أظهرت العديد من الدراسات أن الرجال أكثر عرضة لتطوير الأعراض الشديدة والوفاة نتيجة لعدوى فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، وقد تناولت العديد من الدراسات هذا الموضوع لمعرفة السبب المؤدي لهذا الفرق بين الجنسين.
اتخذت النظريات العديد من الاتجاهات ولكنها كان معظمها يميل إلى الفرق في الهرمونات بين الجنسين، فقد أشار بعض الخبراء إلى أن النساء يمتلكن جهاز مناعي أقوى من الرجال، واتجهت نظرية أخرى إلى حقيقة أن أمراض القلب (بالإنجليزية: Heart Disease) ، وارتفاع ضغط الدم (بالإنجليزية: Hypertension)، وأمراض الكبد (بالإنجليزية Liver Disease) التي تعد من العوامل التي تزيد من خطر تطور المضاعفات لدى المصابين بعدوى فيروس كورونا (بالإنجليزية: Corona)، تعد أكثر شيوعاً لدى الرجال من النساء.
ناقشت دراسات أخرى دور الكروموسوم X الزائد لدى النساء في الوقاية من الأعراض الشديدة للعدوى الفيروسية، واتجهت أبحاث أخرى إلى دور الهرمونات الجنسية كالأندروجين والجهاز المناعي في المضاعفات التي تواجه الرجال نتيجة لعدوى فيروس كوفيد-19، وقد توجهت بعض الآراء إلى أن الرجال يميلون إلى السلوكيات الخطرة مثل تجاهل ترك مسافة أمان عند الاختلاط بالآخرين، كما أن معظم الرجال يتجاهلون الأعراض التي قد تظهر لديهم نتيجة للعدوى ولا يأخذونها على محمل الجد مما يؤدي إلى تفاقم العدوى.
دور الأندروجين في شدة عدوى كوفيد-19 لدى الرجال
الأندروجين عبارة عن مجموعة من الستيرويدات التي تساعد على نمو وتطور وظائف الأعضاء التناسلية الثانوية لدى الذكور، وقد أثارت إحدى الدراسات الإيطالية نظرية تشير إلى أنه يمكن أن يكون للأندروجين الذكري دور في شدة عدوى فيروس كوفيد-19 لدى الرجال وارتفاع معدلات الوفاة.
دعمت نظرية الأندروجين بدراسة إيطالية وجدت بأن مرضى عدوى كوفيد-19 الذين يعانون من سرطان البروستاتا ويتلقون علاج الحرمان من الأندروجين (بالإنجليزية: Androgen Deprivation Therapy or ADP) لم يتعرضوا بشكل كبير للإصابة بعدوى كوفيد-19 الشديدة أو الوفاة بالمقارنة مع مرضى السرطان الذين يعانون من الأنواع الأخرى للسرطان.
يجعل الأندروجين فيروس كوفيد-19 شرس بطريقة غامضة مما يزيد من شدة المرض لدى الرجال، وقد تم الافتراض بأن علاج الحرمان من الأندروجين يمكن أن يساعد في الوقاية من عدوى كوفيد-19 ومضاعفاتها.
سبب زيادة الأندروجين لشراسة هجمة فيروس كوفيد-19
يستخدم فيروس كوفيد-19 مستقبلات خاصة توجد على سطح الخلايا تعرف بمستقبلات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 (بالإنجليزية: Angiotensin-converting enzyme 2 or ACE2) من خلال ربطها بمستقبلاته البروتينية التي تشابه الأشواك والتي تعرف ببروتينات الحسكة (بالإنجليزية: S protein)، وتساعد بروتينات أخرى موجودة في غشاء الخلايا على دخول الفيروس إلى الخلية تسمى إنزيم البروتينات عبر الغشاء ويرمز لهذا البروتين بالرمز TMPRSS.
ينتمي إنزيم البروتينات عبر الغشاء TMPRSS2 إلى عائلة بروتينات تعرف بإسم بروتييز السيرين العبر غشائي 2 (بالإنجليزية: Type II Transmembrane Serine Proteases) وتشارك هذه البروتينات في الكثير من العمليات في الجسم مثل الإصابة بالعدوى الفيروسيةK والإصابة بالسرطان.
ينشط الأندروجين الجين المسؤول عن إنزيم البروتينات عبر الغشاء، ويعد هذا الإنزيم من العوامل التي تساعد على نمو ورم البروستاتا، وقد اشارت العديد من الأدلة إلى أن الأندروجين ينظم إنزيم البروتينات عبر الغشاء في أنسجة الرئة، وغيرها من الأنسجة أيضاً وليس في أنسجة البروستاتا فقط.
اقرأ أيضاً: أعراض السرطان حسب نوعه
استخدام علاج الحرمان من الأندروجين في محاربة عدوى فيروس كوفيد-19
يساعد علاج الحرمان من الأندروجين على تقليل مستويات إنزيم البروتينات عبر الغشاء، لذا اقترحت الدراسات استخدام هذا العلاج لمنع أو تخفيف شدة أعراض عدوى فيروس كوفيد-19 لدى الذكور، كما يقترح استخدام هذا العلاج الذي يحتوي مضادات مستقبلات الأندروجين لمنع الإصابة بعدوى فيروس كوفيد-19 أو تخفيف أعراضها لدى الرجال الذين لا يعانون من سرطان البروستاتا.
ينطوي استخدام علاج الحرمان من الأندروجين على احتمال ظهور آثار جانبية عند استخدام العلاج لفترة طويلة، لذا اقترح الباحثون استخدام هذا العلاج لفترة قصيرة لتخفيف أثر الآثار الجانبية الخطيرة لمضادات مستقبلات الأندروجين.
دور الكروموسوم x في التأثير على آلية عمل الجهاز المناعي لدى الرجال
يمكن أن يكون للفارق الجنسي بين الرجال والنساء تأثير على الجهاز المناعي كما أظهرت العديد من التقارير الأولية التي نشرتها بعض الدول مثل الصين، والتي أظهرت بأن هناك فرق في عدد الوفيات بين الرجال والنساء الذين تعرضوا لعدوى كوفيد-19، وقد يعود السبب في هذا الفروقات إلى العوامل التالية:
- الاختلاف في آلية عمل البروتينات التي تعمل مع بعضها للدفاع عن الجسم بين الذكور والإناث.
- الاختلاف في الهرمونات والجينات الجنسية.
- الاستجابة المناعية الأقوى لدى النساء التي تجعلهن أقل عُرضة للإصابة بالعدوى الفيروسية من الرجال.
تتمتع النساء باستجابة مناعية فطرية وتكيفية أقوى من الرجال، وتعني المناعة الفطرية والمناعة التكيفية ما يلي:
- المناعة الفطرية: هي المناعة التي توفر الاستجابة الأولى ضد العدوى الفيروسية في الجسم.
- المناعة التكيفية: هي المناعة التي يكتسبها جسم المرأة مع التعرض للعدوى على المدى الطويل، وقد يتأخر النظام المناعي التكيفي في الاستجابة بسبب إنتاجه لأجسام مضادة من أي دخيل جديد على جسم المرأة.
يمكن أن تزيد الاستجابة المناعية القوية لدى النساء من خطر تعرضهن للإصابة بأمراض المناعة الذاتية (بالإنجليزية: Autoimmune Disease)، كما أن الاستجابة المناعية الضعيفة لدى الذكور تجعلهم أكثر عُرضة للإصابة بالأنواع المختلفة من السرطان.
النظام المناعي الفطري
يحتوي الجهاز المناعي الفطري على بروتين يعرف بإسم المستقبل 7 الشبيه بالتول ويرمز له بالرمز(TLR7)، ويساعد هذا البروتين في التعرف على مسببات العدوى ويصنفها بأنها أجسام دخيلة وغريبة في الجسم مثل الجزيئات الفيروسية، ويتواجد الجين الخاص بالمستقبل 7 الشبيه بالتول (TLR7) على الكروموسوم الجنسي X.
تمتلك النساء نسختين من الكروموسوم X بينما يمتلك الرجال نسخة واحدة ومن الكروموسوم X، لذا يقوم الجسم بتعطيل إحدى نسختي الجين لدى النساء لكي يحافظ على التوازن المناسب للجينات في الجسم، ولكن في بعض الأحيان يمكن أن يفشل الجسم في تعطيل النسخة الثانية من جين المستقبل 7 الشبيه بالتول (TLR7) لدى النساء، مما يؤدي إلى إنتاج الجسم للمزيد من المستقبل 7 الشبيه بالتول (TLR7) جاعلاً المناعة لدى النساء ضد الأجسام الغريبة التي تهاجم الجسم أقوى.
تتسبب الزيادة في إنتاج المزيد من المستقبل 7 الشبيه بالتول (TLR7) في تعزيز النظام المناعي الفطري لدى النساء وزيادة سرعة تعرف أجسامهن على الأجسام الغريبة التي يمكن أن تسبب العدوى، وتجهيز أعداد كبيرة من الأجسام المناعية لمحاربة العدوى والتخلص منها.
النظام المناعي التكيفي
يعزز الجسم نظام المناعة الأساسي من خلال إطلاق الإنترفيرون (بالإنجليزية: Interferon)، وهو البروتين المسؤول عن توجيه الأجسام المناعية لمحاربة العدوى في الجسم، مما يعطي وقتاً للنظام المناعي التكيفي في الجسم للاستعداد ليحارب مسببات العدوى أكثر من الرجال، وقد أظهرت نتائج الدراسات بأن مستوى الإنترفيرون في الدم لدى النساء أعلى من الرجال.
أظهرت الدراسات أيضاً بأن الأجسام المضادة التي ينتجها النظام المناعي التكيفي لدى النساء أقوى في محاربة الفيروس والارتباط به كما أن جودتها لدى النساء أعلى.
يؤثر هرمون الأستروجين (بالإنجليزية: Estrogen) الذي ينتجه جسم المرأة بكميات أكبر من جسم الرجل على النظام المناعي التكيفي والفطري، إذ يساعد هذا الهرمون على تنظيم مجموعة كبيرة من الجينات الخاصة ببروتينات الجهاز المناعي، كما يحفز هرمون الأستروجين إنتاج الإنترفيرون في الجسم، ويساعد على تحفيز بعض الجينات المسؤولة عن توجيه الاستجابة المناعية للخلايا المناعية البائية التي تنتج الأجسام المضادة في الجسم، ولكن من الجدير بالذكر أن هذه الدراسات أجريت في حالات العدوى بفيروسات أخرى غير فيروس كوفيد-19.
اقرأ أيضاً: ما الذي يفسر ازدياد خطر فيروس كورونا الجديد في كبار السن؟