تطور التطعيم بشكلٍ أساسي في القرن العشرين، لكن بداياته تعود إلى سنة 1000 ميلادي، حيث كان الصينيون يستعملون التلقيح ضد مرض الجدري قبل أن ينتشر التلقيح بعد ذلك إلى تركيا، وأفريقيا، والأمريكتين. لكن ثورة التطعيم بدأت فعلياً بفضل إدوارد جينر الذي استخدم جدري الماء كمطعومٍ لمرض الجدري، والذي أدى إلى التخلص التام من هذا المرض الخطير. حيث قام بأخذ عينة من بثور الجدري من الشخص المصاب ووضعها داخل جلد شخص آخر سليم، سميت هذه الطريقة بداية بالتلقيح عن طريق اليد.

في هذا المقال نستعرض بعض القصص عن رحلة تطور المطاعيم عبر التاريخ.

التلقيح في الصين

ذُكر التلقيح في الصين في العديد من الكتب التاريخية، وذكرت بعض المصادر أن بداية التلقيح في الصين تعود إلى عام 200 م. في أواخر القرن السابع عشر كان يحكم الصين الإمبراطور كانغ شي الذي نجا من مرض الجدري عندما كان طفلاً، كما أن أطفاله تلقوا التلقيح ضد مرض الجدري.
كان التلقيح يتم بطحن الصديد الذي يؤخذ من بثور الجدري ثم استنشاقها عبر الأنف، أو بأخذ مادة من قروح الجدري وحكّها بالجلد.

تطوير مطعوم الجدري

في عام 1796 م قام الطبيب إدوارد جينر باختبار نظريته، التي تفترض أن الإصابة بجدري البقر تحمي من مرض الجدري. جدري البقر هو مرض غير خطير يصيب الأبقار ويسبب ظهور البثور التي ينتقل المرض عبرها إلى البشر، خاصةً الذين يعملون في حلب الأبقار، وتبدأ البثور بالظهور على اليدين أولاً ثم تنتقل إلى أعضاء الجسم الأخرى.

قام إدوارد جينر بتلقيح طفل في الثامنة من عمره بمادةٍ مأخوذة من بثور جدري الأبقار، فمرِض الطفل لعدة أيام ثم شفي شفاءً تاماً. بعدها قام جينر بتلقيح الطفل بمادة مأخوذة من بثور حديثة لمرض الجدري لمعرفة مدى فعالية جدري الأبقار في الوقاية من مرض الجدري، ولم يُصب الطفل بشيء وبقي بصحةٍ جيدة.


من الجدير بالذكر أن فيروس جدري الأبقار ينتمي لعائلة الفيروسات الجدرية، والتي تتضمن أيضاً الفيروس المسبب لجدري الأحصنة، ومسبب جدري القرود، بالإضافة للجدري القاتل. ولكن تم تطوير أول لقاح فعلي لفيروس الجدري على يدي ميتشياكي تاكاهاشي حيث طور أول فيروس حيوي مخفف في عام 1972.

كما قام الطبيب الانجليزي توماس سايدنهايم بنشر بحث يتضمّن التمييز بين الحصبة والجدري بالتفصيل في عام 1676 م، رغم أن أول من بدأ بدراسة الفرق بين المرضين هو الطبيب الفارسي أبو بكر الرازي، لكن سايدنهايم هو من تمكن من شرح التفاصيل بدقة.

تطوير مطعوم السُعار

تم التعرف على السعال الديكي (داء الكلب) لأول مرة في العصور الوسطى ومنذ ذلك الوقت كان هناك العديد من المحاولات لمعرفة المسبب، حيث استطاع جول بورديت وأوكتاف غينغو بعزل البكتيريا المسببة للسعال والمسماه بورديتيلا السعال الديكي، في باريس قبل أكثر من 100 عام، مما أوجد فرصة ممتازة لابتكار لقاح.

ثم في عام 1914 تم ابتكار لقاح السعال الديكي كامل الخلية. ثم في الأربعينيات من القرن العشرين تم دمجه مع مع االلقاح لمرض الكزاز والدفثيريا ليصبح مطعوم ثلاثي، وبالفعل أصبح متاحًا على نطاق واسع. ومنذ ذلك الحين لوحظ انخفاض متعاقب في حدوث كل من السعال الديكيك والدفثيريا والكزاز. حيث كان اللقاح فعالًا بنسبة 80٪ تقريبًا في الوقاية من الأمراض الخطيرة والموت الناتج عن السعال الديكي. ولكن المشكلة كانت في أن اللقاح يوفر الحماية لمدة 5-10 سنوات بعد الجرعة الأخيرة من دورة التطعيم الكامل. كما أنه كان هناك آثار جانبية عديدة لمطعوم السعال الديكي فكانت المسألة الثانية هي كيفية منع الآثار الجانبية للقاح كامل الخلية. وفي تسعينيات القرن العشرين، تم تطوير اللقاح غير الخلوي للمرض وتم استبدال اللقاح القديم.

تطوير مطعوم الكوليرا

في عام 1849 م نشر الطبيب الإنجليزي جون سنو مقالاً يقترح فيه أن مسبب مرض الكوليرا ليس الهواء السيء أو البخار الملوث، بل يكمن السبب في شرب ماءٍ ملوث يسبب مرض الكوليرا. بعد ذلك تأكد جون سنو من صحة افتراضاته عندما توفي أكثر من 500 شخص خلال 10 أيام في المنطقة المحيطة بمضخة ماء قريبة من نهر التيمز، بينما كانت الوفيات في المناطق غير المعتمدة على هذه المضخة أقل.
وبعد العديد من الأبحاث والتجارب تم تطوير مطعوم لمرض الكوليرا على يد الطبيب الإسباني جايمي فيران، الذي اعتمد على دراسات باستور في إضعاف الميكروبات، ونجح في تطوير أول مطعوم مُضعّف حي ضد البكتيريا.

تطوير مطعوم الانفلونزا

طور جوناس سالك وتوماس فرانسيس أول لقاح ضد فيروسات الإنفلونزا. قام مطعوم الانفلونزا الأول بحماية القوات العسكرية الأمريكية ضد الأنفلونزا خلال الحرب العالمية الثانية. كما استخدم الدكتور سالك تجربته مع لقاح الأنفلونزا لتطوير لقاح فعال ضد شلل الأطفال في عام 1952. ومن الجدير بالذكر أن هناك سلالات عديدة للفيروسات المسببة للإنفلونزا، وذلك الأمر احتاج الى جهود متواصلة لتطوير مطعوم بشكل مستمر لكل سلالة تؤدي إلى مضاعفات خطيرة يتم اكتشافها.

مطعوم شلل الأطفال

بدأ جوناس سالك وفريقه بتجربة مطعوم شلل الأطفال في عام 1952 م، وهذا المطعوم يتكون من الفيروس المسبب لشلل الأطفال بعد قتله.
تم تجربة المطعوم على مجموعة من الأطفال الذين يعانون من إعاقات جسدية وعقلية المقيمين في مؤسسات خاصة. اكتشف الفريق أن أجسام الأطفال كونت أجساماً مضادة لفيروس شلل الأطفال والذي ساعد على الوقاية من المرض.

فيما بعد قام الجراح ألبرت سابين بتطوير مطعوم يتكون من الفيروس المسبب لشلل الأطفال بعد إضعافه، في البداية كان المطعوم يتكون من النوع الأول من فيروس شلل الأطفال فقط، وتم إضافة النوع الثاني والثالث فيما بعد ليصبح المطعوم أفضل في الوقاية من جميع أنواع الفيروسات المسببة للشلل الأطفال. وتم في ما بعد تطوير مطعوم شلل الأطفال عم طريق الفم، وآخر عن طريق الوريد.

اقرأ أيضاً: أنواع لقاح شلل الأطفال ومدى فعاليته وأمانه

تطوير مطعوم الحصبة

قام موريس هيلمان بتطوير مطعومٍ للحصبة عن طريق إضعاف فيروس الحصبة بتمريره أكثر من 80 مرة على أنواع مختلفة من الخلايا، والمطعوم الناتج يعطى مع جرعة من غاما غلوبولين، لتخفيف أعراض الحصبة. وتم اعتماد هذا المطعوم في عام 1963 م بعد إثبات فعاليته بتجربته على القرود والبشر.

مطعوم MMR

تم اعتماد مطعوم الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية في عام 1971 م بعد تجربة فعالية دمج المطاعيم الثلاثة معاً، حيث كانت الأعراض الجانبية للمطعوم المدمج أخف بكثير من كل مطعوم لوحده، كما أن فعالية المطاعيم كانت أفضل بعد دمجها معاً.

للمزيد: مطعوم الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية