(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، عظمة الصانع، وروعة المصنوع، تظهر كشمس الصباح، كلما تفّكرنا في قطعة اللحم التي تنظف خلايانا كل دقيقة، من فضلات إخراجية ومواد سامة. ومن هذه الفضلات القاتلة، البول، والذي لو اعترى الجهاز البولي أي عُطل، فأبقى على البول داخل الجسم، لتسمّمت الخلايا، والذي إن أفرط في نشاطه، فأخرج الكثير من سوائل الجسم، جفت الخلايا.هذه الدقة المتناهية، والحساسية العالية، تكمُن في الآية العظيمة في أن كل شيء بمقدار، لا يزيد ولا يقل عنه.
وفي هذا المقال سنلقي الضوء، على مقدارٍ من المقادير، التي سنرى آثارها لو زادت عن معدلاتها الطبيعية، ألا وهي كثرة التبول في الشتاء.
الكليتان، عضوان أساسيان في تركيب الجهاز البولي، وهما كما حبتي فاصولياء على جانبي الجسم، تساعد الكلى الجسم في تصفية الدم من السموم والشوائب قبل ضخه ثانية إلى القلب، كما تعمل على التخلص من مخرجات الجسم الضارة على شكل البول الذي يتجمع في المثانةليشق طريقه للخارج بعد ذلك عن طريق عملية التبول.
عندما يزداد معدل التبول عن الطبيعي، فإنه يصبح مزعجاً ومثيراً للتوتر، كما أنه قد يكون علامة على مرض أو حالة ما، وهذا ما يكثر حدوثه بفصل الشتاء، حيث يُعاني كثير من الناس من كثرة التبول (التبول المُفْرط) بصفةٍ خاصة في ذلك الفصل.
عملية التبول هي إحدى العمليات الإخراجية في الجسم، والتي يتخلص فيها الشخص من البول. وبنظرة على مكونات البول، نجد أن مكوناته، الماء الزائد عن حاجة الجسم، واليوريا، وحمض البوليك، والسموم. هناك فرق كبير بين كثرة التبول، وبين التبول اللاإرادي، حيث أن كثرة التبول هي القيام بعملية التبول عدة مرات لإفراغ المثانة من البول، بينما التبول اللاإرادي (سلس البول)، وجود مشكلة في عضلة المثانة، تؤدي لفقدان التحكم في عملية التبول.
يتراوح المعدل الطبيعي لفقدان الماء، ما بين 2 ونصف لتر وثلاثة لترات، في حالة زيادة المعدل يومياً عن ذلك، تعد هذه الحالة كثرة تبول، ويتعايش الكثير من الأشخاص مع كثرة التبول، والتي غالباً تُعالج بسهولة. لكن لا يمكن إهمالها، إذ أنها تُشير أحياناً لحالات مرضية أخرى.
أسباب كثرة التبول في الشتاء
ليست هناك نظريات علمية موثقة تفسر الارتباط الشائع بين كثرة التبول وفصل الشتاء، أو تحديداً انخفاض درجات الحرارة، على الرغم من وجود نظرية لم يحدث الاتفاق الكامل عليها حتى الآن، والتي تجد العلاقة بين كثرة التبول وفصل الشتاء كالآتي:
تنخفض درجة الحرارة الخارجية حول جسم الإنسان، فيبدأ الجسم العمل على تفادي مخاطر تجمد الدم داخل العروق، نتيجة انخفاض درجة الحرارة المحيطة، ولذلك يقلل ضخ كميات الدم ناحية الجلد.
على أثر تأخر وصول الدم إلى سطح الجلد، يرتفع الضغط، كنتيجة طبيعية لتقليل مساحة السطح المتدفق فيه الدم، وهنا تبدأ الكليتان في مباشرة عملهما، بسحب السوائل حتى تقلل الضغط داخل الأوعية، وفي الغالب لا توجد درجة حرارة محددة، يُمكن تعيينها، وتُسبب كثرة التبول، كذلك من ضمن عيوب هذا التفسير، أن بعض الحالات لم تُسجل زيادة في معدلات البول في الأجواء الباردة، وأرجع الباحثون السبب في المداومة على ممارسة الرياضة بانتظام.
من الملاحظ أيضاً أن الكثير من التغيرات في جسم الإنسان، تؤثر بصورة مباشرة وغير مباشرة على عملية التبول. لكن توجد عدة أسباب من شأنها أن ترفع من مستوى نشاط الجهاز البولي.
في الحالات العادية والتي لا تُشير لوجود مرض مثل أنشطة الفرد المعتادة إذا كان من بينها تناول الكثير من المشروبات اليومية، خاصة القهوة، والمشروبات الكحولية. كذلك أثناء فترة الحمل، تُصبح كثرة التبول آثراُ جانبياً معروفاً لا يثير القلق. وفي الأطفال، يكون الأمر عادياً، والسبب وجود مثانات بولية صغيرة الحجم، فهم في حاجة لتفريغها سريعاً. لكن يوجد أسباب أخرى تُعبر عن وجود حالة معينة أو مشكلة صحية تسببت في كثرة التبول، من أهمها الآتي:
- مرض السكري.
- مشاكل الجهاز البولي في الكلىوالحالبين والمثانة.
- شعور الفرد بالتوتر والقلق.
- تناول المستحضرات الدوائية المُدّرة للبول ومنها الكلوروثيازيد (بالإنجليزية:Chlorothiazide).
- إصابات الجهاز العصبي، مثل السكتات الدماغية.
- التهابات جدار المثانة.
- تعرض الحوض للإشعاع في حالة علاج السرطان.
- الإصابة بمرض سرطان المثانة.
- وجود حصوات في الكُلى أو المثانة.
- إفراط نشاط المثانة غير الطبيعي.
- وجود أورام في منطقة الحوض.
- ضيق في الحالب.
- بعض الأمراض الجنسية مثل الكلاميديا. للمزيد: تداعيات الأمراض المنقولة عن طريق الجنس
- التبول اللاإرادي.
من المحتمل أن يكون تلف الكليتين أو إحداهما، سبباً في كثرة التبول. سواء كان سبب التلف، عدوىمنقولة عبر الدم، أو إجهاد الكليتين مع الزمن.
أعراض كثرة التبول في الشتاء
إن أهم الأعراض التي تظهر، هي زيادة الرغبة في التبول لعدد كبير من المرات، وقد تكون هذه الرغبة مرتبطة بعامل آخر، مثل زيادة الرغبة في التبول ليًلا، وهو أحد أهم أعراض مرض البول السُكّري. توجد الكثير من المضاعفات الأخرى لكثرة التبول في الشتاء، التي يجب عدم اغفالها، مثل الآتي ذكره:
- تغير لون البول إلى اللون الدموي، أو زيادة التعكر فيه.
- ملاحظة خروج إفرازات غريبة مع عملية التبول من مخرج البول.
- الإحساس بالألم أثناء عملية التبول.
- فقدان التحكم في عملية التبول مع الوقت.
- عدم القدرة على التبول بالرغم من الإحساس بالرغبة فيها.
- ارتفاع درجة الحرارة لمستوى الحمى.
- إحساس بالغثيان ورغبة في القيء.
- زيادة الإحساس بالعطش.
- وجود آلام أسفل منطقة الظهر وخلف الكليتين.
تشخيص كثرة التبول في الشتاء
يبدأ التشخيص بمعرفة التاريخ الطبي للعائلة مع كثرة التبول، كذلك معرفة الأعراض الأخرى المصاحبة لكثرة التبول، معرفة الكميات التي يتناولها المريض من القهوة، ومن المشروبات الكحولية يومياً، وتسجيل المستحضرات الدوائية التي يتناولها المريض. يعتمد تشخيص كثرة التبول على عدة اختبارات أخرى منها:
- تحليل البول لمعرفة أي تغيرات غير طبيعية في مكوناته.
- استخدامالأشعة السينية لتصوير منطقة الحوض.
- الأشعة المقطعية لتصوير منطقة البطن.
- استخدام الموجات فوق الصوتية في تصوير الكليتين.
- تحليل للكشف عن وجود بعض الأمراض المنقولة جنسياً.
- الكشف عن وجود اضطرابات عصبية.
هناك بعض الاختبارات الأخرى الخاصة بقدرة المثانة على الاحتفاظ بالبول أو تفريغه، كذلك مجرى البول والوقوف على قدرته في القيام بوظيفته. ومن هذه الطرق:
- معرفة قدرة المريض على التحكم في عملية التبول، كأن يتحكم في توقف البول أثناء اندفاعه.
- معرفة الوقت المستغرق في عملية التبول، كذلك معرفة كمية البول.
- تصوير المثانة أثناء تخزين وإفراغ البول منها.
- قياس قوة الضغط داخل المثانة.
- مراقبة عضلات المثانة والأعصاب المتصلة بها.
في الغالب يتطلب التشخيص في بعض الأحيان من المريض، التوقف عن تعاطي أدوية معينة أثناء الاختبارات، أو عدم تناول مشروبات معينة.
علاج كثرة التبول في الشتاء
يتوقف علاج كثرة التبول في الشتاء، على السبب الرئيسي للمرض، ويكون كالتالي:
- السكري: في حالة اكتشاف أن السبب في كثرة التبول، سببها مرض السكر، فإن العلاج هنا هي مراقبة مستويات السكر، والتحكم فيها للبقاء على المعدلات الطبيعية للسكر في الدم. للمزيد: اعتلال الكلى السكري
- حالات العدوى الكلوية: من الطبيعي استخدام المضادات الحيوية، كذلك استخدام مسكنات الآلام، إذا كانت عدوى بكتيرية.
- اضطراب المثانة: حالات أخرى يكون سبب كثرة التبول الزيادة المفرطة في نشاط المثانة، والعلاج يكون باستخدام مضادات الكولين، والتي تقلل من التقلصات غير العادية للعضلات اللاإرادية في جدار المثانة.
وفي كل الأحوال فإن العلاج يكون تحت إشراف ومتابعة النتائج من الأطباء المختصين، لكن يلجأ الأطباء في بعض الحالات إلى استخدام بعض التدريبات الخاصة بالمثانة، لعلاج كثرة التبول بغض النظر عن السبب الناتج عنه المرض.
تمارين كيجل
تعتبر تمارين كيجل من التمارين الشهيرة أثناء فترة الحمل، وظيفتها تقوية عضلات الحوض والحالب ولها نتائج جيدة في تقوية المثانة. وتستغرق حوالي شهرين حتى تأتي بثمارها، يستخدم تدريب المثانة مع تمارين كيجل، وهو بهدف زيادة توعية المريض لزيادة قدرته على التحكم في عضلات الحوض.
تمارين المثانة
تدريب المثانة للسيطرة على عملية التبول، بالتحكم في عملية منع خروج البول أثناء اندفاعه، أو عدم الاستجابة السريعة للرغبة في التبول والإبقاء على البول داخل المثانة لفترات أطول. ويستغرق تدريب المثانة فترة أطول تصل إلى ثلاثة شهور.
التحكم في تناول المشروبات
وذلك لأن من ضمن أسباب كثرة التبول، الإفراط في بعض المشروبات التي تحتوي على الكافيينأو الكحول.
اقرأ أيضاً: كثرة استهلاك الكافين قد تؤدي إلى إصابة الرجال بسلس البول
الوقاية من كثرة التبول في الشتاء
كما ذكرنا فإن عملية التبول تقع تحت تأثير الكثير من العوامل داخل الجسم، ولذلك فإنه من الممكن التحكم في كثرة التبول في الشتاء باتباع بعض النصائح الآتية:
- الحد من تناول المشروبات الكحولية، والقهوة.
- عدم الإفراط في الأطعمة التي تثير جدار المثانة، مثل الأكلات الحارة، والشيكولاته، والأطعمة التي بها مواد صناعية كثيرة، واللحوم الحمراء، والمخبوزات.
- تناول الأطعمة التي بها ألياف طبيعية، وذلك لمنع حدوث إمساك، وبالتالي الحد من ضغط المستقيم على المثانة ودفعها لتفريغ محتوياتها، مثل البطاطا، والموز، والقرع.
- الحفاظ على نظام غذائي متوازن، يزيد من نشاط وحيوية الجسم وتقليل عملية التبول.
- إفراغ المثانة جيداً قبل الخروج من المنزل.
- إبقاء الجسم رطباً عن طريق شرب الماء، ورغم غرابة تلك النصيحة إلا أنها هامة، كونها تمنع زيادة كثافة البول، مما قد يسبب الألم أثناء عملية التبول.