- في الحروب والتعامل مع ضحاياها يصبح كل التركيز في أثار الحرب على الضحية، وتُحذف المعاناة السابقة لذلك، فهناك من لديهم إعاقة عقلية سابقة للحرب، أو يعاني من انفصام الشخصية أو اضطراب المزاج والقلق، وهذا لوحده يصل إلى ربع البشر، واذا أضيف عليهم من تعرضوا للصدمة في الحرب ومن خسر أفراد من أسرته، ومن خسر بيته وأمانه، ومن ضاع مستقبله، ومن رأى أهوال الحرب، وقد يصلوا إلى نصف المعرضين للحرب، وليس غريب إذن أن نرى موقف مركب من إنسان يعاني من انفصام الشخصية انقطع عن علاجه وانتكس وضعه النفسي، وتهدم بيته واستشهد بعض من أفراد أسرته.
- التعامل مع هذه الحالات لا يكون ببساطة من متطوع أو قريب، هذه الحالات تتطلب تدخل من الفريق النفسي الخبير، وقد يكون هناك دور مساعد للمتطوعين وغير الخبراء بعد أن تستقر الحالة النفسية.
- في بعض الضحايا يتم التقييم على أساس حجم الكوارث والصدمات النفسية التي تعرضت لها الضحية، وليس على أساس الشكوى والأعراض وهذا خطأ كبير، فهناك من تعرض لصدمة بسيطة ولكن لديه معاناة كبيرة، وآخرون تعرضوا لآشد الصدمات ولكن ليس لديهم شكوى أو أعراض، وبالتالي لابد من الإنتباه أن هناك استعداد لدى الأفراد للإضطرابات النفسية سابقه للحرب أو عدم وجود هذا الإستعداد. ولابد من الإنتباه إلى أن وجود أمراض عضوية سابقة للحرب أو بعد الحرب، كأمراض القلب والسكري تتفاعل مع المشاكل النفسية والإجتماعية وتجعل من التقييم والعلاج تحدي أكبر، فالمعروف أن مشاكل كالسكري وأمراض الضغط تكون قد إضطربت بسبب الحرب، وبترك العلاج، وقد تتطلب جهد كبير في إعادة ضبطها. من المؤسف أن معظم المستشفيات الميدانية والوفود الطبية تكون من الجراحين ونادراً ما يكون هناك طواقم نفسية، وهذا يؤخر التعامل مع المشاكل النفسية لأوقات لاحقة.
- في العصر الحديث أصبحت الحروب لا تؤثر فقط على الناس المتواجدين في مناطق النزاع المسلح، بل تمتد إلى دول ومناطق أخرى، بفعل وسائل الإتصال الحديثة والقدرة على بث المعارك وكأن المشاهد التي يراها يعيشها لحظة بلحظة، وخصوصاً من لا يتوقف عن متابعة الأخبار عبر شاشات التلفاز وعبر وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة، فهناك من يتأثر بفعل المشاهد الصادمة والمؤلمة، ويصاب بالقلق والغضب والرفض والإحباط لأنه لا يستطيع المساعدة، ولابد من القول أن المبالغة في بث صور الجثث والضحايا والجروح ليس له داعي، وحتى على صعيد الحرب النفسية يفضل أن يبث صور الأحياء من أطفال وأسر تضررت وليس صور أشلاء البشر والجروح والنزيف، وكما أن المشاهدة المستمرة لا تخدم المشاهد ولا الضحية، وبالتالي لابد أن يتم تحديد المشاهدة بنشرات أخبار قصيرة وبمعدل لا يتجاوز 3 مرات يومياً، وعبر وسائل التواصل الإجتماعي لابد أن يكون هناك وقت معين في اليوم لمشاهدة الصور والتعليقات والأخبار، وحتى عبر تطبيقات الهواتف الذكية مثل واتس أب.
- الهواتف الذكية في كل يد والتصوير لكل فاجعة، والسؤال الهام هل وافق هذا الرجل أو المرأة أو ولي أمر الطفل على أن يتم تصويره ونشر صورته في كل مكان، هل يجوز استعمال صور الأطفال من الضحايا في فواصل المحطات الفضائية، وعلى صفحات الفيسبوك، أنا على يقين أنه لم يسأل الناس عن الإذن بالتصوير ولو تم ذلك لامتنع الكثير منهم، وبالتالي يجب عدم انتهاك حق الضحية في الخصوصية والكرامة وعدم التصوير.هل ذكر أسماء الشهداء وعائلاتهم مناسب ومفيد، وهل أخذ أحد رأيهم في مثل هذا التصرف، وما الهدف من معرفة الأسم الكامل للضحية، وقد يكون له أقارب وأخوان لا يعلموا عن إصابته ووفاته ويفاجأوا بالخبر يوزع في كل مكان. لا بُد أن يكون هناك أخلاقيات في تداول قصص الضحايا وأحداث الحروب، ولابد أن نتذكر الخصوصية والكرامة كحق من حقوق الإنسان، ولابد أن نأخذ بالاعتبار الكثير من الأبعاد الإنسانية التي ننساها وعن حسن نيته في معظم الأوقات.