الدكتور: عماد أحمد اليمني

اختصاصي بأمراض الأطفال والرضع والخدج/ دمشق

يلاحظ استنشاق الأجسام الأجنبية في الطرق التنفسية عند الأطفال في عمر ستة أشهر الى ثلاث سنوات، وهو العمرالذي يبدأ منه الطفل بالزحف والحبو والوقوف والمشي، اضافة الى حبه للاستطلاع والعبث بالأشياء التي حوله والتقاطالأشياء ووضعها في فمه، أو أنفه، أو أي شيء أو أي جسم تستطيع يد الطفل الوصول اليه، من قطعة نقود صغيرة، أوخرزة أو قطعة خبز أو بسكويت أو جزر، وهناك بعض الحالات المذكورة التي يمكن فيها استخراج قطعة من الخبز أو منالنقود أو ما أشبه ذلك.

ومعظم الأجسام الأجنبية المستنشقة الى الطرق الهوائية، سرعان ما تنطرح تحت تأثير منعكس السعال القوي، الذي تثيره، لكنها قدتكون كبيرة، في بعض الأحيان، وتنحبس في منطقة حرجة وبالتالي يعجز منعكس السعال عن طرحها، فتسبب الأعراض الرئوية التي قديسبب الجسم الغريب، أحياناً، انسداداً تاماً في الطرق الهوائية العلوية، ويهدد حياة الطفل خلال لحظات. ويمكن للأعراض أن تظهر فورحدوث الاستنشاق، وفي بعض الأحيان يمر الطفل بمرحلة هادئة.

إن الأعراض البدئية للاستنشاق قد لا ينتبه لها الأهل على الاطلاق، وقد تستمر هذه المرحلة عدة ساعات، أو أيام أو حتى أسابيع، ثمتظهر الأعراض التنفسية بعد ذلك.

إن الشك بحدوث الاستنشاق لدى أي طفل يبدأ بأعراض تنفسية غير معللة، كالبدء المفاجىء بالسعال لدى أي طفل كان يتناول وجبتهأو يعبث بأشياء حوله.

سريرياً يتظاهر الجسم الغريب في الحنجرة بما يلي:

الخشونة في الصوت، وبسعال يشبه الذبحة "الكروب" وغياب الصوت أحياناً. وقد تخرج بعض الخيوط الدموية مع السعال، وهذا ما ندعوه"نفث الدم" يضاف الى ما سبق وجود عسرة تنفسية وزرقة، وخرير في الصدر، بعض الأحيان، وإذا أضيف الى الجسم الأجنبي الوذمةالتي يحدثها، بعد أن تفاقمت حالة الطفل وأصبح قاب قوسين أو أدنى.

الاسعاف والمعالجة

أما طريقة الاسعاف والمعالجة فتتم على الشكل التالي:

  • إذا كان المريض قادراً على التصويت، فهذا يعني أن الهواء يخرج من حنجرته، وبالتالي فإن الانسداد يكون جزئياً، وهنا يحذر منالقيام بمناورة، وهي الصفع على الظهر لأنها تسبب زيادة تثبيت واحتباس الجسم الأجنبي، وتحويل الانسداد الجزئي الىانسداد تام، مما يشكل خطراً على الطفل. أما المعالجة النوعية، فهي ارسال المريض بالسرعة القصوى الى غرفة العمليات،وعدم اضاعة أي دقيقة، حيث يكون طبيب الأنف والأذن والحنجرة جاهزاً لاستئصال الجسم الأجنبي.
  • إذا كان المريض غير قادر على الكلام فهذا يعني أن الانسداد تام، وهنا تطبق المناورة السابقة، وهي الصفع الظهري على أنيكون رأس الطفل الى الأسفل، ويجب القيام بهذه المناورة بحذر شديد عند الأطفال الصغار خشية حدوث تمزق في الكبد. أماتنظير الحنجرة الاسعافي وخزع الرغامي، فهي اجراءان لا ضرورة لهما الا إذا فشلت المناورة السابقة.

أما المراحل العملية لهذه المناورة فهي على الشكل التالي:

  • يمسك الطفل بحيث يكون رأسه أخفض من جذعه ثم يضرب اربع ضربات متتالية على الظهر، بحيث يكون أسفل اليدين اللوحين.وتهدف هذه الطريقة الى خلخلة الجسم الغريب.
  • يقلب الطفل ويضغط اربع ضغطات قوية على منتصف القص تماماً، كما يجري في تمسيد القلب الخارجي. كما يضغط ضغطاً أخففي منطقة القص، إذا كان الطفل أكبر سناً. وغاية هذا الاجراء زيادة الضغط داخل الصدر، ما يؤدي الى دفع الجسم الأجنبي خارجالطرق الهوائية.
  • بعد هذا الاجراء يفتح فم الطفل ويفتش عن الجسم الأجنبي ويستخرج. وغلق الأجسام الأجنبية في الرغامي مشكلة فيالتشخيص والمعالجة، إذ لا يبدو الطفل عادة في حالة تنفسية شديدة حادة، لكن قد نجد سعالاً وزيزاً، وقد نحصل على قصبةسعال أو اختناق عند تناول الطفل لطعامه (قطعة جزر أو تفاح أو بسكويت). وبملاحظة المريض نجد حركات تنفسية شديدة غيرمجدية، مع سحب شديد بين الأضلاع. "أي غؤور المسافة بين الأضلاع الى الداخل أثناء الشهيق"، وفوق وتحت القص.

المعالجة الاسعافية:

إذا كان المريض في عسرة تنفسية شديدة، مع غياب الصوت، فالانسداد يكون تاماً والحالة تشبه انسداد الحنجرة التام. وهنا نلجأ الىمناورة الصفع على الظهر.

إذا فشلت هذه المناورة نلجأ الى اجراء التنفس من الفم للفم، وذلك لدفع الجسم الغريب الى احدى القـصبتين الرئيسيتين، بغــيــــةتأمين تهوية كافية بواسطة الرئة الثانية، التي لم تسد قصبتها الرئيسية، وذلك ريثما ينقل الطفل الى أقرب مركز طبي مجهز. ولحسنالحظ فإن معظم الأجسام الأجنبية التي يستنشقها الطفل، تكون صغيرة لدرجة يمكنها الوصول الى احدى القصبتين الرئيسيتين،وبالتالي لا تشكل تهديداً للحياة.

وعندما يتوضع الجسم الأجنبي في احدى القصبتين الرئيسيتين، فإنه يخرش مخاطتها مؤدياً الى سعال تشنجي، قد يقذف بالجسمالأجنبي خارج الطرق الهوائية، لكن في بعض الأحيان قد يؤدي الجهد الشهيتي الشديد، الذي يمارسه الطفل، الى دفع الجسم الغريببعيداً في القصبات الصغيرة، ويحدث ذلك في الفص (قسم من الرئة) العلوي الأيمن، إذا كان الطفل في وضعية الاستلقاء الظهري أثناءالشهيق. أما إذا كان واقفاً فيحدث ذلك في الفص المتوسط الأيمن والسفلي الأيمن. وكما نوهنا سابقاً فقد يمر الطفل بمرحلة هدوء، غيرأن الأعراض البدئية قد تدوم عدة أيام، ثم يبدأ السعال المزمن والانتان التنفسي السفلي بعد 2-3 أسابيع من الاستنشاق. وقد يشكوالطفل من سعال مزمن (قشع مدمي) أو طعم معدني، إذا كان الجسم الغريب من طبيعة معدنية. أما الأعراض التي يبديها الطفل فتخفتبعاً لدرجة الانسداد والوقت الذي شوهد فيه الطفل.

اذا كان الجسم غير ساد وغير مخدش فقد يسبب بعض الأعراض البسيطة، كالسعال المتكرر والوزيز أحياناً، حتى ولو بقي في الطرقالهوائية لفترة طويلة. وإذا كان ساداً سداً بسيطاً فسوف يسمح للهواء بالدخول الى الرئتين ولا يسمح له بالخروج فيسبب انتفاخاً فيالرئة.

أما إذا سد تماماً فسوف يسبب انخماجاً في الرئة، وفي معظم الأحيان يدخل الجسم الغريب الى الرئة اليمنى، مؤدياً الى نوبة اختناقوسعال متكرر شديد، يدفع الأهل الى مراجعة الطبيب. وإذا مرت هذه المرحلة من دون انتباه، فقد تتلوها فترة من هدوء الأعراض تقطعهابين الفينة والأخرى نوب من السعال والوزيز، وبعد ذلك يصاب الطفل بهجمات متكررة من التهاب الرئة او الربو المعند. وقد نجد نقط دم فيبعض الأحيان.

المعالجة:

هناك اختلاف في الرأي حول خطة معالجة الجسم الأجنبي الساد لقصبة فص، أو لقصبة قطعة من فص. فالبعض يفضل اجراء التنظيرالقصبي في البداية، فإذا فشل يلجأ الى قرع الصدر والتفجير بالوضعية (القرع على مناطق محددة من الصدر والظهر بواسطة اليدوبوضعيات مختلفة حسب مكان الجسم الغريب). والبعض الآخر يقترح اجراء قرع للصدر مع تفجير بالوضعية لمدة 24 ساعة، قبل اجراءالتنظير القصبي. ويوصي البعض الثالث باجراء التفجير بالوضعية مع الموسعات القصبية 2-4 مرات يومياً لمدة 5-7 أيام، فإذا لم يلاحظ أيتغير بعد هذا الاجراء يمكن عندئذ اجراء التنظير القصبي .. وهكذا نلاحظ أن التنظير القصبي هو الاجراء الأول في معالجة استنشاقالأجسام الأجنبية إذا كانت تحت مستوى تقرع الرغامي. أما إذا كانت في الأقسام البعيدة من الرئة فيمكن عندئذ تجريب قرع الصدروالتفجير بالوضعية.