قال د. مايكل ثوربي، طبيب الأعصاب، ومدير مركز اضطرابات النوم والاستيقاظ بمركز مونتفيور الطبي في برونكس: "الجميع يعاني من عدم القدرة على النوم في بعض الليالي، لكن معظم الناس لا يعانون من اضطراب الأرق. وعادة ما يحدث اضطراب الأرق عندما يحدث الاضطراب في النوم لمدة لا تقل عن شهر، على الرغم من أن وجود مشكلات في النوم لعدة أيام قد يكون كافياً لضرورة الخضوع للعلاج".
والأرق لا يعتمد على عدد الساعات التي ينام فيها الشخص. وعليه يتم تعريف الأرق بأنه كمية أو نوعية غير ملائمة من النوم تتداخل مع وظائف الإنسان الاعتيادية أثناء النهار. ولبعض الناس، فإن الأرق يعني صعوبة النوم، وللآخرين صعوبة مواصلة النوم، وأخيرا وللبعض الثالث فإنه يعني اليقظة المبكرة من النوم
وكل منا عانى من ليلة صعبة أو ليلتين، كما قد يحصل الأرق لفترة قصيرة بين مرة وأخرى لدى 30 في المائة من البالغين. أما الأرق المزمن فإنه يستمر لأكثر من ثلاثة أسابيع.
الأعراض:
ليلة قلقة، يقظة، هي العرض المعروف للأرق. ورغم كون مثل هذه الليلة تجربة بائسة، فإن أعراض النهار هي التي تثير القلق في واقع الحال. وهذه الأعراض قد تشمل الميل إلى النعاس والإجهاد، اللذين يقودان إلى وقوع الحوادث، واضطراب التركيز والانزعاج والنسيان، كما قد يحدث الاكتئاب. ورغم أن الأرق لا يقود بنفسه إلى حدوث مشكلات صحية أخرى إلا أنه قد يؤثر كثيرا على العمل وعلى السعادة الشخصية.
ما أسباب الأرق؟
الأرق ليس مرضا بل عرضا، وهو عرض شائع جدا لأنه ناجم عن عدة أسباب. وفي ما يلي بعض العوامل التي تقلل من فترة النوم، أو تؤدي إلى تقطعه، أو إلى نوعية نوم سيئة منه أو إلى نوم غير هانئ. ورغم أن الأطباء لا يعرفون أسباب الأرق الأصلية، فإنهم يعرفون كيف يمكن مساعدة المعانين منه:
- الحالة النفسية، ومن ضمنها الكآبة، القلق، التوتر، وفرط النشاط، أو كثرة الأعمال.
- اضطرابات النوم، ومنها انقطاع التنفس أثناء النوم، اضطراب حركة الأطراف الدورية، واضطراب حركة الرجل القلقة.
- الحالات المرضية، ومنها ارتجاع أحماض المعدة نحو المريء، الانسداد الرئوي المزمن و الربو، عجز القلب الاحتقاني، الهبات الساخنة، التهاب آلام المفاصل ومسببات الآلام المزمنة الأخرى، تضخم البروستاتا الحميد والأمراض البولية الأخرى، فرط نشاط الغدة الدرقية.
- الاضطرابات العصبية، ومنها مرض باركنسون، السكتة الدماغية، والعته.
- المنشطات مثل الكافيين والنيكوتين.
- الأدوية، ومنها مزيلات الاحتقان وأدوية الشعب الهوائية، بعض مضادات الاكتئاب، الستيرويدات، حاصرات بيتا، الأدوية المدرة للبول. كما أن الاستخدام غير السليم للأدوية المنومة قد يسبب عودة الأرق.
تقييم الحالات:
لا يوجد أي اختبار محدد لتشخيص الأرق. ومع ذلك ينبغي عليك أن تخضع إلى تقييمات طبية دقيقة، إذ سيقوم الطبيب بفحص الصحة البدنية لك عموما، ثم يعيد تقييم أدويتك والمكملات التي تتناولها. وإن كان هناك سبب للشك في وجود أي من أسباب الأرق المذكورة أعلاه، فقد يطلب الطبيب إجراء فحوصات مختبرية أو بأشعة إكس. وفي بعض الحالات قد يطلب منك إجراء «دراسة لحالة النوم» لديك polysomnography، أو يوجهك لمقابلة اختصاصي في النوم، خصوصا إذا حدث شك في وجود حالة انقطاع التنفس أثناء النوم.
ويمكنك مساعدة الطبيب في تقييم مشكلتك بتدوين «يومياتك» حول النوم. (قم بتدوين سجلاتك كل يوم لأسبوع قبل أن ترى الطبيب، واطلب من زوجتك أو صديقك في الغرفة تقديم الملاحظات حول نومك، مثل الشخير، أو انقطاع التنفس، أو الحركة في الفراش، وما شابه. اجلب يومياتك معك كي يراها الطبيب).
نصائح لنوم هانئ
هنا بعض النصائح البسيطة لـ «النوم النظيف» sleep hygiene قد تساعدك في الحصول على نوم هانئ في الليل:
- حافظ على مواعيد نومك واستيقاظك.
- احصل على ما يحلو لك من ضياء النهار، لكن تفادى الضوء القوي قبل موعد النوم.
- استخدم الفراش للنوم فقط، لا للقراءة أو مشاهدة التلفزيون. وإن لم تتمكن من النوم بعد 15 إلى 20 دقيقة، انهض من الفراش واذهب إلى غرفة أخرى. اقرأ هناك بهدوء تحت ضوء خافت، لكن لا تشاهد التلفزيون لأن الضوء المنبعث منه بكل طيفه، يشحذ الذهن. وعندما تشعر بالنعاس، عد مرة أخرى إلى الفراش ـ لكن لا تؤخر موعد استيقاظك المعتاد للتعويض عن فترة النوم المفقودة.
- لا تغفُ أثناء النهار، إلا إذا كان ذلك ضروريا. وإن حدث ذلك، أقصر الإغفاءة على فترة 15 إلى 20 دقيقة فقط خلال فترة أوائل ما بعد الظهر.
- مارس الكثير من التمارين الرياضية المعتدلة لفترة 35-40 دقيقة يوميا، والمشي هو اختيار ممتاز. تمرن مبكرا في النهار، ومرّن عضلاتك بهدوء أو مارس اليوغا في المساء قبل موعد النوم.
- خفف من أعمالك نهاية النهار، ورتب أعمالك لإنجاز الأصعب منها في وقت مبكر من اليوم، والأسهل منها في وقت لاحق. حدد مواعيد معينة للنوم وضع عملية روتينية لتسهيله، مثل الاستحمام في حمام دافئ، أو الاستماع إلى موسيقى هادئة قبل موعده.
- كُل بشكل مناسب، وتجنب الكافيين، خصوصا بعد العصر. وحاول تجنب كل المشروبات بعد طعام العشاء، إن كنت تنهض للتبول أثناء الليل. وإن كنت من محبي تناول شيء ما قبل النوم، حاول أن يكون خفيفا جدا.
- تأكد أن فراشك مريح وغرفة النوم هادئة ومظلمة، وجيدة التهوية ولها حرارة معتدلة، وحاول استعمال قناع، وغطاء للأذن للتخفيف من الأنوار أو الضوضاء الخارجية.
- قبل كل شيء لا تقلق بشأن النوم. فمتابعة عقارب الساعة غير مفيدة. وبدلا من ذلك تمتع بالراحة بهدوء وسلام. حاول ألا تفكر في مشكلاتك أو مخططاتك. وإن كنت مجهدا بسببها، انهض من الفراش ودوّنها على ورقة، ثم عد إلى الفراش وفكر بأمور مثيرة للسرور.
علاج الأرق
الوسائل السلوكية:
- إن لم تقدم «نصائح بسيطة.. لنوم هانئ» حلا لمشكلات النوم لديك، فإن وسائل العلاج السلوكي قد تكون مفيدة. وفي ما يلي خلاصة عن بعض الوسائل:
- تدرّب على الاسترخاء وتعلم طرق التنفس العميق، واسترخاء العضلات المتتابع، أو التأمل. إذ إن العمل على استرخاء الذهن في موعد النوم سيساعدك على الاستغراق المتدرج في النوم.
- علاج التحكم بالمحفزات. لا تذهب إلى الفراش إلا عندما تشعر بالنعاس. لا تقرأ، لا تشاهد التلفزيون، لا تأكل، لا تستمع إلى الموسيقى وأنت في الفراش. انهض في الموعد نفسه يوميا. تجنب الإغفاءات أثناء النهار.
- علاج تقييد فترة النوم. قلل من زمن وجودك في الفراش بحيث يساوي متوسط الوقت التقريبي الذي تنام فيه في الواقع في كل ليلة، وذلك بأن تدخل الفراش في وقت متأخر.. لكن، لا تخفض الفترة إلى أقل من خمس ساعات! غيّر الأمور بالذهاب إلى الفراش متأخرا بدلا من النهوض منه مبكرا. انهض في الموعد نفسه يوميا. حافظ على موعد النوم الجديد كل يوم خلال أسبوع كامل، ثم وبعد ذلك، قدم الموعد 15 دقيقة كل أسبوع لاحق، حتى تحصل على كمية النوم التي ترضيك وتؤمن حيويتك.
- العلاج الإدراكي (المعرفي). تعلم كيف تستبدل الأفكار السيئة حول النوم (مثل: لن أحصل على نوم هانئ الليلة.. سأكون محطما غدا»، أو «سأمرض، إلا إذا نمت ثماني ساعات في الليلة»)، بأفكار إيجابية (مثل: «إن استرخيت بهدوء في الفراش فإن جسمي سيوفر لنفسه ما يريد»).
السمنة والصحة والنوم:
قد يساورك اعتقاد بأن الأشخاص الذين ينامون ساعات أقل، يقومون بتمارين رياضية أكثر، وهذا ما يحميهم من السمنة. ولكن وفي الواقع، فإنه تم رصد علاقة بين فترة النوم القليلة وازدياد خطر البدانة والسمنة.
ولكن، لماذا؟ إن التأثير المباشر محتمل هنا، ما دام الحرمان من النوم يقود إلى خفض مستويات الـ«لبتين» وهو الهرمون الذي يشجع على الشعور بالشبع، ويقود إلى زيادة مستويات الـ«غريلين» الهرمون الذي يحفز على الشهية. إلا أنه توجد تفسيرات أخرى محتملة، فما دامت التمارين الرياضية تشجع على النوم، فإن الأشخاص الذين لا يمارسون إلا القليل منها، يحرقون سعرات حرارية أقل، وينامون لفترات أقل. كما أن الكآبة قد تؤدي إلى اضطراب النوم وازدياد الشهية. وبمقدور السمنة أيضا المساهمة في حدوث حالة انقطاع التنفس أثناء النوم وإلى اضطراب النوم. ومن الواضح أن هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث للكشف عن العلاقة بين وزن الجسم والنوم.
إن الحرمان من النوم قد ارتبط أيضا مع حالات ارتفاع ضغط الدم ، والإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، والنوبة القلبية، والسكتة الدماغية. وكما هو الأمر في حالة السمنة فإن هذه الصلة قد تكون مباشرة أو غير مباشرة، عابرة أو دائمة. وفي الواقع فإن السمنة تزيد من حدوث كل هذه الحالات المرضية.
علاج الأرق بالمكملات:
يوجد عدد من المكملات الغذائية التي يجري الترويج لها على نطاق واسع، لتحسين النوم. إلا أن أيا منها لا يخضع لضوابط وكالة الغذاء والدواء الأميركية الخاصة بالنقاوة أو السلامة، أو الفاعلية
وأكثر هذه المكملات شهرة، هما الـ«ميلاتونين» melatonin والـ«فاليريان» valerian. والميلاتونين هو هرمون تفرزه الغدة الصنوبرية في الدماغ. وقد يقدم تناوله بجرعات صغيرة الفائدة للمعانين من الأرق المؤقت الناجم عن اضطرابات النوم بعد رحلات الطيران البعيدة. أما الفاليريان فهو عشب، توجد دلائل قليلة على فائدته
علاج الأرق بالأدوية:
تتوفر الحبوب المنومة التي يمكن شراؤها مباشرة أو بوصفة طبية. وسواء كنت من المتعالجين شخصيا أو بإشراف الطبيب، عليك اتباع هذه الإرشادات الأساسية:
- استخدم الأدوية بوصفها وسيلة دعم للتغييرات في سلوكك.
- احصل على أصغر جرعة فعالة منها.
- لا تتناول حبة كل ليلة. وبدلا من ذلك تناول الدواء فقط عندما يكون النوم المتواصل في تلك الليلة مهما جدا لك. وحتى في هذه الحالة، لا تتناول أكثر من 2 - 4 حبات في الأسبوع.
- حاول التوقف عن تناول الحبوب بعد 3-4 أسابيع.
- أوقف تناول الحبوب تدريجيا لتجنب عودة الأرق.
أدوية من دون وصفة طبية:
توجد ماركات عديدة منها مثل Diphenhydramine وdoxylamine ولا يشجع غالبية خبراء النوم على تناول هذه الحبوب خصوصا لفترات طويلة. وتشمل أعراضها الجانبية الوهن أثناء النهار، جفاف الفم، الإمساك، وصعوبة التبول.
أدوية موصوفة طبيا:
الطبيب هو الذي يقرر مدى حاجتك إلى الأدوية المنومة، واستخدامها وأعراضها الجانبية ومحاذيرها.
إغفاءة النهار.. بين الضرورة والاختيار
المرضى أو المسنون يحتاجون إلى إغفاءة أثناء النهار، وكذلك الأشخاص الذين يعانون من الحرمان من النوم. وهذا هو السبب الذي ترتبط فيه الإغفاءة، مع ضعف الصحة.
إلا أن الإغفاءة الاختيارية أمر آخر. وفي الواقع فإن الدراسات التي أجريت على العمال المناوبين، وأطقم الطائرات، وآخرين من الناس أظهرت أن "الإغفاءة القوية" التي تقتصر على فترة 20 دقيقة بمقدورها أن تزيد حدة الانتباه، وترفع الأداء الحركي العقلي، وتحسن المزاج. وأظهرت دراسة يونانية أجريت عام 2007 وجود صلة بين القيلولة الاختيارية وبين الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية، خصوصا لدى العمال من الرجال.