يشير ارتفاع درجات الحرارة إلى وجود مشكلة مرضية يحاول الجسم التخلص منها عن طريق تحفيز جهاز المناعة، أو ربما تحدث الحمى نتيجة بعض المسببات كالعدوى الفيروسية والالتهابات البكتيرية، وتحتاج إلى علاج ووقاية، خصوصاً أنها تتسبب بمضاعفات خطرة.
وفي حالات بسيطة يمكن السيطرة على الحرارة عن طريق الإسعافات الأولية في المنزل، ووضع الملابس الخفيفة وشرب السوائل. أما الأنواع الحادة أو المزمنة من الحمى، فتحتاج للرجوع إلى الطبيب المختص لتوفير العلاج المناسب.
يقول الدكتور فضل الخليلي، استشاري الرعاية الأولية إن الحمى هي إصابة الإنسان بارتفاع درجة حرارة الجسم فوق المعدل الطبيعي، وتختلف درجاتها من شخص لآخر وعلى مدار اليوم. وباستثناء الظروف البيئية القاسية المناخ، فإن الجسم قادر على الحفاظ على درجة حرارة ثابتة، ويتم التحكم في هذه العملية من قبل مركز التنظيم الحراري في مركز الدماغ، ويسمى (المهاد).
ويتم قياس درجة الحرارة باستخدام المقياس المخصص في أماكن مختلفة، لكنها تكون في العادة عند أو بالقرب من سطح الجسم، بما في ذلك غشاء طبلة الأذن، والشريان الصدغي، وتحت الإبط، وتجويف الفم.
ويبلغ متوسط درجة الحرارة عن طريق الفم نحو 37 درجة مئوية، وعادة ما يكون المعدل الطبيعي أقل عند الساعة السادسة صباحاً، وربما ترتفع إلى مستوى أعلى في وقت متأخر بعد الظهر، وفي المساء من الرابعة وحتى السادسة مساء، وتكون درجة حرارة غشاء الطبلة قريبة من درجة الحرارة الأساسية.
أسباب المرض
يوضح د. الخليلي، أن شعور الشخص بالحمى، يحدث عندما يتحول إعداد الحرارة في منطقة ما تحت المهاد إلى الأعلى؛ حيث ترتفع من 37 إلى 39 درجة مئوية، ويؤدي ذلك بدوره إلى تنشيط مجموعة من آليات الحفاظ على الحرارة، مثل الإحساس بالبرد في القدمين واليدين، وفي بعض الحالات يصاحبه الشعور بالارتعاش، وتعتبر من الأعراض المشتركة المصاحبة لمعظم الأمراض المعدية، لكنها يمكن أن ترتبط أيضاً بالظروف الأخرى، بما في ذلك المشكلات التي تسبب الالتهابات، مثل آفات المناعة الذاتية، وردود الفعل المناعية للأدوية واللقاحات، إلى جانب أنواع معينة من السرطانات. اقرأ أيضاً: حرارة الجسم من أين تأتي؟ وكيف نفهمها؟
أعراض المرض
يبين د. الخليلي أن الأعراض الشائعة التي تظهر عند الإصابة بالحمى تتمثل في الشعور بالبرد، الإصابة بالتعرق، الضعف العام، أوجاع الجسم، الصداع، وضعف الشهية والدوار، ويمكن أن تتسبب الحمى الشديدة المزمنة بحدوث ارتباك، أو خمول، أو نوبات، ومع ذلك، يمكن أن يساعد بعض العلامات الأخرى على تحديد سبب الحمى، مثل السعال، القيء، الإسهال، الألم الموضعي في البطن أو في مناطق الجسم الأخرى، وكذلك الشعور بالألم عند التبول، والتهاب المفاصل وغيرها.
ويمكن أن يؤدي بعض الظروف مثل السفر، والجراحة، وتناول بعض الأدوية واللقاحات إلى ارتفاع درجة الحرارة، ما يفرض على الطبيب تشخيصاً شاملاً للتعرف إلى أسباب الحمى بشكل محدد، ولذلك يحتاج الشخص الذي تزيد درجة حرارته على 39.5 درجة مئوية، إلى مجموعة من الإجراءات والعناية الطبية الفورية، خصوصاً إذا ارتبطت بعلامات وأعراض محددة، مثل الآلام الحادة، والصداع الشديد، وتصلب الرقبة، والألم المستمر في البطن، والدوار وفقدان الوعي.
إصابة الصغار
يذكر الدكتور عبدالمجيد تشيتيان توديل، مختص طب الأطفال وحديثي الولادة، أن الحمى هي ارتفاع غير طبيعي في درجة حرارة الجسم يحدث لأسباب كامنة؛ حيث إن المعدل الطبيعي هو 36.5 إلى 37.5 مئوية، وحين تزيد على 38 درجة مئوية، تصبح الحمى مصدراً للقلق، ويسهل قياسها عن طريق الإبطين، والأذن، والجبهة، ولكن النتيجة الأدق من الفم أو المستقيم، وينبغي أن يكون العلاج مبنياً على التشخيص ومعرفة الأسباب الكامنة وراء ارتفاع درجة الحرارة، ويعتمد العلاج على استخدام الأدوية الخافضة للحرارة وشرب كميات كافية من السوائل لضمان ترطيب جسم الطفل بشكل جيد وحصوله على الراحة المناسبة.
اقرأ أيضاً: ارتفاع حرارة أطراف الرضع
عوامل مرضية
يشير د. توديل، إلى أن أسباب الإصابة بالحمى عند الصغار تتمثل في حالات العدوى، لاسيما الفيروسية، والبكتيرية، والطفيلية، وترتبط أنواع الأمراض المعدية الشائعة بمجرى التنفس، الحلق، الأذن، الرئة، المعدة، والبول، ونادراً ما تؤثر أنواع العدوى في الدماغ، العظام، والأعضاء الأخرى في الجسم، ويمكن أن يصاب حديثو الولادة بازدياد قليل في درجة الحرارة دون التعرض للعدوى، للأسباب التالية:
- لف الصغير الذي يبلغ من العمر أقل من ثلاثة أشهر بملابس كثيرة.
- يمكن أن يتسبب بعض التطعيمات واللقاحات التي تؤمن الصغار من الأمراض، برفع درجة الحرارة نتيجة مقاومة الجسم لها.
- يؤدي الجفاف إلى زيادة طفيفة في درجة حرارة الجسم الطبيعية.
- حالات معينة تتسبب بالتهاب في الجسم مثل الأسباب الروماتودية، أو المناعية، والسرطانات، التي تؤدي أيضاً إلى ارتفاع في الحرارة لفترة مستدامة.
حمى الأطفال
تؤكد الدكتورة نسمة كاراوي، اختصاصية طب الأطفال، أن الإصابة بالحمى هي ارتفاع حرارة الجسم الشرجية أكثر من 38 درجة مئوية، وليست بالضرورة أمراً خطراً، فقد تكون وسيلة طبيعية وصحية لمكافحة الإنتانات التي تسببها العوامل المرضية التي تهاجم الجسم، ولا تستطيع التكاثر بنجاح في الوسط الحار.
ويمكن أن تصيب الحمى الأطفال دون أسباب، أو نتيجة الأمراض الالتهابية المناعية مثل مشكلات المناعة الذاتية، وكذلك الأمراض الخبيثة، أو الإعياء الحراري الذي ينجم عن التعرض للجو الحار، وخصوصاً عند القيام بتمارين فيزيائية مجهدة. وربما يسبب فقدان الوعي، إذا لم يتم تداركه فوراً بإيقاف الجهد، والانتقال إلى مكان بارد، وشرب كمية كافية من السوائل وتعويض الأملاح. وتعد الإنتانات من الأسباب الأكثر شيوعاً لارتفاع درجة الحرارة، وتكون نسبتها الفيروسية أعلى من الجرثومية، وأنواعها كالآتي:
- إنتانات الطرق التنفسية مثل الزكام والإنفلونزا، التهاب القصبات واللوزتين الحاد، الالتهاب الرئوي، والأذن الوسطى.
- إنتانات الجهاز الهضمي التي تشمل التهاب المعدة والأمعاء الحاد الذي يسبب القيء والإسهال.
- الإنتانات البولية.
اقرأ أيضاً: ضربة الشمس إحدى مشاكل الصيف الشائعة
طرق تشخيصية
تفيد د. كاراوي، أن هناك بعض العلامات التي تترافق مع الإصابة بالحمى، إضافة إلى ارتفاع درجة الحرارة مثل تسرع النبض، التعرق، القشعريرة، الصداع، الآلام العضلية، نقص الشهية، التعب والانزعاج العام، كما تجب مراجعة الطبيب عند القيء المستمر، أو عدم الاستجابة بسهولة لخافضات الحرارة، أو استمرار الحمى لأكثر من 3 -5 أيام، واضطراب الوعي، وظهور طفح جلدي سريع الانتشار، وصعوبة التنفس، وألم صدري، وآلام بطنية شديدة أو آلام عند التبول.
ويعتمد تشخيص سبب الحمى على الأعراض، والقصة المرضية، والفحص السريري، وربما يحتاج الأمر إلى إجراء بعض الاختبارات مثل مسحة البلعوم أو الأنف السريعة، وتحليل الدم أو البول، والفحوص الشعاعية.
ويبدأ اكتشاف الإصابة بالحمى عند الأطفال عن طريق شعوره بحرارة في جسده، أو ملامسة الأهل لجلده، ويتم التأكد من ارتفاعها بقياسها بميزان الحرارة. وفي الماضي كان النوع الزئبقي شائعاً لكن استخدامه لا يوصى به بسبب قابليته للكسر، مع خطر تطاير الزئبق واستنشاقه، وتتوفر حالياً وسائل حديثة ومتعددة مثل:
- الميزان الرقمي الذي يعمل بوجود حساسات حرارية. وعلى الرغم من أن قياس الحرارة الشرجية يعتبر الأكثر دقة في كل الأعمار، فإن استخدامه تحت الإبط أو عن طريق الفم الأفضل للأطفال في سن 5 - 10 سنوات، ويجب الانتظار من 15 إلى 30 دقيقة قبل القياس في حال تناول مشروبات ساخنة أو باردة.
- الموازين التي تعمل بوجود ماسح ضوئي بالأشعة تحت الحمراء مثل الأذني وقياس حرارة الشريان الصدغي مناسبة، لكنها تعتبر أقل دقة من الرقمي.
- شريط كشف الحرارة لا ينصح باستخدامه لعدم دقته.
العلاج والوقاية
تنبه د. كاراوي، إلى أن قرار تخفيض الحرارة لا يعتمد على درجة ارتفاعها فقط، ولكن يجب مراقبة سلوك ومظهر الصغير، ودرجة الانزعاج والضيق الذي يشعر به؛ حيث إن الطفل الذي يبدو نشيطاً ويتصرف بشكل طبيعي لا يحتاج إلى عقاقير.
ويتضمن العلاج استخدام الأدوية الفعالة في تخفيض الحمى بالعيار الصحيح المناسب للوزن، بحسب توصيات الطبيب، وتجنب الجرعات الناقصة أو الزائدة لإنها تقلل الألم، ولا يجب استخدام الأسبرين لاحتمال حدوث مضاعفات خطيرة.
وتضيف: "تعمل كمادات الماء الفاتر على تخفيض الحرارة عبر تبخر الماء من سطح الجلد، مع تجنب استخدام كمادات الكحول أو الماء شديد البرودة الذي يسبب القشعريرة والزرقة ثم زيادة الحمى. كما يجب وضع الطفل في جو لطيف مائل للبرودة وإلباسه طبقة واحدة من ملابس رقيقة أو تغطيته بغطاء خفيف مع شرب كمية كافية من السوائل المرطبة للوقاية من الجفاف، إضافة إلى مراقبة الحالة ومراجعة الطبيب عند تطور الأعراض".
حمى الضنك
تعد حمى الضنك من الأنواع الشديدة التي تتفاقم مضاعفاتها، وتهدد حياة الشخص المصاب، وتتسم بوجود آلام في المفاصل والعضلات، ويعد الصغار الفئة الأكثر عرضة لهذا المرض، وتبدأ المشكلة في صمت بعد التعرض للدغ الناموس المعدي لمدة تتراوح ما بين 4 إلى 7 أيام، وتظهر الأعراض شديدة ويرافقها صداع مزمن، وانخفاض ضغط الدم، وغثيان، وقيء، وطفح جلدي.
وفي الحالات الحادة تؤثر في الرئتين أو الكبد أو تتسبب بأضرار في القلب، وللعلاج يلجأ الأطباء إلى استخدام اللقاح المعتمد من منظمة الصحة العالمية، ويتم منحه للأطفال والكبار، على ثلاث جرعات خلال 12 شهراً.
اقرأ أيضاً: