسمح بمرافقةٍ فُضلى للآخر نحو اكتشاف هذا العالم الجديد للرغبة والمشاعر المتقاسمة، يؤسّس لهذه الشراكة في جوٍّ من الثقة والانجذاب. أن نجذب وأن نعجب لكي نحبّ ذاتنا بطريقةٍ أفضل، ولكي نشجّع الآخر على اللحاق بنا، ولكن أكثر من ذلك لكي نُدخل التجدّد وعنصر المفاجأة، بحيث إنّ حبكة الرتابة نسيجها من السأم. وللوصول إلى ذلك، لا بدّ من أن نُدخل جرعة لا بأس بها من الفكاهة والمسامحة إلى حياتنا، من دون أن نترك الحقائق الفسيولوجيّة الجديدة تشكّل عائقاً أمامنا. وينبغي ألا نتجاهل هذه الوقائع بل على العكس، إنّ أخذها في عين الاعتبار يشكّل جزءاً من احترامنا لذاتنا وللآخر ويجنّبنا مجابهة ذلك الجرح الكاوي للفشل. وهكذا، تستمرّ الممهّدات ونعطي لأنفسنا الوقت الكافي لكي نحبّ بعضنا أكثر ونهيّئ جسدنا بنعومةٍ لبلوغ المتعة، من دون التردّد في اللجوء إلى كل المصادر الشهوانيّة التي نتخيّلها والتي كانت لفترةٍ طويلة مكبوتة.

أخيراً، ينبغي معرفة الإصغاء لجسدنا ولجسد الآخر، والتجرّؤ على تخطّي كل الأحكام المسبقة والتحرّر منها، لأنّه في نهاية المطاف، لمصارعة الشيخوخة، لا شيء أفضل من اللهو الغرامي، حيث الجرعات السحريّة الحقيقيّة.