حين يدخل الشك إلى الحياة الزوجية، تتحول إلى جحيم يحرق الطرفين، فالشك بين الزوجين من الأمور التي تدل على نقص الثقة، وفي أحيان كثيرة حين يتصاعد يمكن أن يصل إلى انعدام الثقة في كل الأمور مهما كانت صغيرة، أو كبيرة.
تبدأ بذور الشك مع تصرفات بسيطة لكنها تحمل مغزى ما، ويتولّد حين تكون هناك علامات تتغير من الشخص تجاه الطرف الآخر فيظهر الإحساس بالغيرة، ويمكن أن يؤدي إلى المرض، حين تكون هناك دلائل واضحة، لكن في الغالب الشك مجرد أوهام صادرة عن عقل مريض، وعادة ما تتسع دائرة الشك بتصرفات كل من الزوجين.
يقول الدكتور سامح سليمان، أستاذ الأمراض النفسية بجامعة القاهرة: "إن الشك يرجع لأسباب نفسية أو اجتماعية، وينتج عن التفسير الخاطئ لبعض المشكلات بين الزوجين، وأهمها أن أحدهما يحس برفضه للطرف الآخر وخاصة في العلاقة الحميمية".
وتابع: "هناك عوامل أخرى تكون سبباً لحدوث الشك بين الزوجين وهي عوامل نفسية يمكن أن تكون مرتبطة بشخصية الإنسان وهي الشخصية التي يسودها الإحساس بالنقص، لأنها لم تحصل على الحب الكافي منذ الصغر، لذا يسود في داخلها اعتقاد أنها غير جديرة بالحب، وأن الآخر من الممكن أن يتخلى عنها لأي سبب، لذا تتجه في كثير من الحالات مثل هذه النماذج للشكوك، والقيام بإسقاطات على الطرف الآخر، الذي من الممكن أن يكون بريئا تماما، وليس في نيته أي غدر".
ويرجع الدكتور عادل غنيم استشاري الطب النفسي، أسباب الشك بين الزوجين إلى الإهمال في تربية الأبناء منذ الطفولة، حيث يكون الطفل منطوياً ودون أصدقاء، وأسرته تحذره من الجميع. فيضطر عقله الداخلي إلى الشك في كل من حوله، ويستمر معه هذا الشعور إلى الزواج.
ويوضح أن حب التملك يفقد الحياة الزوجية متعتها، وكلما نقصت مظاهر الحب شعر الشخص بنقصان الحب، فيبدأ بالشعور بالانهيار والتوتر والشك.
حب التملك يفقد الحياة الزوجية متعتها وكلما نقصت مظاهر الحب شعر الشخص بنقصان الحب فيبدأ بالشعور بالانهيار والتوتر والشك.
وينصح الدكتور عادل كلا الزوجين، بأهمية استيعاب الآخر، ففي حال لاحظ أحد الزوجين أن شريكه يعاني من مشكلة الشك عليه أن يبذل جهده لمساعدته على التخلص من هذه المشكلة، وأن لا يقوم بأمور تستفزه، وتثير اضطراباته النفسية، لأنه سيزيد من تعميق المشكلة في داخله.
بدوره يضيف الدكتور سعد عبد الموجود، اختصاصي الطب النفسي، أنه عندما ينشأ الطفل في أسرة يتداول داخلها الإحساس بالشك وعدم الأمان، فسوف يقل التواصل والتراحم ويتعلم من خلال ذلك أن يشك في الآخرين، ثم يجد لشكه أحياناً نتائج فتصبح من أنماط شخصيته، حيث يؤسس فيما بعد جيلا مثله، حيث تنتشر القيم الخاطئة في بعض المجتمعات.
لذا ينبغي على الأبوين أن يزرعا داخل أطفالهما الثقة بالنفس والثقة بالآخرين حتى يثبت العكس، ولا ينبغي أن تسبب تجربة سلبية في حياة الابن أو الابنة في علاقته مع زميل في المدرسة أو صديق، أو قريب، في انعكاس تلك التجربة على رؤيته لكل الرفاق والأصحاب، بل ينبغي أن يعلّم الآباء أبناءهم القدرة على التميز بين الناس، وهكذا يبدأ الابن في تشكيل وعي اجتماعي لطبيعة علاقته مع الآخرين.
وفي حال لاحظ أحد الزوجين أن شريكه يعاني من مشكلة الشك عليه أن يبذل جهده لمساعدته على التخلص من هذه المشكلة.
وتنصح الدكتورة إيناس شرف الدين، أستاذة علم النفس بجامعة عين شمس، الأزواج بتغيير أسلوب التفكير والانفتاح على المجتمع منعاً لوقوع الشخص في حالات الوسواس القهري، والشك في جميع من حوله.
وتؤكد أن الشك مرض نابع من طريقة التفكير الخاطئ أو الشعور بالنقص بسبب فقدان الاهتمام.
وتقول شرف الدين: "إن أياً من الزوجين إذا كان على قدر بسيط من الجمال، فإن كل طرف يكون مقتنعاً أن الآخر على علاقة بشخص ما أكثر منه جمالاً، وهنا لابد على الزوجين من تجديد الحب بينهما، من خلال السهر خارج المنزل، أو التنزه في الحدائق، لنسيان هذه الوساوس. والأهم من كل هذا منح الآخر الاهتمام والثقة، لأن الثقة تعتبر شكلا من أشكال المسؤولية، أما في حال شعر الآخر أننا رقباء على كل تصرفاته وسلوكه فهذا قد يؤدي إلى ردة فعل عكسية تتمثل في مزيد من الحدة والنفور في التعامل، ومن هنا تأتي أهمية الود والحنان، والتآلف، وهذه المشاعر لا تجتمع مع وجود الشك".
وأكد خبراء اجتماعيون أن "فايروس" الشك المرضي من أخطر الفيروسات التي تصيب جسد العلاقة الزوجية، وتهدده "بالموت"، وجزموا أن عدواه التي قد تنتقل إلى الأبناء، هي أحد أسباب زيادة فرص الخلافات ونسب الطلاق، كما كشفوا أن إمكانية علاجها - نفسيا واكلينيكيا - ممكنة إذا توفرت الإرادة.
وذكر المختصون أن علاج الشخصية الشكاكة يكون من خلال بناء علاقة علاجية موثوقة مع تلك الشخصية، عبر إشراكه في الخطة العلاجية، وتفسير الحساسية المفرطة، جنبا إلى جنب مع استخدام الأدوية المضادة للذهان تحت إشراف طبيب متخصص، ومعالجة الأعراض الأخرى المصاحبة مثل القلق أو الاكتئاب لتخفيف معاناة المريض، زيادة على جلسات العلاج النفسي الفردي لتحسين المهارات الاجتماعية وخفض شدة الحساسية للنقد.
وأشار الخبراء إلى أن الثقة بين الزوجين هي عمود الأساس لحياتهما الزوجية، ونصحوا بتربية الأبناء من الصغر على القيم والأخلاق لتحصينهم من الإصابة بهذا المرض بعد الزواج، بالإضافة إلى الاعتماد على الصراحة التي يجب أن تتوفر بين أفراد الأسرة.
المصدر: نشرت هذه المقالة في مجلة بلسم.