لا شك أن قلق الفرد على سلامة من يحب واطمئنانه عند وجودهم بجواره أمر طبيعي، إلا أن طبيعة الحياة ومراحلها المختلفة قد تحتم علينا الابتعاد عمن نحب مؤقتًا أو فترات طويلة وعندها تنتابنا مشاعر الاشتياق والحنين إليهم، ولكن إذا سيطر على الشخص ضيق شديد وقلق مبالغ فيه من فكرة الابتعاد عمن يحب إلى درجة تعوق أداء مهامه اليومية والعيش حياة طبيعية، فقد يشير ذلك إلى إصابته باضطراب قلق الانفصال عند الكبار. [1]
تعرف في هذا المقال على أسباب اضطراب قلق الانفصال عند الكبار، وأعراضه، وكذلك طرق علاجه.
ما هو اضطراب قلق الانفصال عند الكبار؟
يعد اضطراب قلق الانفصال نوعًا مناضطرابات القلق الشائع حدوثها في الأطفال، ولكنه قد يمتد أحيانًا إلى مرحلة البلوغ أو يصيب الكبار أيضًا. يعاني الشخص في هذا الاضطراب من خوف شديد وقلق مفرط على من يحب كالزوج أو أفراد الأسرة والأطفال أو حتى حيوانه الأليف إلى درجة قد تصل إلى الإصابة بذعر ونوبات هلع والمعاناة من كوابيس وأعراض جسدية بمجرد التفكير في ابتعادهم عنه، أو حتى نتيجة انفصال مؤقت كذهاب الزوج إلى العمل أو السفر عدة أيام في مهمة ما. [2][3]
ينعكس هذا القلق المفرط على تفكير الشخص وسلوكه مع الآخرين وكذلك قدرته على ممارسة حياته الطبيعية، وقد يؤدي قلق الانفصال عند الأم أو الأب إلى اتباع أسلوب صارم في تربية الأبناء والمبالغة في حمايتهم وأخذ القرارات المصيرية نيابة عنهم. [4]
ما الفرق بين قلق الانفصال عند البالغين والأطفال؟
قد يظهر قلق الانفصال عند الأطفال كجزء طبيعي من مراحل التطور بين عمر 6 أشهر و3 سنوات، حيث يشعر الطفل بالقلق والخوف عند الانفصال عن والديه ويعد ذلك أمرًا طبيعيًا وعادة ما يختفي تلقائيًا بمرور الوقت، ولكن إذا استمر الأمر إلى مرحلة دخول المدرسة فقد يشير ذلك إلى معاناة الطفل من اضطراب قلق الانفصال. [5]
بينما قد يحدث اضطراب قلق الانفصال عند الكبار نتيجة وجود مشاكل في التعلق العاطفي منذ الطفولة، أو استجابة للتعرض لتجربة مؤلمة أو صدمة نفسية، وربما امتدادًا لحدوث اضطراب قلق الانفصال منذ الطفولة. [6][7]
على الرغم من تشابه أعراض اضطراب قلق الانفصال عند الأطفال والكبار من حيث القلق المفرط والخوف من الانفصال عن أحبائهم، إلا أن التعبير عن ذلك قد يختلف، فعلى سبيل المثال يعبر الطفل عن قلقه بالبكاء والغضب والتشبث بوالديه ورفض الذهاب للمدرسة، بينما في الكبار يقل إظهار التعبير عن مشاعر القلق وتظهر أعراض جسدية، وينعكس ذلك بالاهتمام المفرط بالزوج والأبناء. [6]
أعراض اضطراب قلق الانفصال عند الكبار
تتضمن أعراض اضطراب قلق الانفصال عند الكبار ما يلي: [1][3][4]
- الشعور بالانزعاج الشديد عند ابتعاد أحد أفراد الأسرة حتى لو فترة مؤقتة.
- أفكار هوسية وخوف مستمر من تعرض أحد أفراد الأسرة إلى الاختطاف أو الإصابة بمرض أو الموت.
- الإصابة بنوبات هلع وخوف شديد عند فقدان التواصل مع الزوج أو أحد أفراد الأسرة.
- القلق الدائم والخوف الشديد من فكرة ابتعاد الشريك العاطفي عنهم أو التخلي عن العلاقة.
- الغيرة المفرطة على الشريك أو الزوج أو أفراد الأسرة.
- الاستمرار في علاقة سامة فقط نتيجة التعلق والخوف من الانفصال والوحدة.
- صعوبة التركيز في الدراسة أو العمل وفقدان الشعور بالطمأنينة والأمان من كثرة التفكير والخوف من الابتعاد عن أحبائهم.
- الأرقوصعوبة النوم من كثرة التفكير.
- نوبات من القلق أو الحزن والاكتئاب.
- المعاناة من أعراض جسدية نتيجة القلق، مثل الصداع، وآلام الجسم، واضطراب المعدة والغثيان والإسهال.
تنعكس أعراض اضطراب قلق الانفصال عند الكبار في صورة الإفراط في الاهتمام بالشريك أو أفراد الأسرة كالآتي: [3]
- كثرة الاتصال أو إرسال الرسائل النصية للزوج أو أفراد الأسرة عند ابتعادهم.
- الإفراط في حماية الأطفال.
- التعامل بصرامة مع أفراد الأسرة والتعدي على خصوصياتهم.
- السعي لإبقاء أحبائه بالقرب منه حتى إذا وصل الأمر إلى التصرف بعدوانية.
- الحد من قضاء وقته خارج المنزل أو السفر، وربما عدم الرغبة في الذهاب إلى العمل.
اقرأ أيضًا: كيف تنهي علاقة مؤذية أو مدمرة؟
أسباب اضطراب قلق الانفصال عند الكبار
قد يحدث اضطراب قلق الانفصال عند الكبار جراء ما يتعرض له الشخص من أحداث ومشاكل حياتية تؤثر على مشاعره وطريقة تفكيره، وتشمل أسباب وعوامل خطر الإصابة بقلق الانفصال للكبار ما يلي: [2][4]
- المرور بتجارب مؤلمة أو التعرض لصدمة نفسية، مثل وفاة أحد أفراد الأسرة، أو التعرض للرفض أو الهجر، أو سوء المعاملة في مرحلة الطفولة.
- فرط حماية الآباء لأبنائهم أو نشأة الشخص تحت رعاية آباء متسلطين.
- التغيرات الكبيرة في الحياة مثل الانتقال للدراسة الجامعية والابتعاد عن الأسرة.
- تاريخ من المعاناة من اضطراب قلق الانفصال في مرحلة الطفولة.
- تاريخ من الإصابة باضطرابات نفسية أخرى، مثل الوسواس القهري، أو اضطراب الهلع، أو اضطراب القلق العام، أو اضطرابات عصبية مثل التوحد.
اقرأ أيضًا: ما هو التعلق العاطفي، ومتى يصبح غير صحي؟
تشخيص اضطراب قلق الانفصال عند الكبار
قد يصعب تشخيص اضطراب قلق الانفصال عند الكبار نظرًا لتشابه أعراضه مع اضطرابات القلق الأخرى، مثل اضطراب القلق العام والتي عادة ما تحدث بالتزامن معه، وكذلك تشابهها مع السلوكيات السامة وحب السيطرة في العلاقات العاطفية؛ لذا قد يستغرق تأكيد التشخيص عدة جلسات. [3][4][8]
يعتمد الطبيب في التشخيص على أخذ التاريخ الطبي ومعرفة الأعراض التي يعاني منها الشخص بدقة وفهم أفكاره ومعتقداته، ومن ثم تقييم الأعراض وفقًا للمعايير الواردة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الإصدار الخامس لتأكيد التشخيص باضطراب قلق الانفصال عند الكبار والتي تنص على توافر الشروط التالية في المريض: [4]
- شدة القلق والأعراض لدى الشخص إلى درجة تؤثر على قدرته على ممارسة حياته الطبيعية وأداء أنشطته اليومية.
- ملاءمة الأعراض التي تظهر على المريض مع خصائص اضطراب قلق الانفصال.
- استمرار الأعراض مدة 6 أشهر أو أكثر.
علاج قلق الانفصال عند الكبار
يعد الخضوع للعلاج النفسي هو الخطوة الأولى في علاج اضطراب قلق الانفصال عند الكبار وقد يصف الطبيب أدوية في بعض الحالات، ويتضمن العلاج ما يلي: [2]
- العلاج السلوكي المعرفي
يعد العلاج السلوكي المعرفي من أساليب العلاج النفسي الشائعة للتغلب على قلق الانفصال، حيث يعمل على اكتشاف السبب الكامن وراء فرط القلق على الزوج وأفراد الأسرة والأطفال، ومن ثم العمل على التغلب على نمط التفكير السلبي لدى المصاب، والتخلص من آثار المشاكل والتجارب السيئة التي تؤثر على طريقة التفكير وتسبب القلق المفرط. [7]
يُجرى العلاج النفسي على عدة جلسات، وفيه يتم أيضًا تدريب الشخص على تقنيات الاسترخاء مثل التأمل الواعي لمساعدته في الحد من التوتر والقلق. [7]
- العلاج الدوائي
قد توصف بعض الأدوية في علاج اضطراب قلق الانفصال عند الكبار مثل مضادات الاكتئاب لتخفيف القلق المستمر الذي يعاني منه الشخص، ولكنها عادة ما تستخدم فترة مؤقتة بجانب العلاج النفسي لزيادة فاعلية العلاج. [2]
اقرأ أيضًا: كيفية علاج القلق بالطرق الطبيعية والأدوية
نصيحة الطبي
قد يمتد قلق الانفصال من مرحلة الطفولة حتى الكبر أو يصيب البالغين وربما يؤثر على الحياة العملية والاجتماعية ويؤدي إلى العزلة ومشاكل في العلاقات إذا أهمل علاجه؛ لذلك يوصى بزيارة طبيب نفسي عند الشعور بقلق مبالغ فيه على أحبائه لتلقي العلاج المناسب والمساعدة على تخطي هذه المشكلة والعودة إلى الحياة الطبيعية.