إلى أي مدى تكون العمليات الجراحية في الركبة مفيدة؟ وما هي أفضل طريقة لعلاج تمزق أربطة الركبة؟
سؤالان أثارتهما دراسة بريطانية نشرت في دورية "نيو إنغلاند جورنال أوف ميدسن" في شهر تموز من العام الماضي، وأجابت عنهما عبر بحث ميداني اجري في جامعة "لوند" السويدية.
استعان باحثو الجامعة بنحو 121 شاباً أصيبوا بتمزق في الرباط الصليبي الأمامي. تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً، وكانوا نشطين بدنياً، إذ إن كثيراً منهم من الرياضيين المحترفين، وافقوا على ترشيحهم بصورة عشوائية لواحدة من مجموعتين، وعلى قبول طرق علاج مختلفة لإصابتهم بتمزق غضروف الركبة.
بدأت المجموعة الأولى بالعلاج الطبيعي، وخضعوا لعملية جراحية لإصلاح تمزق الرباط، التي يعتبرها كثيرون أفضل خيار للرياضيين المصابين. وتلقت المجموعة الثانية العلاج الطبيعي فقط، مع خيار الخضوع لعملية جراحية في فترة لاحقة. وخضع نحو ثلاثة وعشرين فرداً من هذه المجموعة للعملية الجراحية في نهاية المطاف.
تشمل العملية الجراحية الاستعاضة عن الرباط المصاب بنسيج يؤخذ من أي مكان آخر في القدم أو من أي جثة.
هل من الضروري علاج تمزق أربطة الركبة جراحياً؟
قيمت الإصابات على مدار عامين باستخدام نقاط عددية شاملة لتقييم ألم الركبة والوظيفة أثناء النشاط. وتقيم الركبة أيضاً في وقت الإصابة الأصلية. وأظهرت المجموعتان تحسنا كبيراً في نهاية عامي التجربة، حيث ارتفعت نقاط المجموعة التي خضعت لعمليات جراحية بواقع 39.2 نقطة. كما ارتفعت نقاط المجموعة التي خضعت لعلاج غير جراحي بواقع 39.4 نقطة.
بمعنى آخر، كانت نتائج المجموعتين متطابقة تقريباً. وعلى الرغم من الاعتقاد السائد بأن الجراحة تقود إلى ركبة أكثر قوة، فإن النتائج أظهرت أن علاج تمزق أربطة الركبة من خلال إعادة بناء الرباط الصليبي الأمامي جراحياً في أقرب وقت ممكن بعد التمزق لم يتفوق على العلاج التقليدي.
تشير النتائج إلى أن أكثر من نصف عمليات إعادة بناء الرباط الصليبي الأمامي التي يجري تنفيذها حالياً على إصابات الركبة من الممكن تجنبها من دون أن يؤثر ذلك بالسلب في النتائج.
يجب أن يكون لهذه الاحتمالية صدى في الملاعب في جميع أنحاء البلاد، حيث تجري الممارسات الرياضية قبل الموسم في المدارس الثانوية، وما يصاحب ذلك من ارتفاع في حالات تمزق غضروف الركبة. وحسب أحد التقديرات، يعاني واحد من كل 556 فرداً نشطاً يحظى باللياقة البدنية من تمزق في الرباط الصليبي الأمامي، خصوصاً إذا كان يشارك في رياضات مثل كرة القدم، والتنس، والتزلج، وكرة السلة. يبدو أن الحاجة إلى علاج هذه الإصابة بالجراحة أصبحت متنامية حقاً. وفي ردهم على أسئلة وردتهم عبر البريد الإلكتروني، قال معدو الدراسة السويديون "إن الاعتقاد السائد بين معظم الجراحين والمرضى هو أن الجراحة أمر ضروري، على الأقل إذا كنت تهدف إلى العودة إلى نمط حياة نشيط".
للمزيد: عملية الرباط الصليبي
الاستقرار بعد علاج تمزق أربطة الركبة جراحياً
يرجع السبب جزئياً وراء شعبية اللجوء إلى الجراحة لعلاج تمزق الأربطة في الركبة إلى نجاحها. كذلك ذكر معظم الأفراد في المجموعة التي خضعت للجراحة في تلك الدراسة أنهم شعروا بأن الركبة المصابة تحسنت بعد عامين، وأنهم عادوا إلى النشاط مجدداً، لكن ليس بالمستوى نفسه الذي كانوا عليه قبل الإصابة غالباً. كما كانت الركبة لديهم أكثر استقراراً بصورة ملحوظة من المفاصل التي لم تخضع للجراحة إلى حد كبير.
يعد الاستقرار أمراً مرغوباً فيه نظرياً، لكن عملياً وحسب الباحثين الذين أعدوا الدراسة المذكورة؛ ريتشارد فوربيل والدكتور ستيفن لوهماندير العاملان في جامعة لوند، فإن أهمية الاستقرار بعد علاج التمزق في الرباط الصليبي الأمامي تعد أمراً غير متفق عليه.
في دراسة مهمة نشرت في دورية "بريتش جورنال أوف سبورتس ميديسن" عام 2009، قام الباحثون بإجراء مقارنة النتائج بعد عشرة أعوام لرياضيين أجروا جراحة لعلاج تمزق أربطة الركبة الأمامية أو فضلوا العلاج التحفظي، وقد أوضحت الدراسة أن ركبة الذين خضعوا لعمليات جراحية كانت أكثر استقراراً بدرجة ملحوظة، لكنها لم تكن في وضع صحي أفضل. وقد تعرض الذين خضعوا للجراحة والذين فضلوا العلاج التحفظي لالتهابات مفاصل الركبة المبكرة بصورة مماثلة مرتفعة، وهو أمر شائع عند من يصابون بتمزق في الرباط الصليبي الأمامي. وكانت النتائج تقريبا متماثلة فيما يتعلق بقدرة الرياضيين على العودة إلى ممارسة الرياضة وما إذا اشتكوا من مشكلات في الركبة بعد ذلك.
فوائد علاج تمزق أربطة الركبة بالجراحة
على الرغم من تكلفة جراحة إعادة بناء الرباط الصليبي الأمامي المرتفعة إلا أن شأنها شأن أي عمل جراحي آخر قد تنطوي على مخاطر، كذلك فإن عدد من كبار جراحي العظام أكدوا أنهم لا يزالون مقتنعين بأن لها نتائج أفضل على المدى البعيد لبعض المرضى، لا سيما هؤلاء الذين يريدون العودة إلى ممارسة الرياضة.
يفسر ذلك الدكتور وارين دن، وهو أستاذ مساعد في جراحة العظام وإعادة التأهيل في جامعة "فاندربيلت" درس على نطاق واسع تمزق الرباط الصليبي الأمامي، قائلا: "السبب في إجراء العملية الجراحية هو الحفاظ على أجزاء أخرى من الركبة من الإصابة خلال أداء نشاط ما". وأشار إلى أن 8 % فقط من المرضى في المجموعة الأولى في دراسة "نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن" (وهم الذين أجروا جراحة لعلاج تمزق أربطة الركبة) تعرضوا بعد ذلك لتمزق في الغضروف المفصلي، وهو وسادة هشة من الغضروف يمكن أن تتعرض للتمزق، بينما تعرض 25 % من مجموعة العلاج الطبيعي للتمزق في الغضروف المفصلي بعد ذلك.
ما تعنيه هذه الأرقام لمن لديه تمزق في الرباط الصليبي أو من لديه رياضي شاب تعرض لهذا التمزق أنه يجب أن يكون هناك نقاش طويل وصريح مع جراح العظام، وربما أيضاً اختصاصي في الطب الرياضي غير الجراحين حول الخيارات المتاحة. وأضاف الدكتور دن: "نوصي بإجراء جراحة على أساس مستوى النشاط والرياضة".
يمكن لمعظم الأفراد ممارسة بعض الأنشطة (مثل ركوب الدراجات أو العدو) من دون الرباط الصليبي الأمامي، ولكن من ناحية أخرى، فإنه يعتقد أن الأفراد الذين يعانون من مشكلات في الرباط الصليبي الأمامي ويعودون إلى ممارسة أنشطة رياضية يمكن أن يتسببوا في إصابة الغضروف المفصلي أو أي غضروف آخر في الركبة وسوف يستفيد من استبدال الرباط الصليبي الأمامي.
للمزيد: التواء مفصل الكاحل
علاج تمزق أربطة الركبة غير الجراحي
إن معدي دراسة "نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن" قالوا: "بناء على نتائج دراستنا، سننصح المرضى بأنه ليس هناك أي سلبيات واضحة في البدء في برنامج إعادة تأهيل جيد وتأخير قرار العملية الجراحية لمعرفة ما إذا كانت هناك حاجة إليها أم لا".
في الختام يستفاد من الدراسة أنه من المؤكد أن هناك حاجة إلى إجراء مزيد من الأبحاث المتعلقة بهذا الأمر للتوصل إلى علاج نهائي لتمزق الغضروف الهلالي بالإضافة إلى العلاجات المكملة الأخرى، مثل الأربطة والدعامات وأدوية علاج تمزق أربطة الركبة المضادة للالتهاب. وهو ما يؤكده الدكتور دنكان ميوفيلز، أستاذ مساعد متخصص في جراحة العظام في مركز ايراسموس الطبي في روتردام، والمؤلف الرئيسي للدراسة التي نشرتها "بريتش جورنال أوف سبورتس ميديسن"، قائلا: "إننا نعرف بالتأكيد أجزاء فقط من النتائج على المدى الطويل لمختلف أنواع العلاجات الخاصة بالتمزق في الرباط الصليبي الأمامي".
لكن إجراء دراسات موسعة وعشوائية هو المعيار المهم للأبحاث الطبية، وربما يكون أمراً بالغ الصعوبة، ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى أن الذين يعانون من تمزق في الرباط الصليبي سيعترضون على منعهم من إجراء الجراحة. وقد حدث ذلك مع بعض الذين شاركوا في دراسة "نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن" والذين كانوا في مجموعة العلاج الطبيعي حيث انتهى بهم الأمر إلى طلب إجراء العملية الجراحية على الرغم من أنهم لم يعانوا من أي مشكلات في الركبة. وحسب معدي الدراسة فإن الأمر بدا "أن رغبتهم في إجراء الجراحة كانت مبنية على توقعات أكثر منها على أعراض عانوا منها".
للأسف ربما يستغرق الأمر سنوات قبل أن يعرف ما إذا كانت هذه التوقعات مبررة أم أن الركبة المصابة التي لم تجر لها عملية إعادة بناء لعلاج التمزق في الرباط الصليبي الأمامي ستكون على ما يرام.
اقرأ أيضاً: أسباب ألم الركبة المختلفة