عاداتنا تقرر مصيرنا ومن نحن، وما صلح منها يوجهنا للصالح من أعمال وما ساء منها يضعنا في حفرة تتعمق تدريجيا وكل يوم، حتى يصعب الخروج منها ولا ندري عندها كيف حفرناها؟ وكيف وقعنا فيها؟
المفتاح لهذه المشكلة هو أن نستوعب هذه العادات وأن نكون على وعي كامل بها حتى نميّزها بمجرد الإحساس بها فنتوقف عنها ونمارس ما هو نقيضها. فيما يلي أكثر هذه العادات الهدّامة شيوعا وأخطرها أثرا لأنها كالفيروس تدخل من تحت الرادار متخفية بطعم حلو وهي كالعلقم والسّم الفتّاك، فإذا تمكنت من نظام حياتك ستدعو باقي صويحباتها لتمتص كالإسفنجة كل ما لديك من طاقة أو رغبة فيما هو نافع لك وللناس:
1- لا تتابع ما عليك فعله للنهاية ولا تُنهي ما بدأت:
الكتاب نصف مقروء والجدار ربع مبني والحديقة ثلث مزروعة والنفايات وما لا يلزم تضيق عليك مساحة العيش.. كل ذلك التراخي والتأجيل سيتجمّع أمامك حتى يصبح كالجبل صعب التسلق بعد أن كان مجرد أذى يمكن إماطته بجزء بسيط من الجهد في حينه. وكما قال أبو الطيّب المتنبي:"ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التّمام".
2- دع الأشياء "تحدث لك" لأنك تختار الإنتظار:
فالتّين يستوي على أمه متى شاء، والشمس تجري لمقرّها والشغل ماشي و"خلينا نوصل الجسر في الأول وبعدين نقطعه" و"شو خصّك" في الدنيا.
3- 80 في المئة من الحياة هي بسبب تواجدك وحضورك عند اللزوم حضورا جسديا وعقليا ونفسيا:
وإن لم تكن فاعلا أو متفاعلا فستكون خاملا "وفائضاً" عن الحاجة وتشغل حيزاً من الأفضل أن تشغله مزهريّة في موقع العمل أو قطة في البيت.
4- لا تسمح لنفسك أن "تشبع نوم" وتتفاخر بأنك تنام أقل واحد في البلد إن لم تكن في الكرة الأرضية:
"وهو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا".... "وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا".
المخ يحتاج للنوم العميق ليتجدد ولا يفرز بعض الأنزيمات الضرورية إلا في الظلام. وقلة النوم تورث الخطر والخطأ وتخفض جودة الإنتاج وتقود الى اتخاذ قرارات بائسة مستعجلة. فحتى لو لم تكن نائما بعينيك فالفؤاد في سبات عميق. جدْول وقتك للنوم وحدد النمط الذي يوفر لك نوما جيدا ودع ما عدا ذلك.
5- أن تدمن على جلد النفس والناس وتتوخى كل سيئ فتجهر به وتنسى كل جميل:
"النّكد والكشرة والبوز المقلوب" هذه من أسوأ العادات، فهي هدّامة للذات وللّذّات.. تستنزف الطاقة كالإناء "المخزوق لا تسد رمقا ولا تشدّ ماء". العين والأذن واللسان واللمس والخواطر والوساوس كلها أدوات لإدخال المعلومات وبرمجة الدماغ مثل لوحة المفاتيح والكاميرا وغيرها من أدوات ضرورية لبرمجة الحاسوب. والمعلومات المغلوطة تعمل في الدماغ كعمل الفيروس في الحاسوب فقد ثبت علميا أن المخ أو الدماغ يتعامل مع الفكرة وما يتخيله الدماغ وما تراه العين أو تفعله اليد بنفس الشحنات الكهربائية والتواصل بين النيرونات. فالخاطرة تصبح فكرة والفكرة تصبح كلمة والكلمة تصبح فعلا والفعل إذا تكرر يصبح عادة والعادة تقرر المصير.
6- الإصرار على أن تكون صاحب الكلمة الأخيرة ودائما على صواب:
اللغو والرفض لمجرد العناد وإبقاء الخلاف حيا تغذيه الحساسيات والنرجسيّه كفيل بتدمير علاقات يجدر بك الحفاظ عليها وتقويتها. برتراند رسل، الفيلسوف الإنجليزي الذي طالب يوما ما بمحاكمة القيادة الأمريكية على جرائم الحرب في فيتنام قال: "للتوصل إلى موقف منطقي تتحكم فيه الرياضيات حول شخص ما أو شعب ما أو فكرة ما يستحسن أن نغيّر الأسماء الى رموز رياضية حتى نجردها مما تحتويه من معاني ترسخت في عقولنا حول لون أو دين أو جنس".
7- أنت غالبا ما تنسى أن تتنفّس أو ترى أو تسمع:
المقصود هنا أنك تقوم بكل هذه المهام بطريقة ميكانيكية تفتقد للوعي وحضور الذهن. فكم مرة أكلت تفاحة مثلا ولم تتفكّر في البذرة وما تحتويه من معلومات كانت وراء النكهة واللون والملمس للتفاحة التي للتو قد التهمتها، وكذلك الشهيق والزفير، وما ترى بأم عينك وتسمعه بأذنيك دون أدنى وعي أو إدراك أو حضور فعلي للذّهن. إتصل بنفسك على مستوى أعمق وتعرّف على الشخص الذي يسكن في جلدك ويستأجر لفترة محدودة كل ما في جسدك من أعضاء وخلايا وأطراف.
8- تفتح "الإيميل" كل خمس ثوانٍ:
شبه مؤكد أنك لست مطلوبا للمحكمة ولم تربح المليون بعد، "رخرخْ"! مدمن على السّكّريّات والنشويّات وكأن حياتك العاطفية والمهنية تعتمد عليها: الروس يسمّون الملح والسكر السموم البيضاء، فالملح يرفع ضغط الدم، وارتفاع ضغط الدم يرهق الكلى والسكر يسكر الدماغ ويجهد البنكرياس، وكلاهما يتطلبان جهدا جبارا من الكبد. المعدة بيت الداء حتى لو قيل أنها الطريق الى قلب الرجل، ربما لتدميره وليس لتملكه! فإذا تكاتف استهلاك السكر والنشويات مع القعود مع القاعدين (إلا في موسم الزيتون مثلا) فأنت على موعد مع جلطة أو ما هو أشد وأعتى و"أسخم".
9- الإستهلاك المبالغ فيه للقهوة والشاي وخصوصا مع السكر:
فنجان قهوة الصباح ليس هو المستهدف من هذا الهجوم على العادات الهدّامة، ولكن الإدمان عليهما أو على أحدهما في العمل وفي الزيارات والمناسبات يقود الى التّوتّر والتهلكة عن طريق تعريض الأعصاب.
10- كل وقتك شغل وليس في برنامجك لحظة للترفيه عن القلب والجسد والدماغ:
إذا كنت كذلك، فإن إنتاجك من الحصيدة أو حفر مجاري أو تعليب سردين سيكون مميزا دون شك، ولكن إذا كانت حرفتك تتطلب درجة ولو أقل القليل من الإبداع أو العمل الخلاّق أو حل وتحليل أمر ما فلن تتوفر لديك هذه الملكة التي تحتاج الى تركيز ووعي وإدراك وقوة ملاحظة للأنماط والمعاني. "إلعب... زهْزِه"!
11- دائرة أصدقائك ضيقة أو ذات بعدٍ واحد:
هذا مرهق جدا... باعد وأكثر التنويع في أصحاب الأفكار والمشارب والنشاطات ما سيثري جعبتك ويجدد المخزون لديك من نماذج التفكير والحلول، فإذا أحطّ نفسك بمن هو على شاكلتك فقط نبوغا وذوقا وتوجها، فمن أين سيأتيك الجديد؟
12- أنت لا تمارس أي نشاط جسدي إلا ما أُكرهت عليه:
الجسد الآدمي يحتاج للتمرين لأنه يحتاج للأكسجين، والتمرين يزيد من استيعاب الأكسجين، فمن الضروري تحدي قدراتك الجسدية العضلية ودرجة التحمل وتشجيع الجسد على إخراج المستهلك من خلايا وسموم.
13- أنت "مكانك قف" علما ومعرفة وعملا ومهنة:
ثلة من المميزين وقليل من الآخرين من ينهي قراءة كتاب واحد في السنة بعد التخرج لا في مهنته ولا من خارجها، وكأنه المعني شخصيا بـ "رُفعت الأقلام وجفت الصحف" يفسرها بالإبتعاد عن الكتب أو ما شابهها من مصادر. التسارع الذي يحكم التقدم المعرفي يفرض علينا محاذاته وتتبع تطوراته وما يستجد في ميادينه. هذا السعي هو نفسه يولد طاقة ذاتية هائلة.
14- تتأبط ما لا طاقة لك به قبل الإستعداد له:
هذا فن يأتي بالتجربة والممارسة وهو أن تعرف "أقصى الحمولة" التي يمكنك حملها من نقطة إلى أخرى دون عناء شديد ولكن دون أن تغرق تحتها.
15- أنت لا تمارس الشكر على النعم:
هذه عادة سهلة، ولكنها ممتنعة إذ يقول سبحانه وتعالى: "وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ". السعادة في الحياة ليست فيما تمتلك أو تحقق، ولكنها تتناسب طرديا مع ما أنت شاكر عليه، فلو ربح ضرير مثلا سيارة مرسيدس في إحدى مسابقات رمضان، ومن الشروط أن يقودها بنفسه أهو أسعد بها مما لو تمت له جراحة في ألمانيا أو دمشق أو المدينة المنورة أعادت له بصره؟ "وسبّح بحمد ربك حين تقوم.... ومن الليل فسبّحْه وإدبار النجوم".
16- عدم الإصغاء لمحدثيك:
هذه باختصار عادة "قلة أدب"... عندما تستمر في سرد قصتك في منتصف كلام محدثك ولا تعير بالاً لما يقول ولا تستطيع إعادة ولو فكرة بسيطة مما سمعت! إن أفضل مديح للآخر هو أن تتذكر إسمه وتسأله عن تفسير ما قال أو تعيد عليه جملة شدت إنتباهك. إن استثمار دقائق فقط لاستيعاب ما تسمعه من محدثك هو تجارة لن تبور وتقطف من ثمارها أكثر مما تتوقع.
17- التورط في وظيفة لا تحبها:
وأخيرا أن تكون سجين وظيفة لا تحبها أو عملا ضد طبيعتك ولا يتلاءم مع قدراتك ومواهبك.. هذا لا يعني أن تقعد وتنتظر الوظيفة المثالية في سوق تصل البطالة فيه الى 70 في المئة، ولكن المقصود أن تعمل جادا لتصبح على مستوى عال من المهارة في صنعتك ومهنتك، فمعظم الكارهين لعملهم والحاقدين على مديريهم ورؤسائهم هم في الغالب من ذوي الأداء الضعيف، الذين لا يحسنون ما يفعلون. النصيحة هنا "أن تقوم بعملك بدرجة عالية من التميزّ لا يستطيعون حيالها أن يهملوك!".
إقرا أيضاً: