لقد تنامت ظاهرة الارهاب في الآونة الاخيرة، و أصبحت تمس الحياة اليومية لكل انسان على وجه البسيطة؛ فلا يكاد يمضي يوما حتى نرى و نسمع عن حالات من الاعتداء و الترويع و الترهيب بحق الافراد والمجتمعات، فالاعتداء الجسدي او الجنسي او النفسي و غيره من هذه الاشكال التي تمس ابسط الحقوق النفسية الانسانية لبني البشر.

و للأسف فان الشواهد اليومية في بلداننا العربية و خصوصاً في اقليم الشرق الاوسط واضحة للعيان بأن الارهاب هو فضاء مهماً نظرنا اليه و لا نستطيع بلوغ حدوده.

- لقد بدا الارهاب منذ بدء الخليقة؛ فقابيل قتل هابيل و استباح دمه و لا عجب من ان الاديان السماوية جميعها حرمت دماء الاخرين و ممتلكاتهم وأعراضهم على الغير، و من هنا فقد اصبحت الدراسات والأبحاث التي تحاول ان تفسر هذه الظاهرة امر لابد منه، و في هذا السياق سنلقي نظرة على تعريف الارهاب و التفسيرات النفسية لكافة المدارس السايكولوجية المعنية بدراسة السلوك الانساني.

مفهوم الارهاب

- ان مفهوم الارهاب من المفاهيم الجدلية لاعتبارات عديدة، و هذا يعود الى اتجاهات الباحثين و طبيعة نشأتهم؛ و ذلك من خلال تأثرهم بالسياسات التى تنتهجها الدول التى ينتمون اليها.

- فالإرهاب في اللغة هو الخوف و الترهيب (هو اخافه الغير).

- من الناحية العملية التطبيقية فان السلوك الارهابي يصنف عمليا حسب خمس مقاييس اساسية وتشمل هذه المقاييس: الاجراء، الممارسة، الاهداف، الدوافع و النتائج للسلوك الارهابي الاجرامي.

- من الناحية الاجرائية معناه الاعتداء على الاخرين، و هذا يشمل الاعتداء النفسي او الجسدي.

- من حيث الممارسة فهذا يعني اما ان يكون السلوك الارهابي فردياً أو جماعياً.

- من حيث الاهداف اما ان يكون ضد كيان سياسى يحكم البلد أو ضد كيان دينى أو عرقى أو مذهبي.

- من حيث الدوافع و هذا يكون اما بسبب اضطهاد أو انحياز أو قد ينبع من ايدولوجية محددة تفرضها مجموعات متطرفة من الداخل أو الخارج.

- من حيث النتائج عادة ما تكون حالة من الفوضى و اضطراب و اختلال الامن فضلاً عن التخلف و الدمار وقتل الابرياء.

و لعل الصعوبة التي تواجه الباحثين في هذا الموضوع هو صعوبة مقابلة هؤلاء الاشخاص بسبب التحفظات الامنية التي تكون مفهومة في معظم الاوقات؛ حيث ان الصبغة السياسية هي التي تطغى على معظم هذه الحالات.

- كما قال الزعيم الهندي غاندي "فان الارهاب هو سلاح الضعفاء و ليس الاقوياء"، و اكد الزعيم الماليزي ال مهاتير محمد في خطبته المشهورة في ماليزيا "بان الارهاب هو حرب الضعفاء ضد الاقوياء، و لن تستطيع جميع اسلحة العالم ان تهزمه"، و للمفكر جلال امين راي "بان الدول القوية او الجماعات القوية هي من توظف مصطلح محاربة الارهاب لتبرر اعتدائها على دول وجماعات اضعف منها".

من هنا و على الرغم من ان الطروحات السياسية و الاجتماعية مختلفة، و لكن الاجماع موجود على ان السلوك الاجرامي والإرهابي هو سلوك لا بد من دراسته من كل الزوايا ضمن استراتيجيات واضحة تتسم بالعملية وليس فقط النظرية.

لقد تبنت الدول الاعضاء في الامم المتحدة استراتيجيات واضحة لمكافحة هذه الظاهرة، و في اجتماع الدول الاعضاء في 8 أيلول/سبتمبر 2006 تم اطلاق استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب -و هي على شكل قرار و خطة عمل مرفقة به ـ و هو صك عالمي فريد سيحسن الجهود الوطنية والإقليمية والدولية الرامية إلى مكافحة الإرهاب. و هذه هي المرة الأولى التي اتفقت فيها الدول الأعضاء جميعها على نهج استراتيجي موحد لمكافحة الإرهاب.

يعتبر المدخل للقراءة النفسيه للسلوك الاجرامي و المدخل لتحليل ظاهره الارهاب، هو في تحليل السلوك الخاص بالأفراد والجماعات التي تتبنى الارهاب منهجا وأسلوب حياة؛ و لان السلوك الانساني هو المدخل المهم لقرائة الشخصيات؛ فلا بد من القاء النظر على مفهوم الشخصية ذات السلوك والدوافع الاجرامية.

- هنا اختلف الباحثون النفسيون علي مصطلح الشخصية الارهابية من حيث: هل ان التسمية صحيحة ومنصفة ام ان الشخصية الارهابية هي مصطلح اعلامي لا وجود له؟!، انا شخصيا اتفق مع من هم ضد تسمية الشخصية ذات الدوافع والميول الاجرامية بالشخصية الارهابية؛ فالارهاب جريمة و لان اسباب و دوافع الجريمة متعددة و مصادرها متنوعة، فالشخصية ذات الدوافع و السلوك الاجرامي هو المصطلح الاكثر تناسبا مع هذه المعطيات.

نفسياً تعرف الشخصية على انها مجموعة من العوامل المتشابكة التى تشمل الجوانب الوراثية والاجتماعية والاقتصادية و القدرات العقلية و الخبرات المكتسبة و الحالة المزاجية و الانفعالية فضلاً عن العوامل البيئية والثقافية الاخرى. و من خلال التعريف تظهر بشكل جلي القواعد و الاصول الواضحة للاجرام المتمثل بالسلوك الارهابي.

- و لكي نركز اكثر على الجزء النفسي لهذه الظاهرة؛ فلا بد من العودة لنظر و تحليل المدارس النفسية المختلفة للسلوك الاجرامي.

1. النظرية المعرفية (cognitive theory):

- و تؤكد ان الطريقة التي يفكر بها المجرم غير منطقية و تنعكس على سلوكه من خلال قتل الابرياء أو تفجير نفسه، و يكون تفكيره بعيد عن المنطق العقلاني و يعمل بالصورة اللامنطقية الموجودة في ذهنه والمتمثلة في ان هذا السلوك غير المبرر الارهابي الاجرامي هو وسيلة لتحقيق الامان الذاتي.

2. النظرية السلوكية (behavioural theory):

- ترى هذه النظرية ان السلوك الارهابي هو سلوك يتعلمه الفرد من محيطه الذي يعيش فيه، و للتقليد دور بارز في تعلم السلوك العدواني و يكون ذلك من خلال ما يلاحظه الفرد فى محيط الاسرة أو ما يشاهده في وسائل الاعلام المختلفة.

3. نظرية ضبط السلوك (self control theory):

- وتؤكد هذه النظرية أن الارهاب والعنف والجريمة ترجع الى عدم القدرة على ضبط السلوك و الذي يكون غالبا نتيجة التربية الاسرية والاجتماعية و فقدان القدرة على التحكم الايجابي في السلوك نتيجة غياب القوى الاجتماعية والتربوية التي تسهم في تدريب الفرد على الالتزام بالمعايير الاجتماعية وتقدير الابعاد الاجتماعية والاخلاقية لسلوكه.

4. النظرية البيولوجية (biological theory):

- السلوك العدواني ناتج عن زيادة عدد الكروموسومات الذكرية ،أذ يكون عددها (xyy) بدلاً من (xy)، و هذا التغيير يكون على الذكور حصرا وهنا يكون الانسان مبرمجا على السلوك العدواني و لكن لابد من التكامل حتى مع النظريات السابقة من حيث ان السلوك الاجرامي الارهابي هو كل كامل من مجموع البيولوجية و السلوك و البيئة.

5.النظرية الاجتماعية (social theory):

- ان النظرة الاجتماعية لظاهرة السلوك الاجرامي الارهابي تحتم علينا ان ندرك ما هي العوامل الاجتماعية التي تنتج لنا هذا السلوك؛ فالانحراف عن القيم الاجتماعية هو سلوك مكتسب، و أن الطابع الاجرامي لمجموعة الافراد المنحرفين يساهم في أتساع دائرة الانحراف والاجرام عن طريق استقطاب أفراد جدد، أي ان الشخصية تكون مرتبطة بالبيئة التي يعيشها الفرد.

- و يدخل تحت السياق الاجتماعي مفهوم الظلم الاجتماعي و عدم العدالة في توزيع الادوار و عدم تكافؤ الفرص؛ فالانسان المظلوم الذي يمارس عليه ظلم المجتمع و الذي لا يرى وجود طرق عقلانية دبلوماسية في التعبير عن حقه في الحياة يمكن ان يلجا تحت تاثير هذه الضغوط الى بعض الطرق غير المقبولة اجتماعياً كان ينتمي الي جماعات متطرفة او يتبنى الفكر التطرفي الارهابي.

اقرأ أيضاً:

العنف اللفظي الموجه للطفل سلوك يجهل الأبوين خطره

الجوانب النفسية والسلوكية في الرعاية التلطيفية

نساء مكلومات: مشاكل عائلية تؤدي إلى اضطرابات نفسية

ولا شيء غير الحب