هناك العديد من الفوائد الصحية التي تعود على الجسم من الصيام، حيث أنه يساعد في تجديد جميع الخلايا، ولذلك أصبح يستخدم ضمن العلاجات الطبية في كثير من الحالات للمساعدة في علاج حالات صحية مختلفة، فما هي فوائد الصوم الطبي العلاجية؟
تاريخ فوائد الصوم الطبي
نظراً للفوائد العديدة، التي يحققها الصوم، فقد أوجد الأطباء ما أطلقوا عليه "العلاج بالصوم الطبي"، وهو إحدى طرق الطب البديل الحديثة، ويقوم على الماء والعسل والفيتامينات والأملاح المعدنية.
عرف الصوم بالماء منذ القدم، ففي مرجع طب التبت الكبير "تشجودشي" في القرن السادس قبل الميلاد، خصص فصل كامل تحت عنوان "العلاج بالطعام والعلاج بالصوم".
وفي مصر القديمة، وبشهادة هيرودت، وهو مؤرخ إغريقي (450 قبل الميلاد) تبين أن المصريين القدماء كانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر، كما أنهم نجحوا في علاج مرض الزهري بالصوم الطويل. ولاحظ هيرودت أنهم كانوا في تلك الفترة، وربما بسبب هذا الصوم، أحد أكثر الشعوب صحة.
وفي اليونان القديمة، صام الفيلسوف أبيقور (القرن السادس قبل الميلاد) أربعين يوماً قبل أن يؤدي الامتحان الكبير في جامعة الإسكندرية لشحذ قواه العقلية وطاقة الإبداع عنده.
أما سقراط (470-399 قبل الميلاد)، فكان يصف للمرضى في أحرج المراحل أن يصوموا وكان يقول عن عمل الصوم: "كل إنسان منا في داخله طبيب وما علينا إلا أن نساعده حتى يؤدي عمله".
ثم جاء الروماني "جالينوس" في القرن الثاني الميلادي، وأوصى بالصوم كعلاج لكل أعراض "الروح السالبة"، ويعني بذلك حالات الحزن، وفقد الحب، وفرط التوتر.
ثم انتقل الأمر إلى الشيخ الرئيس أبو علي ابن سينا (780-1037م) الذي لم يتنازل عن الصوم كدواء، بل كان مفضلا لديه، وكان يصفه للغني والفقير ويعالج به الزهري، والجدري ،وأمراض الجلد.
وتطول القائمة حتى تبلغ عصرنا الحاضر.
ففي أميركا، كان "هنريك تانر" وكتابه "الصوم أكسير الحياة"، ثم "آبتون سنكلير" المدافع الصلب عن العلاج بالصوم (وكلاهما بلغ من العمر تسعين عاماً).
وحتى الآن، ما زال في ساحة العلاج بالصوم أسماء كثيرة: منها بوشنجر الألماني، وآلان كوت الأميركي، وشيلتون الإنجليزي، والبطل العالمي للملاكمة في الوزن الثقيل محمد علي كلاي الذي كان يشكو من داء باركنسون وزيادة الوزن، وخلال صومه مدة ثلاثة أسابيع تحسن أكثر من 60%. ولو كانت ظروفه تسمح لمتابعة الصيام إلى أربعين يوما لكان التحسن أكثر من ذلك.
وقد أكد العالم الفرنسي "بلزاك" -وكان أشهر علماء عصره- اهتمامه بالصوم العلاجي، فقد كان يرى أن يوماً واحداً يصومه الإنسان أفضل من تعاطي ما يشير به الأطباء من الدواء.
وكثيراً ما أشاد العالم "سينكا" بالأطباء القدامى الذين كانوا يشيرون على مرضاهم بالصيام؛ بل إن "كوبنلوس" الطبيب الإغريقي كتب في السنة العاشرة الميلادية معللاً ما لوحظ من أن الشفاء أسرع إلى المرضى الأرقاء منه إلى المرضى الأحرار، يقول: "إن هذا يرجع إلى أن الأرقاء أكثر دقة في اتباع نظام الصوم العلاجي".
للمزيد: فوائد الصيام النفسية والجسدية والاجتماعية
الية الصوم الطبي
قد تبين علمياً أنه في حال انقطاع الإمداد بالطعام من الخارج ينتقل الجسم إلى تغذية نفسه من المخزون الداخلي في أنسجته المختلفة باستثناء القلب والجهاز العصبي.
وقد قدر العلماء أن الاحتياطي الذي يمكن الاعتماد عليه داخل الجسم يصل إلى 40-45% دون خطر يذكر. فكريات الدم الحمراء تنقص في البداية ولمدة أسبوعين، ثم تبدأ الكريات الجديدة الشابة في الظهور والتكاثر. ومع انهيار الخلايا الشائخة وتحطمها، يحدث ميل خفيف إلى الحموضة، لكن "احمضاض" الدم لا يحدث أبداً ولا تتغير العظام، لكن نخاع العظام ينكمش قليلا، نظراً لوفرة ما يحتويه من مواد غذائية مدخرة يساهم بها في عملية التغذية الداخلية.
وفي الصوم الطبي، يبقى وزن الكليتين ثابتاً تقريباً، أما الكبد فوزنه ينقص، لكن هذا النقص يكون على حساب المدخر من الماء والجليكوجين (السكر المختزن) دون المساس بتركيب الخلايا أو عددها.
وبينما يمكن أن ينقص وزن العضلات بنحو 40%، فإن عضلة القلب لا تخسر أكثر من 3%، وفي الحالتين، يعود النقص إلى انكماش الخلايا وليس إلى نقصان عددها.
ومن الجدير بالذكر أن القلب يرتاح كثيرا عند الصوم، إذ تنخفض ضرباته إلى 60 ضربة في الدقيقة وهذا يعني أنه يوفر مجهوداً يعادل 28800 دقة كل 24 ساعة.
والقاعدة أن الجسم يعطي من مخزون المواد العضوية، ثم غير العضوية، أي أنه يعطي أولاً من السكريات، ثم الدسم وبعض البروتين، لكنه لا يفرط بسهولة في المعادن وما يشابهها. فالحديد المتخلف عن حطام الكريات الحمراء القديمة يتم تجميعه وتخزينه في الكبد من جديد، ليؤخذ منه عند الحاجة. لهذا لا يحدث فقر الدم المتسبب عن نقص الحديد في أثناء الصوم.
وبشكل عام، فإن الانتقال إلى التغذية الداخلية يضمن نوعاً من التوازن الغذائي المحكم في حدود ما هو مطلوب حيوياً. وحسب هذا لا تحدث أبدا أي من أعراض سوء التغذية التي تلاحظ في المجاعات، بل حتى في بعض حالات الوفرة عند زيادة السكريات على حساب البروتينات على سبيل المثال.
وبالإضافة إلى فوائد الصوم الطبي العلاجية للجسم، فإن الصيام يفيد الروح والجسد، ولكن من المهم تجنب التوترات والإجهاد وتحقيق الهدوء النفسي قبل بدء الصوم.
اقرأ أيضاً: أطعمة لمحاربة التوتر والقلق
فوائد الصوم الطبي للتنحيف
قد يطرأ على ذهن البعض سؤال هل الصوم الطبي ينحف؟ تختلف الإجابة هنا وفقاً للنظام الغذائي المتبع، وكيفية اتباع الصوم الطبي للتنحيف.
ففي حالة الامتناع التام عن تناول الطعام لفترات طويلة خلال اليوم من أجل التنحيف، فسوف يتسبب هذا في أضرار للجسم أكثر من الفوائد، حيث أن الجسم يحتاج إلى العناصر الغذائية المختلفة للحفاظ على صحته.
أما في حالة اتباع نظام الصوم الطبي الذي يعتمد على أسس صحية من قبل الطبيب، بحيث يتم الامتناع عن تناول الطعام لفترات محدودة وتعويض حاجة الجسم من العناصر الغذائية التي يحتاجها، فهذا يمكن أن يساعد في فقدان الوزن، مثل نظام الصيام المتقطع وغيرها من الأنظمة.
ولذلك يجب الرجوع إلى أخصائي التغذية قبل اتباع الصوم الطبي للتنحيف لتحديد النظام المناسب وفقاً لعدة عوامل، مثل:
- الحالة الصحية.
- الوزن الحالي.
- الوزن المستهدف.
- كمية الدهون في الجسم.
- الأدوية التي يتناولها الشخص.
- ظروف الحياة والعمل.
حيث يتعرف الطبيب على كافة هذه الأمور ليحدد الحمية المناسبة للمريض.
للمزيد: رجيم الصيام المتقطع في رمضان
حالات الصوم الطبي
يستعمل الصوم الطبي في علاج حالات كثيرة، والوقاية في حالات أخرى كثيرة أيضاً، فهو له دور في:
- علاج اضطرابات الأمعاء المزمنة، والمصحوبة بتخمر.
- علاج زيادة الوزن الناشئة من كثرة الطعام.
- علاج أمراض الكلى الملتهبة، والحادة، والمزمنة علاجاً شافياً.
- علاج أمراض القلب، كما يقي من مرض البول السكري.
- علاج أمراض زيادة الحساسية، وأمراض البشرة الدهنية.
وتقوم مصحات كثيرة بالعلاج بالصوم، وعملها تخليص الجسم من نفايات الغذاء، ودسمه، وكثرته، وكذلك من السموم الناتجة عن التخمرات الغذائية، وبقاء فضلاتها في الجسم.
محاذير الصوم الطبي
على الرغم من تعدد فوائد الصوم الطبي، ولكن هناك بعض الحالات التي تتطلب استشارة الطبيب قبل اتباع الصوم الطبي أو الصيام بشكل عام، وهي:
- الصوم الطبي والسكري: يجب استشارة الطبيب قبل اتباع الصوم الطبي أثناء الإصابة بمرض السكري أو حتى الصيام في شهر رمضان، حيث أن الأشخاص المصابون بمرض السكري معرضون لخطر كبير لأنهم يتناولون الأنسولين، وبالتالي يجب تعديل كمية الأنسولين التي يتناولونها عند الصيام، وإذا لم يخفضوا ما يكفي ، فإنهم يخاطرون بنقص السكر في الدم، ولكن إذا تم تقليصه أكثر من اللازم، فيمكن أن يصابوا بفرط سكر الدم.
وينطبق هذا على مختلف الأمراض المزمنة الأخرى مثل أمراض القلب.
- الحمل والرضاعة: أيضاً ينبغي استشارة الطبيب في حالة الرغبة باتباع الصوم الطبي خلال الحمل والرضاعة.
انواع الصوم الطبي
وكما نلاحظ، فإن الصيام العلاجي يختلف عن صيام العبادة. وفيه يعطى الجسم فرصة لالتقاط أنفاسه، إن صح التعبير، حيث تستهلك عملية الهضم 30% من طاقة الجسم. وبالصيام توجه هذه الطاقة لنواح أخرى أهمها العلاج.
وهناك أنواع مختلفة من الصيام الطبي، وأبرزها:
- النظام الذي يقتصر على الماء أثناء فترة الصيام.
- النظام الذي يقتصر على الماء وعصير الفواكه أثناء الصيام.
- النظام الذي يسمح بتناول الحساء.
كما توجد العديد من الأنظمة الغذائية العلاجية تبدأ بفترة صيام قصير، قد لا تزيد على يوم واحد يقتصر فيه الصائم على الماء من أجل تنظيف الجسم من السموم أثناء الصيام، لأن الجسم يوجه الطاقة التي يصرفها عادة على عملية الهضم، إلى عملية الشفاء أولا.
أما شدة الصيام ومدته فتعتمد على عوامل عدة أهمها:
- الحالة المرضية نفسها.
- مدى تحمل المريض للصيام.
- طبيعة النظام العلاجي.
بواسطة: ماهر عبد القادر