حذر باحثون بريطانيون من أن العديد من أدوية الطب التجانسي أو الهوميوباثي (وهو نظام علاجي وشكل من أشكال الطب البديل) المصنوعة من السموم المعروفة يمكن أن تشكل خطراً جسيماً على صحة الإنسان، وتتسبب بضرر دائم.
ووجهت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، انتقادات لاذعة جديدة للعلاجات العشبية التي تعد حالياً قطاعاً مزدهراً تبلغ قيمته مليارات الدولارات، ورفعت من حدة لهجتها في لوائحها التوجيهية المحدثة، محذرةً المستهلكين من مخاطر الخلطات الدوائية غير المثبتة، والتي تدّعي بأنها تعالج مجموعة من الأمراض.
وقالت الإدارة إن هذه الأدوية مصنوعة من مجموعة واسعة من المواد، بما في ذلك المكونات المشتقة من النباتات، أو الحيوانات الموبوءة، أو مصادر بشرية، أو المعادن، أو المواد الكيميائية، بما في ذلك السموم المعروفة.
وأضافت أن هذه المنتجات لديها القدرة على التسبب بضرر كبير وحتى دائم في حال كانت رديئة الصنع، أو في حال تم تسويقها على أنها علاجات بديلة للحالات المرضية الخطيرة أو تلك التي تهدد الحياة.
ووفقاً لبعض التقديرات، يستخدم ثلث البالغين في الولايات المتحدة، و10% من البريطانيين، علاجات لم تثبت فاعليتها الطبية، والتي تزعم بعضها بأنها تعالج التوحد.
ما هو الطب التجانسي؟
الطب التجانسي (Homeopathy) هو شكل من أشكال الطب البديل يعود لنحو 220 عاماً، يتم فيه استخدام مواد مخففة للغاية، مثل النباتات أو الأنسجة الحيوانية، والتي يزعم المعالجون من خلالها أنها تحفّز الجسم على الشفاء من تلقاء نفسه.
وغالباً ما يتم تسويق هذه المنتجات على أنها علاجات سحرية؛ حيث إنها متاحة على نطاق واسع على الإنترنت وفي المتاجر الصحية.
وبالفعل، أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في عام 2017، مسودة لوائح توجيهية تشرح مخاطر هذه العلاجات، إلا أنه مع استمرار نمو سوق الطب التجانسي بواقع الخمس سنوياً، شعرت الجهة المنظمة بضرورة مراجعة الوثيقة التوجيهية.
وفصّلت اللائحة التوجيهية الجديدة فئات المنتجات التي يسوق لها بأنها أدوية معالجة مثلية، والتي تشكل خطراً أكبر على الصحة العامة، كما حددت المكونات والطرق المعينة للاستهلاك التي من المحتمل أن تتسبب بأضرار جسيمة.
وتشمل هذه المنتجات الأدوية التي تحتوي على مسببات الأمراض (Pathogens) أو مواد كيميائية سامة، والأدوية التي يتم حقنها، ذلك لأنها "تتجاوز الدفاعات الطبيعية للجسم".
اقرأ أيضاً: استخدامات الطب الصيني في طب الأسنان
استغلال للمرضى
وتحذر إدارة الغذاء والدواء الأمريكية أيضاً من العلاجات التي تدعي بأنها تعالج الأمراض الخطيرة أو تلك التي تهدد الحياة مثل السرطان، كما تنصح الأشخاص "الذين يمكن بالسهولة استهدافهم" مثل الأطفال والمسنين بالابتعاد عن هذه العقاقير لأن أجهزتهم المناعية قد تكون أضعف من أن تتصدى لأي مواد ضارة.
وتطلب الإدارة الآن من الجمهور تقديم آرائهم ووجهات نظرهم بالنسبة لمسودة التوجيهات الجديدة قبل وضعها بالصيغة النهائية.
وكجزء من حملتها التوعوية، أصدرت إدارة الغذاء والدواء أيضاً رسائل تحذيرية لأكثر من عشر شركات تنتج أدوية الطب التجانسي، وتشمل الشركات المستهدفة "كاديش" و"يو أس كونتيننتال ماركتينج" و"فيل أت باك" و"وي باك أت أول".
ووفقاً لإدارة الغذاء والدواء، عملت هذه الشركات معاً لإنتاج وتعبئة قطرات عين بطريقة لا تستوفي معايير التعقيم المعمول بها، ما قد يؤدي إلى التهابات خطرة في العين.
كما دعت الإدارة المستهلكين والأطباء إلى الإبلاغ عن أي آثار أو مشكلات صحية تسببها منتجات الطب التجانسي عبر برنامج مراقبة العقاقير "MedWatch".
كما أن المخاوف بشأن الطب التجانسي هي عند أعلى مستوياتها على الإطلاق في بريطانيا؛ حيث شن رئيس هيئة الخدمات الصحية الوطنية مؤخراً هجوماً صريحاً على هذا القطاع لتسويقيه شائعات كاذبة عن مضار اللقاحات وأنها قد تؤدي إلى الوفاة.
ووصف سيمون ستيفنز، بعض المعالجين بالأعشاب بأنهم "مستغلون" يخدعون الجمهور لسرقة أموالهم، كما حذر من أن بعض المعالجين يروجون لبعض اللقاحات غير الفعالة التي تعرض الأشخاص للإصابة بأمراض فتاكة مثل الحصبة.
وفي تدخل رئيسي، حث ستيفنز لجنة جودة الرعاية الطبية البريطانية (CQC) على حذف اسم جمعية الطب التجانسي من سجلها للمؤسسات المهنية، مشيراً إلى أن تضمين الجمعية في اللائحة يرسل رسالة للمرضى بأن علاجات الطب التجانسي آمنة وفعالة مثل الأدوية المختبرة سريرياً.
وأضاف: "على الرغم من أن بعض أعمال جمعية الطب التجانسي قد تبدو وكأنها تفي ببعض معايير هيئة المعايير المهنية البريطانية، فإن أساس ممارساتها المتبعة تشوبها عيوب كبيرة".
وأشار إلى أن أدوية الطب التجانسي لم يتم التحقق من فاعليتها علمياً ولا يوصى باستخدامها لعلاج الحالات المرضية.
وأوضح ستيفنز أن المعالجة بالطب التجانسي ليست بديلاً عن العلاجات الطبية المجربة والمختبرة؛ إذ إن منح المعالجة التجانسية أي نوع من المصداقية، سيؤدي إلى توجه المزيد من الناس نحو علاجات زائفة لا تفعل شيئاً في أحسن الأحوال، وفي أسوأها يمكن أن تشكل خطورة كبيرة على صحتهم.
اقرأ أيضاً: العلاج بالنباتات الطبية ومحاذيرها
أصل الطب التجانسي
صيغ مبدأ الطب التجانسي على يد الطبيب الألماني صمويل هانيمان في عام 1807، ويركز على ثلاثة مبادئ: المثل يعالج المثل والتخفيف وذاكرة الماء. كان الدكتور هانيمان يظن أن الدواء في وقته كان أكثر ضرراً من نفعه، لذلك بدأ في إجراء بعض التجارب على متطوعين ونفسه. وتضمنت إحدى التجارب تناول لحاء من شجرة الكنكينا، والتي استخدمت بعد ذلك علاجاً للملاريا. ووجد العلماء منذ ذلك الحين أن لحاء الشجرة يحتوي على الكينين، وهو دواء مضاد للملاريا.
وبعد أن تناول هانيمان جزءاً من اللحاء، عانى أعراضاً شبيهة بأعراض الملاريا، ومن هنا ولد المبدأ الأول للطب التجانسي "المثل يعالج المثل".
وظن هانيمان، أنه إذا كانت جرعة كبيرة من مادة ما تتسبب بأعراض معينة، فإنه بالإمكان استخدام جرعات صغيرة من هذه المادة لعلاج الأعراض.
ووفقاً لجمعية الطب التجانسي البريطانية، يستخدم أكثر من 200 مليون شخص من جميع أنحاء العالم أدوية الطب التجانسي لعلاج الحالات المرضية الحادة والمزمنة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن غياب الدلائل الطبية والسريرية المقنعة على نجاعة المعالجة التجانسية واستخدامها لمكونات غير فعالة، جعل بعضاً من الباحثين يعتبرونها علماً زائفاً ونوعاً من أنواع الدجل.
اقرأ أيضاً: لماذا يلجأ الناس الى العلاج الشعبي
انتقادات لشركة "أمازون"
وجهت اتهامات لشركة "أمازون" بالتصرف بشكل مسؤول لسماحها ببيع عشرات العلاجات التجانسية المشكوك بفاعليتها؛ حيث بإمكان العملاء في المملكة المتحدة والولايات المتحدة شراء حبوب عبر متجر "أمازون" الإلكتروني، يقال إنها تحتوي على لعاب كلب مصاب بداء الكلب. كما يمكنهم شراء أقراص أخرى يقال إنها تحتوي على إفرازات لمجرى إخراج مأخوذة من رجال مصابين بالسيلان.
وهاجم منتقدو المعالجة التجانسية "أمازون" لعدم اهتمامها بالتحقق من العلاجات التي تباع عبر موقعها، إلا أن "أمازون" عادت لتقول إنها أزالت عدداً من المنتجات غير المعروفة، لكنها لم توضح ماهيتها أو عددها.
ووجدت صحيفة الديلي ميل البريطانية على صفحة أمازون في المملكة المتحدة أربعة منتجات تدعي أنها علاج يدعى "Medorrhinum".
ويتم إعداد هذا العلاج من إفرازات مخففة لمجرى الإخراج عند مريض ذكر يعاني مرض السيلان، ويدعي المركز القومي للمعالجة التجانسية ومقره الولايات المتحدة أن هذا الدواء يستطيع علاج الربو، والصرع، والثآليل، وآلام الدورة الشهرية، وحتى الصدفية.
وقال أحد البائعين إن أقراصه "تم إعدادها وفقاً للوصفة الأصلية للدكتور هانيمان"، الذي يعتبر مؤسس المعالجة التجانسية.
وحذر خبراء الصحة من عدم تعاطي أي علاج أو دواء غير معروف يباع عبر الإنترنت؛ حيث من المحتمل أن يسبب أضراراً صحية جسيمة.
اقرأ أيضاً:
الغذاء والدواء السعودية تحذر من خلطات التسمين والتنحيف
إعداد: إسلام جاد الله