إضمحلال العضلات يمكن أن يصيب الجسم بأكمله، أو جزء فقط من عضلات البدن. ويمكن أن يكون هذا المرض شديداً للغاية، ويؤدي إلى الضعف العام، ما يفقد الشخص القدرة على أداء نشاطه الطبيعي والمعتاد،ويصيب هذا المرض الأطفال، والمراهقين، والكبار، وكل فئة لها نوع خاص بها، ولكن يشتركون جميعاً في تراجع ملحوظ وكبير في الكتلة العضلية، ويصل في نهايته إلى تلاشي شديد للعضلة المصابة، أو الجزء المعطوب منها فقط، وكشفت دراسة أمريكية حديثة أن السبب الرئيسي لمرض تلاشي العضلات، أو ما يطلق عليه مسمى "الحثل العضلي"، هو الجينات، أو العامل الوراثي، ولكن أيضاً يوجد بعض العوامل الأخرى التي تقود إلى هذه المشكلة، وتلاشي العضلات، طبقاً للتعريفات الطبية، يعني هجوم مرض خارج الأنواع الالتهابية على العضلات، يتسبب بتراجع وضعف مستمر وتدريجي للكتلة العضلية، إلى أن تصل إلى مرحلة التلاشي والاختفاء، حيث تفقد العضلات الأنسجة والألياف التي تميزها بعد فترة من زمن الإصابة.
يقول أحد الباحثين إن هذا المرض يمكن أن يصيب جزءاً من عضلة، أو كلها، أو مجموعة من العضلات، أو يهاجم كل عضلات البدن، ويعمل على اضمحلالها، ونسفها تماماً، ويصبح المريض غير قادر على الحركة بصورة كبيرة، ويوجد عدد من أنواع مرض تلاشي العضلات، وكل نوع له تأثيرات متفاوتة في المصابين، فكل مريض يتضرر بدرجة مختلفة، كما يهاجم كل نوع مجموعة من العضلات، ولكن الجميع يتشابه في عدد من الأعراض، وفترات متباينة من وهن العضلات، وتبين دراسة سابقة أن الفترة التي يستغرقها المرض حتى يفتك بالعضلة تختلف من مصاب لآخر، وحسب كل نوع من هذا المرض. وفي حالة تجاهل العلاج وعدم وقف زحفه، يصل التلاشي إلى مرحلة كبيرة، وخطيرة، وتوضح الدراسة أنه يتوفر بعض طرق العلاج التي يمكنها وقف التراجع للكتلة العضلية، ومقاومة المضاعفات، كما يمكنها التخلص من أعراض هذه المشكلة، لأن وصول الحالة إلى درجة التلاشي والضمور يسبب عجز المصاب، ويصبح في حاجة إلى مساعدة الآخرين، كي يقوم بأبسط أنشطة الحياة.
ويضيف أحد الباحثين أن هذه المشكلة يمكن أن تهاجم الشخص من دون وجود اضطرابات في الجهاز العصبي، أو حتى أمراض تحفز على ظهوره، وتكون الأعصاب المكلفة بحركة العضلات جيدة وقادرة على مهمتها.
أسباب المرض
العوامل الوراثية
كشفت دراسة أمريكية أن مرض تلاشي العضلات يرتبط بشكل كبير بحدوث اضطرابات جينية، أي ينتقل عبر العوامل الوراثية من المصابين إلى الأبناء، إضافة إلى بعض المسببات الأخرى.
ويصيب الجينات عدد من الاضطرابات التي تسبب هذا المرض. ويبلغ عدد المشاكل المرضية التي تتعرض لها الجينات نحو 42 نوعاً من الأمراض، وهي التي تؤدي إلى عطب في هذه الجينات، وتنتج عنها الإصابة بمرض تلاشي العضلات واضمحلالها.
ويفسر الباحثون ذلك بأنه يوجد عدد من الجينات المسؤولة عن إنتاج البروتين الذي يعمل على حفظ وحماية الأنسجة والألياف العضلية من التدمير والتلف، ومساعدتها على أداء عملها. وعندما تصبح هذه الجينات معطوبة تفشل في إنتاج هذا البروتين، وتتضرر العضلات، وتصاب بالتلاشي، والإختفاء.
اقرأ أيضاً: ضمور العضلات: أسبابه وعلاجه
الشيخوخة والحروق
يوجد عدد من العوامل والمسببات الأخرى التي ربما يكون لها دور في الإصابة بمشكلة تلاشي العضلات، منها التقدم في السن، أو الشيخوخة، حيث تذبل العضلات، وتضعف بصورة كبيرة.
كما تتسبب الإصابة بالحروق بتدمير الكتلة العضلية، وكذلك سوء التغذية الشديد، وتضرر الأعصاب الطرفية، والتمزقات والكسور التي تصيب العظام، وبعض أمراض النخاع الشوكي.
وتؤدي الإصابة بمرض السكتات الدماغية إلى حدوث تلاشي العضلات لدى البعض، نتيجة تضرر عدد من الخلايا العصبية المسؤولة عن العضلات. كما أن تناول الكحول بكثرة لمدة طويلة تنجم عنه حالة اعتلال عضلي يقود لهذه الحالة.
التصلب المتعدد
يصاب البعض باضطرابات في عدد من العضلات، وهذه المشاكل تتسبب بإجهاد العضلة بدرجة كبيرة، ومن ثم إتلافها، والوصول إلى درجة التلاشي. وعدم تحريك العضلة لفترة طويلة يؤدي إلى ضعفها، وربما اختفائها، ويحدث ذلك لدى بعض المصابين في الحوادث، ويمكثون فترات طويلة من دون تحرك.
وندرة الحركة، عموماً، والكسل الشديد، وضعف النشاط البدني، كلها عوامل تدعو للضعف العضلي والوهن، وبالتالي تجلب المزيد من الوهن وضمور العضلة.
ويعاني الأشخاص المصابون بمشكلة التصلب المتعدد من حالة ضعف وتلاشي العضلات، حيث يعتبر من ضمن الأمراض المناعية التي تهاجم فيه المناعة الأغشية التي تحمي الأعصاب، وبالتالي تتضرر هذه الأعصاب، ومنها المسؤولة عن حركة العضلات، وبالتالي تلف الألياف العضلية بعد فترة.
الإعتلال العصبي
تقود حالة الاعتلال العصبي إلى تدمير بعض الأعصاب. وحسب العضلة التي يحركها العصب التالف تكون الإصابة بتلاشي هذه العضلة، أو عدد من العضلات المتحكمة في هذا العصب.
ويضر مرض شلل الأطفال بعض العضلات بصورة كبيرة، ما يؤدي إلى ضمورها، وتلاشيها. وهذا المرض ناتج من الإصابة بفيروس يدمر الألياف العضلية، ويمكن أن يسبب الشلل في مناطق معينة من الإصابة.
ويوجد مرض آخر يقود إلى حالة تلاشي العضلات، وهو الضمور العضلي الذي يصيب العمود الفقري، وغالباً ما يؤدي إلى اختفاء كتلة العضلات الموجودة في الساقين والذراعين، وهو من الأمراض التي لها علاقة بالوراثة.
العلاج
ينبغي الذهاب للطبيب المتخصص عندما تتم ملاحظة انخفاض كتلة العضلات، وضعفها، ولابد للأمهات الانتباه إلى الصغار، في حالة سقوط الطفل باستمرار، والشكوى من ألم في العضلات، وصعوبة المشي، أو الميل أثناء المشي، وكذلك عند المشي على أصابع القدم.
ويؤكد الباحثون أنه لم يتم التوصل إلى علاج لهذه الحالة المرضية المزعجة حتى الآن، ولكن هناك بعض العلاجات التي تخفف من الأعراض، ويمكنها أن توقف تفاقم بعض الأنواع.
ويضيف الباحثون أن بعض شركات الأدوية نجحت في إنتاج دواء جديد له فاعلية في إيقاف نوع مرض "دوشن"، رغم أن الدواء لا يقضي على هذا المرض، ولكنه يحد من تطوره، ويقلل من أعراضه، ويعمل على علاج الاضطرابات الصحية للجينات التي تؤدي إلى هذا النوع من تلاشي العضلات.
ويستخدم هذا الدواء للأشخاص الذين ما زالوا قادرين على التحرك، والمشي، ويسعى المنتجون لهذا العلاج إلى السيطرة على أعراضه، وإيجاد صيغة للتعايش مع هذا المرض بصورة جيدة.
الغذاء والرياضة
توجد بعض الأساليب والطرق الأخرى التي تساعد في علاج هذا المرض، أو التخفيف من آثاره قدر الإمكان، ومنها تعديل نمط الغذاء، والاعتماد على أنواع معينة من المكملات الغذائية الضرورية.
ويجب ممارسة أنواع من الرياضة في محاولة لإيقاظ العضلات من سباتها، ومنها التمارين المائية المفيدة لهذه الحالات، وكذلك اتباع أساليب العلاج بالموجات الفوق صوتية.
للمزيد: المعالجة بالأمواج فوق الصوتية
العمليات الجراحية
يفيد استخدام العلاج الطبيعي في حل جزء كبير من هذه المشكلة، ويمكنه تقوية الكثير من العضلات، والحفاظ على الجزء المتبقي منها، مع استخدام أجهزة تحريك الساق.
ويمكن اللجوء إلى أنواع من الأدوية الكيميائية، ومنها الستيرويدات القشرية، وبعض الأدوية الجديدة المفيدة في هذا الشأن.
ويضطر بعض الأطباء إلى إجراء العمليات الجراحية، التي ربما تكون عاملاً مساعداً قوياً على الحركة، حيث يكون بعض العضلات والأربطة والأوتار مشدودة بصورة لا تسمح بالحركة، ما يجعل هذه العمليات ضرورة.
أخطر الأنواع
تشير دراسة أوروبية إلى أن مرض تلاشي العضلات يصيب الجينات المنوطة بحماية وتجديد خلايا معينة في الحبل الشوكي، وهي الخلايا المسؤولة عن السيطرة وتنظيم حركة العضلات بشكل مباشر، وإصابة هذه الجينات بالخلل، أو العطب، ينعكس على هذه الخلايا، ويتسبب بضمورها وموتها، ويعقب ذلك انقطاع الإشارات والأوامر المتبادلة بين الدماغ والعضلات، أي أن الوسيط أصبح لا يعمل، فلا تكمل الإشارات طريقها، وتتوقف العضلات من دون وصول أوامر من المخ لتحركها.
وتوقف هذه العضلات فترة طويلة من الزمن يقلل كتلتها وتضعف، لأن صحة هذه العضلات تعتمد على الحركة الدائمة، ومع الوقت تضعف أكثر فأكثر إلى أن تصل إلى درجة التلاشي والضمور، ويحدث تشوه لبنية جسم المصاب، ويمكن أن يتبع هذه الحالة مشكلة أخرى وهي هشاشة العظام.
وتبين الدراسة أن أخطر أنواع حالات تلاشي العضلات هي التي تصيب الصغار في عمر مبكر، لأنها بعد عدة سنوات تنهي جزءاً كبيراً من صحتهم وعافيتهم، ويظهرون بصورة ضعيفة عاجزة يحتاجون إلى مساعدة مستمرة، وتبدو الملامح أكبر من العمر الحقيقي بعشرات السنين.
ويصيب أحد أنواع تلاشي العضلات الأطفال في عمر سنتين إلى خمس سنوات، ويطلق عليه مسمى "دوشن". ويتفاقم هذا النوع بسرعة وتتراجع صحة الصغار لدرجة أنهم عند بلوغ عمر 12 عاماً يكون المرض قد تمكن منهم، ويصبحون عاجزين عن الحركة، وتتضرر أجهزة التنفس ويحتاجون إلى أجهزة إصطناعية، نتيجة تدمير عضلات التنفس تماماً.