تشكل الأمراض النفسية عبئا كبيرا على مرضاها، ويعاني الأطفالمن المشكلات النفسيةكما يعاني منها البالغين, و من أبرز هذه المشكلات اضطراب القلق العام(generalized anxiety disorder)واختصارا"GAD"، وهو المصطلح الذي حددته الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال لتفسر القلق المستمر والمفرط وغير المنطقي وغير المحدد نحو شيء بذاته أو موقف معين لدى الأطفال.
وبالنسبة للأطفال الذين يعانون من مرض القلق العام، فهم يكونون أكثر عرضة وأكثر تأثرا من أقرانهم من غير المرضى في مواجهة المواقف نفسها، حيث إن توترهم يكون أكثر كما وكيفا. فهم يقلقون حيال أدائهم المدرسي وتنافسهم مع الآخرين، سواء دراسيا أو حتى رياضيا، وأيضا على سلامتهم الشخصية وسلامة أفراد العائلة، إلى جانب القلق من أحداث مستقبلية مثل الزلازل أو حدوث تغيرات مناخية عنيفة كالعواصف أو ما شابه ذلك.
وقد يتمكن المريض من تجاهل القلق، ولكن تبقى المشكلة في عدم القدرة على التحكم فيه لأن الأطفال المصابين بالقلق العام يمرون بأوقات صعبة في محاولة إيقاف أو تهدئة القلق بداخلهم، وهذا يمكن أن يؤثر بالضرورة في أدائهم الدراسي أو سلوكهم العام، بالإضافة إلى الإحساس بعدم الأمان؛ حيث تتملكهم رغبة دائمة في الحصول على مشاعر الطمأنينة والأمان، مما يؤثر في نمو شخصياتهم وعلاقتهم الاجتماعية.
قلق الأطفال
يبدو هؤلاء الأطفال غالبا مطيعين جدا ويسعون دائما نحو الكمال، وهم في حالة نقد دائم لأنفسهم، وغالبا ما يكونون مصرين على فعل الأشياء نفسها عدة مرات، مهما كانت هذه المهام بسيطة، لكي يتأكدوا أن المهمة قد أديت على أكمل وجه. وهم يقومون بهذا الأداء التكراري لكي يتمكنوا من خلق خط دفاعي لأنفسهم في مواجهة التوتر والقلق الدائم لديهم حيال أدائهم أمام الآخرين.
وينتشر القلق بنسبة ليست قليلة بين الأطفال؛ إذ تشير أحدث الدراسات الأميركية إلى وجود القلق بنسبة تتراوح بين 2.9 في المئة إلى 4.6 في المئة بين الفئة العمرية من 12 وحتى 17 عاما، وبشكل أقل حدة في الفئة العمرية من 5 إلى 11 عاما.
والأطفال والمراهقون من مرضى القلق غالبا ما يعانون من القلق المصاحب لبعض الأمراض النفسية الأخرى، مثل الوسواس القهري أو المخاوف غير المبررة. وتميل اضطرابات القلق إلى عدم الاستقرار مع الزمن، أي إن الطفل يظل في حالة معاناة دائمة مع القلق لمدة طويلة، ولكن ليس بالضرورة للسبب نفسه.
واضطراب القلق مشكلة كبيرة وخطيرة تواجه الأطفال والمراهقين، ويدرك العلماء الآن أنه بالإضافة إلى التأثير البالغ السوء على حياة الطفل الاجتماعية والأكاديمية، فإنه يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة طويلة المدى، خاصة إذا صاحب القلق اضطراب نفسي آخر مثل الاكتئاب، حيث يرفع ذلك من معدلات محاولات الانتحار.
أسباب القلق
هناك عوامل متعددة تؤدي إلى القلق، مثل العوامل العائلية والعوامل البيئية. وقد أظهرت الأبحاث أن هناك علاقة بين الآباء الذين يعانون من القلق وبين التغير في سلوك الطفل، حيث يصبح الطفل أكثر عرضة للإصابة من خلال وجوده الدائم مع نموذج للسلوك المتوتر، وبالتالي يتم التحفيز بشكل غير مباشر على القلق وزيادته. كما تلعب دورها أيضا الأحداث المحيطة بالطفل، مثل المشكلات التي تواجه الأسرة سواء كانت مادية أو خلافات عائلية أو اخبار صادمة، كوفاة أحد الأقارب أو وقوع الطلاق بين الأبوين، وكذلك سلوك النهي والنهر المتواصل من الآباء جراء أخطاء بسيطة، مما يضع الطفل في حالة قلق دائم. ولذلك، فإن دور الأسرة بالغ الأهمية في تفهم حالة القلق لدى الأطفال.
أعراض القلق
قد يعاني معظم المرضى من آلام جسدية مثل:
سرعة التنفس وسرعة ضربات القلب
العرق والغثيان وبرودة اليدين
صعوبة البلع أو الإحساس بوجود شيء ما في الحلق
تشنجات العضلات أو تنميل أو آلام في العضلات
الصداع أو آلام بالمعدة.
ولكن ينبغي إدراك أن هذه الشكاوى ليست بالضرورة مصاحبة للقلق، ويجب التعامل معها على أنها شكاوى جسدية حتى يتم تشخيص القلق.
تشخيص القلق
يتم عن طريق معرفة التاريخ المرضي بعناية من العائلة، والسؤال عن تاريخ عائلي للقلق أو الاعتلال النفسي لأحد الوالدين، وكذلك جلسات متابعة مباشرة مع الطفل وملاحظة سلوكه والسؤال عن أدائه الدراسي والاجتماعي مع أقرانه.. مع الأخذ في الاعتبار التفرقة بين الأعراض الجسدية للقلق وبعض الأمراض الأخرى، مثل زيادة نشاط الغدة الدرقية أو قرحة المعدة. ويجب عدم تشخيص المرض إلا عند وجود خصائص معينة منها:
-قلق زائد ومستمر لفترة تتجاوز ستة أشهر تفاعلا مع أحداث مختلفة.
-الصعوبة في السيطرة على القلق.
-وجود عرض آخر مصاحب للقلق مثل الأرق أو الإرهاق أو ضعف التركيز.
-الانزعاج والاعتلال من دون سبب واضح أو مشكلة طبية محددة.
كذلك من المهم جدا التمييز بين القلق بشكله المرضي والقلق المنطقي، فمثلا القلق بمناسبة امتحان مدرسي أو مباراة رياضية معينة أو ظرف معين لا يعتبر مرضيا بطبيعة الحال، ولكن القلق الطبيعي يزول بزوال المؤثر.
علاج القلق
يتم علاج القلق بعدة طرق منها:
-العلاج النفسي بمعرفة الطبيب المختص، عن طريق جلسات متعددة مع الطفل للتخلص من القلق وتعلم الاسترخاء النفسي، وكذلك تدريبه على معرفة المؤشرات الجسدية المصاحبة للقلق,كما أن من المهم جدا مشاركة الآباء في العلاج، حيث إن وجود العائلة يساعد على تحسين تفاعل الطفل مع القلق ومحاولة حل المشكلات. ويجب على الأسرة توفير الجو والبيئة الخالية من التوتر والمشاحنات، ومنح الطفل الثقة بنفسه وبالآخرين، وكذلك تعلم مواجهة المشكلات ومحاولة حلها.
-العلاج الدوائي، الذي يفضل أن يصاحب العلاج النفسي. ومن أهم هذه الأدوية مضادات الاكتئاب، خاصة المثبطة لإعادة امتصاص السيروتونين بشكل انتقائي (selective serotonin reuptake inhibitor) (SSRI) التي تعتبر الخط العلاجي الأول. وهذه الأدوية تعالج القلق بنجاح، ولكن يجب التعامل معها بحرص شديد، والالتزام بالجرعة والطريقة التي يحددها الطبيب، لأن لمثل هذه الأدوية أعراضا جانبية خطيرة، وإذا تم استخدامها بشكل غير مختص قد تؤدي إلى الانتحار، خاصة في مرضى الاكتئاب، أو التعود، خاصة لدى المراهقين. وكذلك يجب عدم توقفها إلا بشكل تدريجي حسب الوقت الذي يقرره الطبيب.
-العلاج الغذائي؛ إذ يجب الإقلال من المواد التي تحتوي على الكافيين، مثل الشاي والكولا.
-التمارين الرياضية، التي تقلل من القلق وتزيل التوتر.
ويتم متابعة المريض بشكل دوري كل أسبوع في العيادة الخارجية لمدة تتراوح بين ثلاثة إلى خمسة أشهر، مع استمرار الجلسات العلاجية للطفل والوالدين وتوعيتهم بضرورة تناول العلاج بانتظام، وكذلك مخاطر القلق. يذكر أنه كلما بدأ علاج القلق مبكرا، زادت نسب التحسن والشفاء.