أول وصف لاضطراب الحركات النمطية (بالإنجليزية: Stereotypic Movement Disorder) كان في بدايات التسعينات، حيث تم اعتبارها أعراضاً ذهانية عند الحالة المرضية. ومنذ ذلك الوقت ظل التعامل معها بوصفها أعراضاً لكل من الإضطرابات الذهانية والعصبية، أو أن تكون نتيجة أسباب لا مبرر لها، أو غير معروفة. في هذا المقال نتناول الحديث عن اضطراب الحركات النمطية عند الأطفال وكيفية التعامل معها.

ما هو اضطراب الحركات النمطية عند الأطفال؟

يشمل اضطراب الحركات النمطية عند الأطفال عدة حركات واضطرابات سلوكية عند الطفل، وتتضمن هذه الحركات ما يلي:

  • ضرب الرأس.
  • قضم الأظافر.
  • اللعب بالشعر.
  • مص الإبهام.
  • الرفرفة باليدين.
  • هز الجسم.
  • عض الجسم.
  • صرير الأسنان.
  • حبس التنفس.

وقد تغير تعريف الحركات النمطية عبر العشرين سنة الماضية، وانحصر حالياً في الحركات النمطية، التي تسبب أذىً جسدياً، أو تأثيراً شديداً في الأنشطة الاعتيادية التي يمارسها الطفل. مع عدم وصف هذه السلوكيات الحركية، إلى جانب ظروف نفسية قد تمر بها الحالة كاضطراب القلق، أو ظروف صحية عامة يمربها الشخص، أو على أنها عبارة عن تأثيرات جانبية لعلاج، أو عقاقير معينة يتلقاها الشخص، بل إن الحركات النمطية، كاضطراب مستقل، لا بد من وصفه على حدة، بعيداً عن هذه الظروف الصحية والنفسية للحالة.

ويمكن أن تظهر الحركات النمطية لدى عامة الناس، من مختلف المراحل العمرية بمن فيهم الأطفال الصغار والمراهقين. فقد يكون لدى الشخص سلوك واحد من الحركات النمطية أو أكثر، وقد تكون هذه الحركات بطيئة وبسيطة، أو تكون سريعة وشديدة. ومن الواضح أنها تزداد عند شعور الفرد بالملل أو التوتر، والإحباط. ويبدو أن هذه الحركات عبارة عن أسلوب لحث الذات، وأحياناً على أنها لجلب السعادة، فيما تعتبر الأسباب الأساسية لهذه السلوكيات غير معروفة.

وتنتشر الحركات النمطية بين الرضع والأطفال الصغار، وتفيد التقديرات أن ما نسبته 15-20% من الأطفال، تحت سن الثالثة، يظهرون نوعاً من الحركات النمطية والإيقاعية. ولا شك أن مص الإبهام وهز الجسم هي آليات لجلب الراحة في السن المبكرة، وهي من الحركات النمطية المؤقتة. وعادة تتوقف في سن الثالثة أو الرابعة من العمر، وهي مختلفة تماماً عن اضطراب الحركات النمطية، أو الحركات النمطية المنتشرة بين أطفال التوحد.

أشهر أسباب الحركات النمطية عند الأطفال

قد تكون الحركات النمطية نتيجة للأسباب التالية:

  • الحرمان الحسي (إعاقة بصرية أو سمعية).
  • إساءة استخدام العقاقير.
  • الأمراض الدماغية كالصرع والعدوى.
  • الاضطرابات النفسية الرئيسية، كاضطراب القلق، واضطراب الوسواس القهري، والتوحد.
  • الإعاقة العقلية.

ويرتبط اضطراب الحركة النمطية بشدة مع الإعاقات الذهنية الشديدة والعميقة، وبخاصة مع الأشخاص الذين تؤويهم المؤسسات الداخلية، والذين قد يكونون محرومين من المثيرات الحسية الكافية. ويقدر أن 2-3% من الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية الذين يعيشون في المجتمع، لديهم اضطراب الحركة النمطية، وأن 25% من المعاقين ذهنياً الملحقين في المؤسسات الإيوائية، لديهم هذا الإضطراب. وتصل نسبة انتشار هذا الإضطراب بين المعاقين ذهنياً إعاقة شديدة تصل إلى60%، بينهم 15% يظهرون سلوكيات تسبب إيذاء الذات.

وينتشر اضطراب الحركات النمطية بشكل كبير أيضاً بين الأطفال ذوي الإضطرابات النمائية المنتشرة (بالإنجليزية: Pervasive Developmental Disorders) مثل: التوحد، ,اضطراب الطفولة الانتكاسي، ,اضطراب اسبرجر.

ويمكن ملاحظة هذا الإضطراب لدى أطفال توريت (بالإنجليزية: Tourette s Disorder). وتصل تقديرات ممارسة الأطفال لسلوكيات ضرب الرأس إلى 5%، علماً أن الذكور يمارسونها بمعدل ثلاثة أضعاف الإناث، على الرغم من أن السلوكيات النمطية الأخرى تنتشر بشكل متساو بين الذكور و الإناث. وبغض النظر عن ارتباط هذه السلوكيات النمطية بالأمراض النفسية، فهناك بعض الأشخاص ذوي الذكاء الطبيعي، والذين يستطيعون رعاية أنفسهم بشكل كافٍ، لديهم اضطراب الحركات النمطية.

تعديل السلوك

يرتكز برنامج تعديل هذه الحركات على استبدال السلوك الذي يُشعر الطفل بالمتعة، بسلوك آخر يُشعره بمتعة مشابهة أيضاً عند القيام به.

فعلى سبيل المثال: عندما يقوم طفل التوحد بحك ذراع شخص غريب من أجل استجلاب شعور بالسعادة والمرح الناجم عن الإحتكاك الجسدي، فقد يكون بإمكان الوالدين إحضار مجموعة من المواد مختلفة الملمس بحيث يقوم الطفل بلمس أو حك المادة التي تشعره بالسعادة، والتي تجلب له نفس الشعور الجيد بالراحة. وبالإمكان عمل وسادة صغيرة من هذه المادة للطفل، أو بطانية لكي يستعملها في الوقت المناسب.

وإذا كان ضرب الرأس يُشعر الطفل بالراحة، فبالإمكان استخدام تقنيات مختلفة مثل: لف الرأس بقطعة قماش يحصل الطفل من خلالها على الشعور المطلوب بالمفرح بالنسبة له، من دون أن يضرب رأسه. أو ببساطة حاول إيجاد نشاط آخر بديل من شأنه أن يشعر الطفل بسعادة أكثر من تلك التي يجنيها من وراء ضرب الرأس. ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أن ذات السلوك قد يكون أيضاً وسيلة الطفل للتعبير عن ضيقه وعدم سعادته.

لذلك، لابد أن يتاح للطفل ممارسة نشاط ما من شأنه أن يساعد في تهدئته من دون إيذاء للذات أو الآخرين.

اقرأ أيضاً: تأثير الصراخ في وجه الطفل على صحته

إعادة توجيه الحركات غير الهادفة

يستطيع الوالدان إلحاق الطفل بنشاط هادف، بحيث يصبح من خلاله السلوك مقصوداً. فعلى سبيل المثال: إذا كان الطفل يلوي أصابعه أمام عينيه، يمكنك أن تقلّد هذا السلوك وتقول:

"أنا أراك.. شفتك"، بحيث تختلس النظر من خلف أصابعك، وكأنك تلعب معه، وبلطف خذ أصابعه والعب بها وضعها أمام وجهه، وقل له "شايفني"؟. وإذا كان الطفل يلف حول نفسه أو حول شيء ما بطريقة غير هادفة، فاطلب منه أن تلعب معه، وبإمكانك حينها أن تمسك يديه وتجعله يلف حولك، وتلف معه في الوقت الذي تقومان بغناء أنشودة يحبها الطفل، أو مرتبطة بهذا الموقف.

وإذا كان الطفل يقفز إلى الأعلى، فبإمكانك أن تقول له: "أنا أقفز أكثر منك"، وتبدأ بالقفز معه. وإذا كان الطفل يغلق الباب ويفتحه بشكل متكرر، فبإمكانك أن تأتي بوجهك خلف الباب بحيث عندما يفتح الباب تفاجئه بالضحك، أو تعمل حركة معينة في وجهك كالإبتسام مثلاً، بحيث تلعب مع الطفل وتشعره بالمرح.

قد يبدو الأمر غريباً على الوالدين في البداية، إلا أن الفكرة تتلخص في محاولة إخراج الطفل من حالة عدم الوعي بالسلوكيات الحركية، إلى نشاط هادف، علماً بأن اللعب بحد ذاته يعتبر سلوكاً هادفاً، كونه يساعد الطفل على استعادة الشعور بالنظام والسيطرة.

اقرأ أيضاً: كيفية التعامل مع سلوك الطفل العنيد والمخرب

للمزيد اقرأ: كيفية التعامل مع الطفل العصبي