يعد البكاء ردة فعل طبيعية عند الإنسان عند التعرض للحزن، أو الألم، أو الفرح وغيرها من العواطف. وعلى الرغم من الشعور بالارتياح بعد البكاء، إلا أن الإنسان البالغ بطبيعته قد يشعر بالخجل من التعبير عن حاجته للبكاء، أو البكاء أمام شخص آخر، لاعتباره شكلاً من أشكال الضعف. إن فوائد البكاء جمة وكثيرة قد يجهلها كثير من الناس، وسنتطرق في هذا المقال إلى أنواع الدموع، وأهميتها وفوائدها.
مكونات الدموع
إن مكونات الدموع وبنيتها مشابهة لمكونات وبنية اللعاب؛ حيث أن الدموع تتكون من الماء بشكل رئيسي، والأملاح مثل الصوديوم، والبوتاسيوم، والكلورايد، وغيرها من الأملاح. كما أن الدموع تتكون من الزيوت والعديد من البروتينات والإنزيمات. وتشكل هذه المكونات معاً طبقات في الدموع:
- الطبقة المائية: وهي الطبقة الأكثر سمكاً، والتي تعمل على ترطيب العين، وإبعاد البكتيريا، وحماية القرنية (بالإنجليزية: Cornea)، وذلك لاحتوائها على أملاح وفيتامينات ومعادن مهمة للعين.
- الطبقة المخاطية (بالإنجليزية: Mucous Layer): وهي الطبقة التي تحافظ على الدموع داخل العين وإبقائها متصلة بها، والتي تمنع تكون البقع الجافة في القرنية.
- الطبقة الزيتية: وهي الطبقة التي تمنع الطبقات الأخرى من التبخر، وتحافظ على سطح الدموع أملساً؛ وذلك للتمكن من الرؤية من خلال الدموع. ومن الجدير بالذكر أن زيادة إنتاج الزيت أو قلة إنتاجه يؤدي إلى جفاف العين.
وتتشكل الدموع في الغدد الدمعية (بالإنجليزية: Lacrimal glands)، التي تقع فوق العينين، كما تقوم بالتدفق من الغدد الدمعية إلى سطح العين عند إغلاق العين وعند كل رمشة يرمشها الإنسان، وذلك من خلال قنوات صغيرة في الزوايا العليا في الجفن العلوي للعين. ثم يتم تصريف الدموع من خلال قنوات في زاويا الجفن السفلي تسمى بالقنوات الأنفية الدمعية (بالإنجليزية: Nasolacrimal ducts)، وتعبر إلى التجويف الأنفي أو تسيل من الأعين على الخدين.
أنواع الدموع
يعتقد الكثيرون أن الدموع الناتجة عن بعض العواطف هي النوع الوحيد من الدموع، إنما الحقيقة أن الدموع تتدفق سواء كان الإنسان نائماً أو مستيقظاً، سعيداً أو حزيناً. ومن الجدير بالذكر أن المركبات الكيميائية في الدموع تختلف باختلاف أسبابها وأنواعها.
يوجد العديد من أنواع الدموع، وهي:
- الدموع الأساسية (بالإنجليزية: Basal Tears): هي دموع دائمة التواجد في العين، حيث أن القنوات الدمعية تفرز الدموع الأساسية باستمرار وفي كل مرة يرمش بها الشخص. وهي دموع غنية بالبروتينات التي تساعد على إبقاء العين رطبة، وتحمي العين من التلف. كما أن الدموع الأساسية هي المسؤولة عن تغذية العين؛ وتقوم بنقل المواد الأساسية لتغذية العين. كما أنها غنية بمضادات للبكتيريا تسمى بالليسوزيم (بالإنجليزية: Lysozymes)، والغلوبيولين المناعي أ (بالإنجليزية: Immunoglobulin A)، والتي تعمل على حماية العين من البكتيريا والفيروسات.
- الدموع الانعكاسية (بالإنجليزية: Reflex Tears): هي الدموع التي يتم إفرازها عند التعرض للمهيجات والأجسام الغريبة؛ وذلك للتخلص من المهيجات وغسل العين وحمايتها من الالتهاب؛ وذلك لأنها تحتوي على أجسام مضادة تعمل على حماية العين من البكتيريا التي قد تتواجد في المهيجات. ومن الجدير بالذكر أن ردود الفعل للمواد المهيجة تختلف من شخص لآخر.
تشتمل المواد المهيجة للعين على:
- الدخان.
- غازات البصل؛ حيث أن البصل يحتوي على غاز الكبريت، والذي يتحول إلى غاز البروبانيثيال أوكسيد (بالإنجليزية: Syn- Propanethial- S-Oxide) أثناء نمو البصل في الأرض، مسسباً إفراز الدموع الانعكاسية.
- روائح العطور القوية.
- القيء (بالإنجليزية: Vomiting).
- الغبار.
- الأضواء الساطعة.
- المواد الكيميائية مثل الكلور ومنتجات التنظيف.
- التعرض لأشعة شاشات الأجهزة الإلكترونية لوقت طويل.
- قراءة الخط الصغير، أو القراءة لفترات طويلة.
- التعرض للرياح والهواء.
- الدموع العاطفية (بالإنجليزية: Emotional Tears): وهي الدموع التي يتم إفرازها كرد فعل للعديد من العواطف والانفعالات النفسية، مثل الحزن، والألم الشديد، والسعادة البالغة. كما تعد الدموع العاطفية من خصائص الإنسان الفريدة، حيث أن معظم الثدييات تفرز الدموع الأساسية والانعكاسية، لكنها لا تفرز الدموع العاطفية. وتحتوي الدموع العاطفية على نسب عالية من البروتينات وهرمونات التوتر (بالإنجليزية: Stress Hormone)، مقارنة بالأنواع الأخرى من الدموع. من هذه الهرمونات:
- هرمون البرولاكتين (بالإنجليزية: Prolactin).
- الهرمون المنبه للقشرة الكظرية (بالإنجليزية: Adrenocorticotropic Hormone): وهو الهرمون المسؤول عن التخفيف من التوتر في الجسم.
هرمون الأنكيفالين (بالإنجليزية: Enkephalin): والذي يعد نوع من المسكنات الطبيعية في الجسم، والمسبب للشعور بالراحة بعد البكاء.
ومن الجدير بالذكر أن الدموع العاطفية تعمل على طرد السموم من الجسم، كما أنها تسبب انخفاض في الرغبة الجنسية؛ وذلك نتيجة انخفاض مستويات هرمون التستوستيرون (بالإنجليزية: Testosterone) عند الذكور.
فوائد الدموع
للدموع فوائد عديدة يجهلها الكثير، منها:
- التخلص من التوتر: ذلك بسبب إفراز هرمونات التوتر، وبالتالي تخفف من الضغط النفسي. كما أن البكاء يعمل على تحفيز الجهاز العصبي اللاودي (بالإنجليزية: Parasympathetic nervous system)، والذي يساعد على الشعور بالراحة والاسترخاء، والحد من الشعور بالحزن.
- تسكين الألم: وذلك نتيجة إفراز هرموني الإندورفين والأكسيتوسين (بالإنجليزية: Oxytocin)، مما يؤدي إلى الحد من الألم النفسي والجسدي.
- التخلص من السموم: حيث أن الدموع العاطفية تعمل على التخلص من المواد الكيميائية التي تعمل على رفع مستوى هرمون الكورتيزول (بالإنجليزية: Cortisol)، وبالتالي التقليل من التوتر. كما أن الدموع الأساسية والانعكاسية تعمل على حماية العين من الالتهاب والتخلص من المواد المهيجة.
- محاربة البكتيريا: وذلك لاحتواء الدموع على إنزيم الليسوزيم المضاد للبكتيريا، والذي يعمل على التخلص من ما نسبته 90-95% من البكتيريا المتواجدة في العين خلال فترة قصيرة.
- تحسين الرؤية والبصر: حيث أن جفاف العين قد يؤدي إلى ضعف الرؤية، والدموع الأساسية تعمل على ترطيب العين وغسلها من الغبار. كما أن الدموع العاطفية تمنع جفاف العين.
- تحسين الحالة المزاجية: وذلك بسبب هرموني الأكسيتوسين والإندورفين، اللذان يعملان على تسكين الألم وتحسين الحالة المزاجية. كما أن التنفس السريع أثناء البكاء يعمل على تحسين الحالة المزاجية.
- استعادة التوازن العاطفي: يعد البكاء طريقة لموازنة المشاعر القوية، مثل الخوف الشديد، أو السعادة البالغة.
- الحماية من مشاكل العين: حيث أن قلة الدموع تؤدي إلى ضرر في العين، مثل: تآكل القرنية (بالإنجليزية: Corneal Abrasion)، وقرحة القرنية (بالإنجليزية: Corneal Ulcer) واضطرابات الرؤية. بالإضافة لالتهاب العين.
متى يجب مراجعة الطبيب؟
إن البكاء الدائم والمستمر قد يدل على مشاكل وأمراض عصبية، مثل مرض الاكتئاب (بالإنجليزية: Depression)، والتوتر والقلق (بالإنجليزية: Anxiety)، وحالة التأثير الكاذب (بالإنجليزية: Pseudobulbar affect PBA) والمقترنة ببعض الأمراض العصبية مثل: الزهايمر والباركنسون. لذلك يجب مراجعة الطبيب في حالة البكاء الدائم.
أما في حالة وجود جفاف للعين، فيجب البحث عن أسباب هذا الجفاف، فأما أن يكون طبيعاً نتيجة التأثيرات والتقلبات الجوية، والذي يزيد من إفراز الدموع من العين، إلا أنه في بعض الأحيان قد يكون دلالة على وجود مشكلة أو مرض معين. وفي حال استمرار جفاف العين لمدة طويلة يجب مراجعة الطبيب لمعرفة السبب ومعالجته، ولمنع الإصابة بمشاكل في العين.
اقرأ أيضاً: أمراض تصيب العين في الشتاء وطرق الوقاية
حقائق حول الدموع والبكاء
هنالك بعض الحقائق حول الدموع والبكاء منها:
- إن السبب وراء أن طعم الدموع مالح، أن جميع سوائل الجسم تحتوي على القليل من الأملاح، وذلك للحفاظ على أعضاء الجسم وعلى أدائها السليم.
- إن النساء يبكين أكثر من الرجال، ويعتقد أن ذلك بسبب هرمون البرولاكتين، وهو الهرمون المسؤول عن إفراز هرمون الحليب لدى الإناث. كما أن القنوات الدمعية لدى الذكور أصغر من القنوات الدمعية لدى الإناث.
- إن إفراز الدموع الأساسية يقل مع التقدم في العمر، لذلك يعد جفاف العين شائعاً عند الكبار في السن. كما أن التغيرات في الهرمونات عند النساء تعد سبباً لانخفاض نسبة إفراز الدموع الأساسية، وبالتالي للإصابة بجفاف العين. ومن الجدير بالذكر أن إفراز الدموع في العين لا ينتهي ويتم إفرازها مدى الحياة.
- إن بكاء الأطفال حديثي الولادة يكون بلا دموع؛ وذلك لأن الغدد الدمعية لم تتطور ولم تتشكل بشكل كامل، وتستمر هذه الحالة لمدة شهر.
- إن البكاء أثناء النوم حقيقي، ويعد شائعاً بين الأطفال أكثر من الكبار. من أسباب البكاء أثناء النوم الكوابيس، والخوف أثناء الليل، والحزن والاكتئاب، والألم المزمن، بالإضافة للتوتر والقلق، كما أن الحساسية تسبب ذرف الدموع أثناء الليل.
- إن نظرية خروج أول دمعة من العين اليمنى تدل على دموع الفرح، وأول دمعة من العين اليسرى تدل على دموع الحزن ما هي إلا خرافة وغير صحيحة.
اقرأ أيضاً: تأُثير تغيرات الطقس على جفاف العين