يعد الحج من أكبر التجمعات السنوية التي تحدث على مستوى العالم، حيث يتجمع الملايين من المسلمين من جميع أنحاء العالم سنوياً لأداء فريضة الحج في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية. وعادة ما يتعرض الحجاج الذين يؤدون فريضة الحج إلى مخاطر صحية متنوعة وكبيرة، وذلك نتيجة لضيق الوقت والمنطقة الجغرافية المحصورة لهذا الحدث، والأعداد الكبيرة من الناس.

يوجد عدد من الأمراض التي تنتشر بين الحجاج، ونظراً لاختلاف موعد موسم الحج من سنة لأخرى، فعادة ما ترتبط أمراض الحج بالموسم الذي يحدث فيه الحج، فمثلاً إن مواسم الحج التي تمت في الأعوام ما بين 2005 - 2013، كانت في فصل الخريف والشتاء، لذا فقد كانت أمراض الشتاء من أكثر الأمراض المنتشرة بين الحجاج في الوقت آنذاك .

في حين أن خلال السنوات اللاحقة، بما فيها هذا العام، أصبح موسم الحج يأتي في أشهر الصيف، وبالتالي فقد بدأت أمراض مختلفة تسود بين الحجاج.

نتناول في هذا المقال الحديث حول أكثر الأمراض المنتشرة أثناء موسم الحج والوقاية منها.

يمكن تصنيف الأمراض التي تنتشر بين الحجاج إلى فئتين رئيسيتين، ألا وهما، أمراض الحج المعدية وأمراض الحج غير المعدية، وفيما يلي توضيحاً لهذه الأمراض:

أمراض الحج المعدية

من الأمراض المعدية التي يمكن أن تنتشر بين الحجاج:

التهابات الجهاز التنفسي

تبين أن أمراض الجهاز التنفسي هي أكثر أمراض الحج شيوعاً، والتي تعد السبب الأكثر شيوعاً لقيام الحجاج بزيارة العيادات الخارجية. والتي يمكن أن تتضمن:

  • التهابات الجهاز التنفسي العلوي

تبين أن ما يقارب 85.2% من الحالات التي تم تشخيصها في عيادات الأذن، والأنف، والحنجرة كانت تتضمن الإصابة بالتهابات الجهاز التنفسي العلوي، بما في ذلك التهاب البلعوم، والتهاب اللوزتين، والتهابات المجاري التنفسية العلوية الفيروسية.

كما أن معاناة الفرد من الأمراض الأخرى يمكن أن يزيد من خطر إصابته بالتهابات الجهاز التنفسي العلوي، كما أنه يمكن أن يزيد من فترة الإصابة بالمرض واحتمالية دخول المريض إلى المستشفى للحصول على العلاج المناسب.

أما حول مسببات هذا النوع من أمراض الحج، فيمكن أن تتضمن مختلف أنواع البكتيريا والفيروسات، بما فيها:

    • فيروسات الأنفلونزا، بما فيها الإنفلونزا A، والإنفلونزا B، وإنفلونزا الخنازير.
    • الفيروس المخلوي التنفسي.
    • الفيروس الأنفي (بالإنجليزية: Rhinovirus)‏.
    • الفيروس الغدي.
    • الفيروس المعوي.
    • المكورات العقدية.
    • المكورات السحائية.
  • التهاب الرئة

أيضاً، إن من التهابات الجهاز التنفسي التي يمكن أن تعد من الأمراض المنتشرة بين الحجاج هي الإصابة بالتهاب الرئة، حيث يمكن أن يصاب أكثر من نصف عدد الحجاج سنوياً بالتهاب الرئة، وخاصة لدى الأفراد الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاماً.

أما حول المسبب الرئيسي لالتهاب الرئة عند الحجاج فقد كانت المبيضات البيضاء هي العامل الممرض الأكثر شيوعاً، ولكن من الممكن أن يحدث أيضاً بسبب الزائفة الزنجارية، أو الفيلقية المستروحة (بالإنجليزية: Legionella Pneumophila)، أو كليبسيلا الرئوية.

يعد التهاب الرئة من أمراض الحج الخطيرة نسبياً، حيث أنه يعد أحد الأسباب الرئيسية لدخول الحجاج للمستشفيات ووحدات العناية المركزة، وخاصة بين كبار السن. أيضاً كان الالتهاب الرئوي السبب الرئيسي لحدوث الإنتان الشديد والصدمة الإنتانية بين الحجاج الذين تم إدخالهم إلى وحدة العناية المركزة.

  • مرض السل

يزداد خطر الإصابة بمرض السل في مكة المكرمة بثلاثة أضعاف أثناء موسم الحج مقارنة بالمعدل الوطني في المملكة العربية السعودية، ويعود ذلك إلى كون أكثر من 50% من الحجاج يأتون من البلدان الموبوءة بالسل. أيضاً من المحتمل أن إصابة الحجاج بمرض السل أثناء أداؤهم لفريضة الحج مصدراً لحدوث الإصابات بمرض السل حول العالم وذلك عند عودة الحجاج إلى أوطانهم.

ونظراً لكون أمراض الجهاز التنفسي من أكثر أمراض الحج شيوعاً، فإنه يجب الالتزام بعدد من التدابير الوقائية من أجل الوقاية من هذه الأمراض، ومنها:

  • ممارسة التباعد الاجتماعي قدر الإمكان.
  • الحرض على نظافة اليدين.
  • تجنب ملامسة الآخرين.
  • غسل الحلق والفم بالماء المالح.
  • استخدام الكمامات طوال الوقت.
  • أخذ لقاح الأنفلونزا الموسمية.

مرض المكورات السحائية

يمكن أن يرتبط موسم الحج بانتشار مرض المكورات السحائية الغازية، وذلك لأن الازدحام الذي يحدث خلال هذا الموسم يمكن أن يعد أحد عوامل الخطر لانتقال بكتيريا النيسرية السحائية. وهذا ما حدث خلال موسم الحج 2000 و2001، حيث شهدت المملكة العربية السعودية فاشيتين كبيرتين من مرض المكورات السحائية الغازية، كما تسببتا بحدوث انتشار الإصابة بالنيسرية السحائية W-135 حول العالم.

ونظراً لأنه من المحتمل أن تتضمن أمراض الحج الإصابة بمرض المكورات السحائية، كما أن معدلات الوفيات والتكاليف الطبية المرتبطة بهذا المرض مرتفعة نسبياً، لذلك فإن هناك حاجة إلى اتخاذ عدد من التدابير الوقائية للسيطرة على انتقال هذا المرض، بما في ذلك وصف جرعة واحدة من دواء السيبروفلوكساسين (بالإنجليزية: Ciprofloxacin) مقدارها 500 ملغ وذلك لجميع الحجاج قبل عودتهم إلى أوطانهم.

التهابات الجهاز الهضمي

إن أمراض الحج يمكن أن تتضمن حدوث التهابات في الجهاز الهضمي، بما في ذلك:

  • الكوليرا وإسهال المسافر

يعد كل من الكوليرا وإسهال المسافر من الأمراض الشائعة أثناء الحج. ولكن إن عدد قليل من الدراسات ناقشت أسباب ومعدل حدوث الإصابة بالكوليرا أثناء الحج، كام أن الإصابة الأخيرة بهذا المرض تم الإبلاغ عنها في عام 1989، ومنذ ذلك الحين، لم يتم الإبلاغ عن أي تفشِ لهذا المرض بين حجاج بيت الله الحرام.

أما حول الإسهال، فقد تبين أن 9.3% من الحجاج يمكن أن يعانوا من أعراض الإسهال خلال فترة الحج. كما أفادت دراسة أجريت على الحجاج الفرنسيين أن 4.5% فقط يعانون من الإسهال، كما أن 2.4% من الحجاج يمكن أن يعانوا من القيء.

وحول الأسباب المحتملة لهذا المرض من أمراض الحج، فقد قام عدد من الباحثين بتقييم المخاطر المحتملةلإصابة الحجاج الفرنسيين بالأمراض المرتبطة بتناول حليب الإبل الخام، بما فيها الإسهال. فقد تبين أن فقط 8.2% من الحجاج قاموا بشرب حليب الإبل من قبل، كما أن 13.9% من هؤلاء الحجاج يعرفون أن شرب لبن الإبل النيئ يمكن أن يسبب الأمراض، وعلى الرغم من ذلك فإن 40.6% من الحجاج يقومون بشرب هذا الحليب إذا تم إعطاؤه لهم أثناء الحج.

لذا توصي هذه الدراسة الحجاج بالحذر من تناول مشتقات الألبان غير المبسترة، كونها يمكن أن تكون سبباً للإصابة بالإسهال أثناء الحج.

  • التهابات المعدة والأمعاء (التسمم الغذائي)

يعتبر التسمم الغذائي مشكلة صحية مهمة للغاية في المملكة العربية السعودية ، خاصة خلال موسم الحج. وعادة ما تحدث حالات التسمم الغذائي نتيجة لأحد المسببات التالية:

    • السالمونيلا.
    • الإشريكية القولونية.
    • الفيروسات الشبيهة بنورووك.

وتعد كل من اللحوم والدجاج المصادر الرئيسية لحدوث هذا النوع من أمراض الحج.

أمراض معدية أخرى

من أمراض الحج المعدية الأخرى:

  • الحمى المالطية.
  • التهاب الكبد A، أو B، أو C، أو E.
  • حمى الإيبولا النزفية.
  • الحمى الصفراء.
  • شلل الأطفال.
  • فيروس كورونا.

أمراض الحج غير المعدية

من الأمراض التي تنتشر بين الحجاج والتي تعد غير معدية:

الأمراض المزمنة الموجودة مسبقاً

إن الحجاج الذين يعانون مسبقاً من أحد الأمراض المزمنة يمكن يكون لديهم خطر إضافي للتعرض لعدد من المشكلات الصحية، ومن بين هذه الأمراض هي أمراض القلب والأوعية الدموية، حيث يمكن أن يتعرض الحجاج المصابون بهذه الأمراض لخطر الإجهاد البدني الذي يؤدي إلى حدوث لديهم نقص في تروية الدم.

كما تعد أمراض القلب والأوعية الدموية السبب الأكثر شيوعاً للوفاة أثناء الحج، والسبب الثاني الأكثر شيوعاً لدخول الحجاج إلى المستشفى. ويمكن أن يعود السببب في ذلك إلى ارتفاع عدد كبار السن المصابين بأمراض مزمنة بين الحجاج.

ومن الأمراض المزمنة الأخرى التي يمكن أن يعاني منها الحجاج مسبقاً، هي أمراض الكلى، وأمراض الكبد، والسكري، والصرع، والتهاب المفاصل.

الإصابات

إن من المشكلات وأمراض الحج الشائعة هي حدوث الإصابات والصدمات، ومنها السقوط، والانزلاق، والتدافع، وحوادث السير، ويعود السبب في ذلك إلى الحركة الجماعية في وقت قصير وفي منطقة صغيرة للملايين من الحجاج. وعادة ما تحدث معظم الصدمات والإصابات أثناء طقوس الطواف، والسعي، ورمي الجمارات.

وقد تشمل هذه الإصابات حدوث الكدمات، أو الكسور، أو التواءات.

يمكن اعتبار الحرائق سبباً لحدوث الإصابات. ومع ذلك، فإنه لا يسمح للحجاج بطهي الطعام في منى، كما أن التدخين ممنوع أثناء الحج وفقاً للتعاليم الإسلامية، الأمر الذي يمكن أن يقلل من حدوث الحرائق والإصابات الناجمة عنها.

العمليات الجراحية

يمكن إجراء العمليات الجراحية الطارئة خلال موسم الحج، ففي دراسة أجريت في عامي 2003 و2004، تبين أنه تم قبول 177 مريض في جناح العمليات الجراحية. وقد كانت الأسباب الأكثر شيوعاً لهذه الجراحات هي التهاب الزائدة الدودية الحاد والإصابة بالقدم السكرية، وتليها الإصابات الرضية والفتق.

ضربات الشمس

من أمراض الحج الشائعة هي الإصابة بضربة الشمس، فالإجهاد الحراري هو أحد الشكاوى الرئيسية بين الحجاج. وعادة ما تحدث هذه المشكلة نتيجة ارتفاع درجات حرارة الطقس، والتعرض لأشعة الشمس، والحرارة المشتتة نتيجة كثرة الأشخاص والمركبات في مشكلة الإجهاد الحراري.

لذلك من المهم تقليل تعرض الحجاج للإجهاد الحراري، وذلك من خلال تطوير وعي الحجاج حول علامات وأعراض الإجهاد الحراري، وتجنب التعرض المفرط للشمس باستخدام المظلات والبحث عن الظل، وارتداء كريمات واقية من الشمس، وشرب السوائل الكافية.

نهاية، إن الممكلة العربية السعودية تسعى جاهدة لتوفير العديد من الخدمات الصحية، وتطبيق عدد من التدابير الوقاية من أجل تقليل معدل الإصابة بأمراج الحج المختلفة، ويجب التنويه إلى أن قائمة الأمراض التي تنتشر بين الحجاج يمكن أن تختلف من موسم لآخر، لذا يجب تحديثها باستمرار، وبالتالي تقديم الخدمات والنصائح مسبقة للحجاج حول كيفية الوقاية من أكثر أمراض الحج شيوعاً في موسم الحج بناء على ما يرد في قائمة الأمراض المنتشر بين الحجاج الخاصة بكل موسم.