تمركزت الإمبراطورية الأكدية السامية القديمة في مدينة أكاد وما حولها في بلاد ما بين النهرين، وحدت تلك الإمبراطورية جميع السومريين الناطقين باللغة الأكدية تحت حكم واحد في إمبراطورية متعددة اللغات. أسس الإمبراطوريةالملك سرجون واحتل عدة مناطق في بلاد ما بين النهرين ووسع التجارة وعزز الاقتصاد. شهدت الإمبراطوريةفترة نجاح وازدهار في الفترة ما بين 2400 إلى 2200 قبل الميلاد وخاصة تحت حكم الملك نارام سين، وانهارت بعد غزو الجوتيين، وانقسمت إلى الإمبراطورية الآشورية في الشمال، والإمبراطورية البابلية في الجنوب.
كان للآلهة المتعددة والحياة السفلية دوراً متأصلاً بكل ما يتعلق بحياة الأكديين، حتى الصحة، والعلاج، والمرض، فكل شيء مرهون بالآلهة وكل إله له اختصاص. فكان الإله غولا هو الإله الرئيسي للشفاء وعرف باسم الطبيب العظيم للرؤوس السوداء.
وصف لدور الطبيب في الحضارة الأكدية
كان الدور الرئيسي للطبيب وقتها هو شفاء الناس من الأمراض والحفاظ عليهم بصحة جيدة (مشابه لدور الأطباء حالياً). تبدأ مهام الطبيب بتشخيص المرض والذي كان دائماً ما يعتقد أن المريض قد أصيب به جراء ذنب أو فاحشة قد ارتكبها.
تتضمن خطوات العلاج طقوساً خاصة أهمها اعتراف المريض بذنبه أو جريرته حتى يتم العفو عنه وينال تمام الشفاء. ولتحقيق ذلك قد يصل بهم الأمر إلى بتر يد المريض تكفيراً عن جريمته وطلباً للعلاج، حتى أنهم قد اعتادوا دوماً الإشارة إلى المرض بكلمة اليد.
هكذا كان دائماً المرض معادلاً للخطيئة مهما كانت حالة المريض أو نوع التشخيص، فالحصول على العلاج يتطلب نوعاً من الاعتراف، ودوماً ما تتدخلإرادة الآلهة لتعديل مسار المريض ووضعه على الصراط المستقيم مستقبلاً.
للمزيد: الطب عند الكنعانيين
أنواع الأطباء في الحضارة الأكدية
ساد اعتقاد بين العلماء بأن بلاد ما بين النهرين خلت من الأطباء والطب، وهذا الادعاء غير صحيح، فبالإمكان تصنيف الأطباء إلى نوعين وهما:
- الطبيب أسو: وهو النوع الذي اعتمد أسلوب علاجه علىالتجربة والأعراض الجسدية التي يراها على المريض، وهو أقرب ما يكون إلى الممارس الطبي.
- الطبيب أسيبو: وهو النوع الذي اعتمد على السحر والتمائم وكل ما هو خارق للطبيعة في علاج المرضى.
اندرج تحت هذين النوعين أطباء الجراحة والبيطار. كما مارس النوعان طب الأسنان، وطب النساء والتوليد فكلاهما استطاع على طريقته إيصال الطفل إلى الحياة.
نظرت بلاد ما بين النهرين إلى نوعي الأطباء نظرة احترام متساوي واعتراف بالفضل. فلم يكن أحدهما أكثر شرعية من الآخر، حتى عند الفشل كانت تتردد عبارات مثل (لم يؤد الطب ولا السحر إلى علاج)، مما يدل على تعادل المعتقد بكليهما.
للمزيد: الطب السومري
هيئة الطبيب الاكدي في العمل
مارس الأطباء عملهم بالمعابد فعالجوا المرضى هناك، ولكنهم ذهبوا أيضاً للمنازل، حيث يرقد مرضاهم. خصصت بعض المدن لتدريب الأطباء مثل مدينة إسين (بالإنجليزية: Isin)، والتي كانت مركزاً لعبادة الإله غولا.
كان عدد النساء اللاتي يعملن بالطب كناسخات، أو كاتبات، أو تعويذيات قليل جداً مقارنة بالرجال، في حين لعبت النساء دوراً أكبر في مزاولة مهنة الطب قبل ظهور الحضارة الأكدية والتي تروج لكون المرأة تابعة للرجل.
حلق الأطباء شعر رؤوسهم لسهولة التعرف إليهم، واعتقد أن ذلك سبب عزوف النساء عن الطب، ولكنه سبب غير قوي، حيث حلق معظم الناس شعر رؤوسهم وارتدوا الشعر المستعار، فقد كان أمراً رائجاً ومحبباً.
العلاج والوصفات في الطب الاكدي
نصح الأطباء بالعديد من الوصفات الناجحة واستعملوا بعض الأدوات في تخصصات طبية مختلفة، جنباً إلى جنب مع إلقاء التعاويذ، نذكر بعضها تالياً:
- التطهير: تصنع المطهرات من مزيج من الكحول، والعسل، والمر.
- تضميد الجروح: يعالج الجرح عن طريق 3 خطوات هي: الغسيل الجيد، ووضع لاصقة، وربط الجرح. عرف سكان ما بين النهرين أن غسيل الجرح بالماء النظيف والتأكد من نظافة يد الطبيب تمنع العدوى وتسرع من عملية الشفاء.
- طب الأسنان: ساد اعتقاد بأن السبب وراء تسوس الأسنان هو دودة الأسنان، والتي رفضت كل أنواع الطعام فيما عدا دم الأسنان فقررت أن تعيش بين الفك. تعتمد طريقة العلاج على الكثير من التعاويذ لطلب المعونة من الآلهة يصاحبه شد السن لخلعه أو المعالجة ببعض الأعشاب.
- الجراحة: عرف سكان ما بين النهرين القليل عن الجراحة؛ لاعتبارهم التشريح وعلم وظائف الأعضاء من المحرمات الدينية، ولكنهم شرحوا الكبد والرئتين في الحيوانات السليمة لأغراض عقائدية.
- الأدوات: تشير الآثار الطبية إلى استعمال الطبيب أسو السرير والغطاء (من غير الواضح ما إذا كان السرير محمولاً مع الطبيب في تنقلاته أم أنه سرير المريض الشخصي)، فعلى الرغم من عدم معرفتهم بالجراثيم كما نعرفها اليوم، إلا أن اعتقادهم بأن السرير يرفع المريض عن النجاسة والتراب قد أصاب الحقيقة.
عالج الأطباء أيضاً اضطرابات الجهاز الهضمي، والتهاب مسالك الجهاز البولي، والتهابات الجلد، والعيون، والأمراض العقلية، وكذلك الأنف والأذن والحنجرة.
اقرأ أيضاً: تطور مفهوم الطب عبر العصور
مكافحة العدوى في الطب الاكدي
رغم كل الخرافات التي انتشرت بذلك الوقت إلا أن التفسير العقلاني قد وجد طريقه بين سكان ما بين النهرين، يستدل على ذلك من قصة المرأة التي تعمل ببلاط القصر وقد التقطت عدوى ما، فأمر الملك بحجزها بعيداً خوفاً من انتشار المرض، ورغم اعتقادهم بأن خطايا المرأة هي السبب في مرضها وأن الآلهة قد تسمح بانتشار المرض للمحيطين، إلا أنهم قد طبقوا قواعد مكافحة العدوى (بالإنجليزية: Infection Control) بصورة صحيحة تماماً.