تصنيع أول خلية حيوية في العالم
من المعروف لنا جميعاً أن وحدة بناء الكائن الحي هي الخلية، وتحتوي الخلية البيولوجية على عدد من العضيات والمركبات التي تخولها من القيام بمهامها الوظيفية المعقدة والتي يحددها نوع العضو والنسيج التي توجد به الخلية.
أنواع الخلايا
تصنف الخلايا تبعاً لوجود النواة بها إلى خلايا بدائية النواة، أي أنها لا تحتوي على نواة بالمعنى الحقيقي ولا يحيط حمضها النووي غلاف (مثل البكتيريا)، وإلى حقيقيات النواة، وهي التي يحيط نواتها غلاف نووي يفصل الحمض النووي عن السيتوبلازم. تتميز بدائيات النواة بكونها أبسط تركيباً، وأصغر حجماً، وجيناتها أقل تعقيداً، كذلك لا تحتوي على عضيات خلوية أو هيكل، ورغم تلك التباينات، إلا أن هناك قواعد عامة تسير حياة كلاً من بدائيات وحقيقيات النوى، مما يؤكد انحدارهم من أصل أولي واحد.
ولعل أهم ما يميز الخلية هو وجود الحمض النووي (بالإنجليزية: DNA) داخل نواتها، فهو المسؤول الأول عن الصفات والمهام، وكذلك التكاثر للكائن الحي، لذا فإن العلماء عندما فكروا بصناعة خلايا مخلقة بالمعمل، اتجه تفكيرهم أول ما اتجه إلى الحمض النووي، فإذا استطاعوا تصنيعه يكونوا قد نجحوا في إنتاج الخلايا الحية بالمعمل.
للمزيد: البصمة الوراثية (DNA Profiling)
وهذا ما حدث بالفعل، حيث استطاع العلماء إنتاج أو خلية حية بالمعمل، تحتوي على كود حمض نووي معدل تماماً، ومخلق بالكامل. يشبه هذا الميكروب الذي صنع بالمعمل وهو من سلالة أحد فصائل البكتيريا التي تعيش بالتربة أو داخل الأمعاء البشرية، أقاربه من الخلايا الطبيعية، ولكنه يتطلب عدداً محدوداً من الإرشادات الجينية كي يحيا.
النجاح في تصنيع أول خلية حيوية
كان نتاج مجهود عامين من قبل علماء مختبر البيولوجيا الجزئية التابع لمجلس الأبحاث الطبية في كامبريدج، هو ترجمة وتعديل الحمض النووي للبكتريا ايشيريشيا كولاي (بالإنجليزية: Escherichia Coli)، ليقوموا بإنتاج خلايا تحمل النسخة معادة التصميم من الجينوم الجديد المعدل. تخدم تلك التقنيات الحديثة والتي يُمكن التحكم بآلياتها البيولوجية، البشرية في العديد والعديد من المجالات الطبية، والصناعية، كما في صناعة الدواء، أو لإضافة صفات جديدة إيجابية لسلاسل البكتيريا الحية مثل مقاومة الفيروسات، كما يمكن استخدام تلك التقنيات مستقبلاً لدفع الخلايا إلى تحفيز إفراز الأنزيمات، وتصنيع البروتينات، والعقاقير.
تستخدم اشيريشيا كولاي بالفعل في تصنيع الأنسولين لمرضى السكري، ومستحضرات طبية لعلاج السرطان، والتصلب المتعدد، والنوبات القلبية، وأمراض العيون. للمزيد: تشخيص السكري
تحديات صناعة خلية حيوية بالمعمل
كان من أكبر التحديات التي واجهت العلماء في تركيب الجينوم المخلق، أنه يحتوي على 4 أزواج قاعدية، ويعبر عن وحدات الأكواد الجينية بالحروف (G,A,T,C)، والمطبوعة على أفرخ ورقية حجم أ4، مما جعلها امتدت إلى 970 صفحة، مكونة أكبر جينوم صنعه العلماء من قبل، وقد أثار حجم الجينوم المراد صنعه تساؤل العلماء، عما إذا كان من الممكن تصنيعه بالفعل؟
اقرأ أيضاً: الاختبارات الجينية أثناء الحمل
خطوات تصنيع أول خلية حيوية بالمعمل
بدأ فريق علماء كامبريدج في التخلص من الأكواد الزائدة عن طريق الكمبيوتر، فمثلاً كلما صادفوا كوداً يصنع حمض أميني معين استبدلوه بكود آخر يصنع أيضاً حمضاً أمينياً، وغيرها من الطرق المشابهة حتى وصلت التعديلات إلى 18000 تعديل، ليقوم العلماء بعدها بتكوين الكود الوراثي المعاد تصميمه، وأعيد تركيبه جزءاً جزءاً إلى بكتيريا اشيريشيا كولاي، حيث حلت مكان الجينوم الطبيعي، ليكون الناتج هو ميكروب مصنع بالكامل ومعدل الحمض النووي كلياً. لا تنمو الخلايا معدلة الترميز بصورة طبيعية، ويفسر العلماء ذلك بأنه من الغريب أن يستطيع كائن أن ينمو بعد كل تلك التعديلات.
اقرأ أيضاً: الجينات البشرية وفائدتها في علاج الأمراض الوراثية
أعلن علماء أمريكا في عام 2010 صنع أول كائن يحمل جينوم مخلق، ولكن ليس بشكل كامل التعديل، ولكنه أطول تعديل حدث على مر التاريخ. كان من نتائج تلك الإنجازات أن قفز مجال الحمض النووي الصناعي إلى مستويات وآفاق جديدة.
الخطط القادمة بعد تصنيع أول خلية حيوية بالمعمل
يقوم العلماء بتكثيف جهودهم الآن حول خميرة الخبز، بينما يستهدف علماء هارفارد الجينات البكتيرية مع زيادة عدد التغييرات بالأكواد. ولا يزال علم الهندسة الوراثية الحيوية يحمل للعالم العديد من المفاجآت والخطط، لتُطبق في مجالات الطب، والصيدلة، وغيرها من علوم خدمة البشرية.
اقرأ أيضاً: الجينات البشرية وفائدتها في علاج الأمراض الوراثية