لا شك أن البيئة المدرسية تلعب دوراً محورياً وفعالاً في تنمية الطالب الذي نريد ونسعى من النواحي الجسمية، والعقلية، والنفسية، والوجدانية، والاجتماعية؛ فلا يكاد يخفى على أحد أن الطالب الذي يتحلى ويتمتع بصحة جسدية ونفسية وعقلية جيدة هو الأفضل والقادر على مجاراة الركب والسمو نحو تحقيق المعالي في كل المسارات المُنتظرة له على اعتاب الحياة المُستقبلية التي تزخر بالكثير من التحديات والصعوبات والمعيقات والمطبات، التي تكاد تُلقي بمن هو غير لائق على قارعة الطريق.
اقرأ أيضاً: تهيئة الطفل لدخول المدرسة
عندما نتكلم عن البيئة المدرسية فإننا بالتأكيد نتحدث عن كل مكنونات ومكونات تلك البيئة ابتداءً بالبيئة الفيزيقية، مروراً بالبيئة المادية، وصولاً للبيئة الاجتماعية والتفاعلية، غير مُتناسين أهمية كل منها على انفراد، اضافة لأهميتها كلها كنسيج واحد لا يمكن اهمال أحد منها على حساب الآخر. ولكن بمفهوم ادق وأكثر تحديداً ووضوحاً، فان البيئة المادية المُتمثلة بالغرف الصفية، والغرف التخصصية، والساحات، والملاعب، والحدائق، والوحدات الصحية، والمقاصف هي جوهر البيئة المدرسية ونقطة ارتكازها.
أولت وزارة التربية والتعليم في فلسطين البيئة المدرسية جُل اهتمامها منذ نشأتها المتزامنة مع نشأة السلطة الوطنية الفلسطينية ومؤسساتها؛ فقد كانت الإدارة العامة للصحة المدرسية على رأس الادارات العامة في تلك الوزارة، والتي نمت وتطورت بنمو وتطور الوزارة تباعاً حتى أضحت ما أضحت عليه اليوم؛ فقد عُنيت هذه الادارة بمتابعة كل ما يتعلق بالبيئة المدرسية الداعمة والمُعززة للتعليم من خلال عدد من الاقسام متمثلة بالتثقيف الصحي، والخدمات الصحية، والبيئة المدرسية، والمقاصف والتغذية، اضافة الى السلامة العامة وكلٌ له دوره وأهميته في الوقوف من مسافة الصفر والنظر بعين المُتبصر والمُهتم والمُتابع لكل ما من شأنه أن يُعلي وينهض بالبيئة الصفية والبيئة المدرسية لخدمة الطلبة الذي نطمح، واضفاء اجواء الأريحية والإيجابية لهم وابعادهم عن عناصر الاعاقة والتشتت.
اقرأ أيضاً: رهاب المدرسة.. ظاهرة تقلق الأبوين
متابعة لهذا الأمر، ولأهميته ومكانته ودوره البارز في التأثير في كل ما له علاقة بصحة الطالب وفكره ونشاطاته وتحصيله وابداعه؛ كان لا بد من وضع هذا الموضوع تحت عدسة المجهر ذات قوة التكبير العالية وبصورة سنوية تراكمية وتتُّبعيه؛ ومن اجل ذلك كان هناك مؤشر سنوي ضمن نظام المتابعة والتقييم يُعنى بهذا الشأن لقياس "درجة تحقيق المدارس لمعايير البيئة الصفية المعززة للتعليم" ضمن أربعة أُطر رئيسية هي: النظافة العامة، ادارة مياه الشرب والمياه العادمة، ادارة النفايات الصلبة، بيئة المقصف، والسلامة العامة؛ إذ تم بناء اداء قياس للمؤشر بالاعتماد على المقابلات الفردية لمديري المدارس، والطلبة، ومنسقي اللجان الصحية، اضافة الى متابعة السجلات والوثائق المدرسية المتعلقة بالموضوع. وأخيراً اعتماد الملاحظة للمرافق المدرسية المتعددة وتفحص سلوكيات الطلبة. ويذكر هنا انه عند قياس هذا المؤشر وصلت النتيجة الى 68.4، وهي نتيجة معقولة وتُحاكي الواقع وتعكس الصورة الحقيقية؛ وهذا مردُّه بصورة أساسية الى نهج وسلوك الطلبة الذي ما زال بحاجة الى مزيد من الرعاية والعناية الاهتمام وتوجيهه بالاتجاه الصحيح السوي.
إن تغيير سلوكيات الطلبة يتطلب في الواقع لجهود كبيرة وحثيثة وتراكمية، ابتداءً من مرحلة الطفولة المُبكرة (ما قبل المدرسة)، مروراً بمرحلة رياض الأطفال، وصولاً الى المدرسة وما بعدها؛ فما يمارسه الطالب من ألعاب التكنولوجيا التي يغلب عليها طابع العنف تجاه كل ما هو محيط به ينعكس بالضرورة على البيئة المدرسية المُحتضنة له لينالها ما ينالها من تخريب واهدار ولا مبالاة بنزعة يملأها الكثير من العداوة والتخريب.
اقرأ أيضاً: 8 نصائح صحية في موسم العودة إلى المدرسة
وفي السياق ذاته فإن انعدام جهود التطوع في المجتمع سيسير بالضرورة بموازاته انعدام فكر التطوع في المدرسة، وهو ما يُلقي بظلاله على تلكما البيئة التي مهما تم تحديثها وتطويرها والدفع بالعديد من المِنح والمشاريع تجاهها، إلا أنها ستبقى قاصرة عن الوصول للمأمول نتيجة لهذه المنهجيات والتصرفات السلبية. من هذا المنظور، هناك حاجة لمزيد من بذل الجهود والتعاون والتضافر مع كل شرائح المجتمع ومؤسساته وطبقاته لتعزيز السلوكيات الإيجابية، ووئد السلوكيات السلبية لأبنائنا الطلبة للحفاظ عليهم وعلى صحتهم وفكرهم وبيئتهم المدرسية، إضافة الى الدفع باتجاه تطوير تلك البيئة ورعايتها والاعتناء بها ورفدها بكل المصادر والإمكانيات التي تجعلها دائماً بأبهى صورة واكثر جاذبية للطلبة والطواقم المدرسية.