مؤخراً، انتشرت مقولة تداولها الكثيرون عن قلق المسافرين من تناول المشروبات الساخنة أو المياة المقدمة خلال رحلات الطيران اعتقاداً منهم بوجود الميكروبات فيها، وذلك نتيجة سوء نقل وتخزين المياه في الطائرات وقلة الاهتمام بنظافة خزانات المياه على متنها.
أجرت وكالة حماية البيئة بالتعاون مع برنامج أخذ العينات البيئية والأساليب التحليلية (ESAM)، وبدعمٍ من قسم العلوم الكيميائية والبيئية بجامعة ليمريك في إيرلندا دراسةً كانت نتائجها مثيرة للجدل فيما يخص جودة المياه المستخدمة على متن الطائرات، وسنقوم بتوضيحها في هذا المقال.
نمو حركة الطيران الدولية
يزداد عدد المسافرين الذين يستخدمون الخطوط الجوية للطيران من عامٍ لآخر، فحسب آخر الإحصائيات، فقد ازداد عدد المسافرين من 1.087 بليون مسافر في عام 2013 إلى 4 بليون مسافر في عام 2017.
هذا الازدياد الكبير في أعداد المسافرين رافقه توسع في المطارات وزيادة أعداد الطائرات، والشركات السياحة المحلية والعالمية، والخدمات المرافقة لتسهيل التنقل ورفع مستواه.
لذلك أكدت لجنة خبراء منظمة الصحة العالمية المعنية بالنظافة والصرف الصحي في مجال الطيران أنه وفي ضوء نمو الحركة الدولية للطيران ينبغي إعطاء الاهتمام المستمر لسلامة الأغذية والمياه ومعالجة النفايات في رحلات الطيران كافة.
وشددت منظمة الصحة العالمية على ضرورة أن تتحمل كل دولة من الدول الأعضاء المسؤولية النهائية عن سلامة الأغذية والمياه والتعامل السليم مع النفايات في حركة النقل الدولي. كما أوصتهم بتنسيق وضمان المشاركة الوثيقة والفعّالة في هذه المسؤوليّة من جانب السلطات الصحيّة، وإدارة الموانئ والمطارات، ومشغلي الطائرات، وشركات الشحن، والجمعيات السياحيّة، وأيّة وكالة أخرى تهتم في مجال حركة النقل الدولية في مجال الطيران.
للمزيد: كيف تحافظ على صحتك أثناء السفر بالطائرة؟
مراقبة المشروبات والمأكولات على متن الطائرة
تقع سلامة إمدادات مياه الشرب في المطار (بما في ذلك المياه الموجودة على متن الطائرات) تحت المسؤولية التشغيلية لادارة المطار، ويخضع المطار بشكل عام للمراقبة من قبل السلطة الحكومية المسؤولة عن تنظيم أو ترخيص معايير الصحة البيئية للمرافق المفتوحة للاستخدام العام.
تتحمل شركة الطيران المسؤولية الكاملة عن إدارة المياه على متن الطائرة؛ وتعد إجراءات النقل والصيانة المناسبة لنظام المياه في الطائرة ضرورة لضمان سلامة جميع المياه الصالحة للشرب على متنها. ويعد تنظيف خزانات مياه الطائرات على فترات منتظمة جزءًا من عملية صيانة الطائرات.
تعتبر أيضا شركات الطيران مسؤولة عن الطعام الذي تقدمه على متن الطائرات، سواء تم إعداده في مطبخ الطائرة الخاص بشركة الطيران، أو تم الحصول عليه من شركة غذاء وتموين أخرى. إن الخطوات التي يتم فيها توفير الغذاء والشراب، بما في ذلك إعداد الطعام، والنقل إلى الطائرة، والتخزين، وأخيرا التقديم على الطائرة تحتاج إلى تنسيق جيد لتجنب حدوث التلوث.
للمزيد: أمراض السفر وكيفية الوقاية منها وعلاجها.
نظافة مياه الشرب على متن الطائرات
يتم الحصول على المياه على متن الطائرات من المياه السطحية أو الجوفية؛ إذ يتم توصيل المياه من مصدرها إلى نقطة تعبئة مركزية، ثم يتم توزيعها على كل طائرة بواسطة مركبات نقل المياه.
يستخدم الركاب المياه الصالحة للشرب المخزنة على متن الطائرة بطرق متعددة، يمكن استخدامها كمكوّن أساسي للمشروبات الساخنة والحساء، أو لإعداد أغذية الأطفال، أو شربها ببساطة لتناول الدواء.
بالإضافة إلى ذلك، قد يستخدم المسافر المياه في الطائرة بشكل غير مباشر عن طريق استخدام المناشف الساخنة، أو عند شطف معدات الطعام، أو غسيل اليدين، أو تنظيف الأسنان، أو تنظيف الحمامات. لذلك، تعد جودة المياه على متن الطائرة ذو أهمية بالغة للحفاظ على صحة المسافرين ومنع انتشار الأمراض.
نتائج الدراسات المتعددة حول نظافة مياه الطائرات
بدأت المخاوف بعد دراسة أمريكية أجرتها وكالة حماية البيئة (EPA) في عام 2004، تضمنت الدراسة 327 طائرة مختلفة، وكانت النتائج أن 15% منها قد احتوت على بكتيريا الكوليفورم.
تم تكرار الدراسة في عام 2012، وأظهرت أن 12% تعطي نتيجة واحدة موجبة على الأقل لوجود بكتيريا الكوليفورم في المياه الموجودة على متنها.
أعلنت بعدها وكالة حماية البيئة أن على جميع الطائرات إجراء فحص سنوي لاختبار وجود بكتيريا الكوليفورم المسببة للأمراض في مياه الطائرة، وفي حال وجود هذه البكتيريا يجب تفريغ الخزانات بالكامل، وتعقيمها، وإعادة اختبارها وفحصها.
أُعيد إجراء دراسة واسعة على المياه المستخدمة في الطائرات عام 2015، أُخذت فيها عينات من مصادر المياه الأساسية الموردة للطائرات، ومن الخزانات المحمولة على مركبات خاصة لنقل المياه، ومن الخزانات الموجودة داخل الطائرات، فتم أخذ 154 عينة للدراسة وتقييم مستوى نظافة المياه، ودرجة حموضتها، واحتوائها على الميكروبات. كما تم دراسة ومقارنة الفرق بين جودة المياه على متن رحلات الطيران الطويلة ورحلات الطيران القصيرة.
كانت نتائج الدراسة كما يلي:
- تم عزل 37 نوع من الميكروبات موجود في مياه الشرب المستخدمة على متن الطائرات، تنتمي هذه الميكروبات الى 8 عائلات ميكروبية.
- كان السبب الأساسي والمصدر الرئيسي لهذه الميكروبات هو خزانات المياه المحمولة على مركبات نقل المياه.
- تم ملاحظة أن رحلات المسافات الطويلة تكون أسوأ بكثير من حيث جودة المياه، ويكون وجود الميكروبات فيها أكبر من رحلات المسافات القصيرة.
- توضح هذه الدراسة الشاملة لمياه الطائرات الطبيعة المتنوعة للبكتيريا الموجودة فيها. ومع ذلك، لا تندرج البكتيريا المعزولة من مياه الشرب على متن الطائرات إلى فئات الكائنات الحية الدقيقة الخطرة، على سبيل المثال، مادة شيجا توكسين التي تنتج من بكتيريا E. coli، و Legionella ، وEnterococcus وغيرها. أي أن هذه البكتريا التي تم عزلها من مياه الشرب الموجودة في الطائرات لا تسبب المرض للأشخاص الأصحاء الذين يتمتعون بصحة سليمة.
- إن هذه البكتيريا المعزولة من هذه الدراسة لديها القدرة على التسبب بالمرض في مجموعة معينة من المسافرين؛ بمن في ذلك الأفراد الذين يعانون بالأصل من مشكلة نقص المناعة،مثل المرضى الذين يتناولون أدوية المثبطات المناعية، أو مرضى السرطان الذين يتلقون العلاج الكيماوي، أو مرضى الإيدز، وغيرهم.
- شوهدت هذه النتائج باستمرار في أكثر من عينة من نفس المكان على مدار أسابيع متتالية، مما يدل على أهمية الفحص الروتيني وتنظيف الخزانات الوسيطة المحتوية على المياه مثل مركبة نقل المياه.
- وبالتركيز على الرحلات في الطائرات (طويلة وقصيرة المدى)، تم اكتشاف فرق كبير فيما يتعلق بالجودة الميكروبيولوجية، مع حصول الطائرات ذات المسافات الطويلة على جودة ميكروبية أقل وتلوث أكبر. هذه نتيجة مهمة لأنها تشير إلى أن الطائرات ذات المسافات الطويلة تتطلب تعليمات تنظيف وتعقيم أكثر صرامة للحفاظ على جودة المياه، بما في ذلك تعليمات التعقيم والنظافة على كل خطوة من خطوات نقل المياه حتى وصولها الى المسافرين على متن الطائرة من أجل حماية الصحة العامة.
الخلاصة
خلاصة القول، من غير المرجح أن يمرض الأشخاص الأصحاء بشرب فنجان من القهوة أو الشاي المصنوع من ماء الصنبور في الطائرات. ولكن لا ينصح باستخدام ماء الصنبور في الطائرة لملئ زجاجة الحليب أو الماء الخاصة بالأطفال،
أيضا ينصح أن يتجنب من يعانون من خلل في جهاز المناعة تناول الشاي أو القهوة على متن الطائرة.