البكاء هو استجابة طبيعية يقوم بها الإنسان تجاه مجموعة مختلفة من المشاعر مثل: الحزن، أو الخوف، أو الفرح، أو غيرها، وهو حالة (حركية-واستجابة دمعية) معقدة تتميز بذرف الدموع، وتغير في ملامح الوجه، بالإضافة إلى استجابة صوتية مثل النحيب وأخذ أنفاس عميقة بشكل متكرر. بالطبع الجميع يعرف البكاء وجربه من قبل، إذ يمكن أن يبكي الإنسان نتيجة الإحساس بالألم، أو عند ولادة طفل جديد، أو يمكن أن يكون البكاء للتعبير عن الفرح بعودة مسافر عزيز من السفر، أو بعد مشاهدة فيلم مفعم بالمشاعر.

فالمشاعر الإنسانية التي يرافقها البكاء واسعة المدى تبدأ من أكثر المشاعر حزناً وحتى المشاعر المتوهجة طاقة وفرحاً.

يحاول البالغون عادة إخفاء دموعهم لأنهم يعتقدون بأنها تجعلهم يظهرون بمظهر ضعيف أمام الآخرين. على الرغم من ذلك فإن الدراسات في أمريكا تشير إلى أن الرجال يبكون بمعدل 1.9 مرة خلال الشهر الواحد، بالمقابل تبكي النساء بمعدل 3.5 مرة خلال الشهر الواحد.


أنواع الدموع

يوجد ثلاثة أنواع مختلفة من الدموع التي تذرفها العين، تختلف بين بعضها البعض في مكوناتها، ووظيفتها، والسبب الذي يؤدي إلى إفرازها.

الدموع الأساسية

تفرز القنوات الدمعية هذا النوع من الدموع بشكل مستمر، ويعتبر هذا النوع من الدموع غنياً بالبروتينات المضادة للبكتيريا، وتعمل على الحفاظ على العين رطبة بشكل مستمر في كل مرة يتحرك فيها جفن العين. هذه الدموع مهمة للغاية في الحفاظ على رطوبة العين ومنع جفاف العين، كما تحافظ على صحة النظر وعلى نقاء وصفاء الرؤية.

الدموع الاستجابية

تستجيب العين للعديد من المواد التي تسبب تهيج العين وتثير حساسيتها بإفراز نوع خاص من الدموع التي تعمل على التخلص من جزئيات هذه المادة وإبعادها خارج العين من خلال غسيل العين ذاتياً. من هذه المواد المهيجة مثل الدخان، والرياح، والبصل.

الدموع العاطفية

يستجيب الإنسان إلى العواطف المختلفة والمشاعر عن طريق الضحك أو الحزن مع البكاء وإفراز هذا النوع من الدموع، الذي يعتبر غنياً بهرمونات التوتر. ويساعد إفراز هذه الدموع الجسم على التخلص من هذه الهرمونات عبر البكاء.

تصنع العين الدموع من خلال الغدد الدمعية فوق كل عين، وتنتشر الدموع على سطح العين من خلال حركة الجفون (الرَمش)، ثم يتم تفريغ الدموع من خلال الثقوب الدقيقة في زوايا الجفون العلوية والسفلية، حيث تنتقل الدموع عبر القنوات الصغيرة في الجفن قبل أن تصل إلى تجويف الأنف. عندما يتم انتاج الكثير من الدموع العاطفية أو الانعكاسية فإنها تتجاوز قدرة القنوات المفرغة للدموع في نظام الصرف الدمعي. حيث أن هذا هو السبب في أن هذه الدموع تخرج من العين وتنساب إلى الخارج.

فوائد البكاء

تشير العديد من الدراسات إلى فوائد البكاء على صحة الجسم والعقل، ويعتبر الشعب الياباني من أكثر الشعوب إيماناً بأهمية البكاء وفوائده، وقد تطور اهتمامهم بالبكاء حيث يمارسون البكاء بشكل جماعي ضمن أندية خاصة للبكاء. تسمى هذه الأندية (باليابانية : rui-katsu) ويمكن ترجمتها بشكل حرفي إلى (أندية طلب الدموع)، يجتمع اليابانيون في هذه الأندية للبكاء، حيث يعتقدون بأنهم بذلك يتخلصون من التوتر ويحافظون على صحتهم العقلية.

أولاً: تخليص الجسم من السموم

يختلف تركيب الدموع التي تذرفها العين أثناء البكاء حسب نوعها. تحتوي الدموع النفسية على هرمونات التوتر مثل الكورتيزول، بالإضافة إلى العديد من السموم الأخرى. يؤدي ذرف هذه الدموع إلى تخليص الجسم من هذه الهرمونات وبالتالي خفض التوتر.

ثانياً: المساعدة على تهدئة النفس وخفض التوتر

يزيد البكاء نشاط الجهاز العصبي اللاودي (بالإنجليزية: Parasympathetic Nervous System) وهو الجهاز العصبي الذي يعمل في أوقات الراحة والاسترخاء عند الإنسان، فهو يتحكم بعملية الهضم والإخراج، أيضا براحة الجسم في أوقات عدم وجود ضغط أو توتر. لذلك عند التوتر أو الخوف أو القلق الشديد يساعد البكاء الجسم في التخلص من هذه الطاقة العالية من التوتر وتعطي الشعور بالراحة حيث يحتاج الشخص إلى بضع دقائق من البكاء حتى يتمكن من الوصول إلى حالة من الهدوء النفسي، بعد أن يكون قد فرغ شعوره بالتوتر.

ثالثاً: العمل على تخفيف الألم الجسدي والنفسي

يفرز الجسم استجابة للبكاء لفترات طويلة مجموعة من المواد الكيميائية مثل الأوكسيتوسين، والإندوفرين التي تعتبر مهدئات ذاتية للجسم، حيث تصنع داخل جسم الإنسان. يؤدي إفراز هذه المركبات الخاصة المرتبطة بالمشاعر الجيدة والإحساس بالسعادة إلى تخفيف شعور الإنسان بالألم الجسدي والنفسي أيضاً، ووصوله إلى حالة من الراحة والاسترخاء.

رابعاً: تحسن المزاج العام

يتسبب البكاء وبشكل خاص البكاء بشدة أو النحيب بتحسن المزاج العام، أثناء النحيب تقوم باستنشاق أكثر من نفس عميق وبشكل سريع، يؤدي استنشاق الهواء البارد إلى تنظيم درجة حرارة الدماغ وخفضها، يعمل خفض درجة حرارة الدماغ على تحسين مزاج الدماغ ورفع مستوى السعادة فيه. لذلك تشعر بتحسن في المزاج العام بعد البكاء بشدة.

أيضا عند البكاء تتغير ملامح الوجه، فتنقض عضلات الوجه وتتحرك بطريقة مميزة تعمل على اندفاع الدم بشكل أكبر إلى الرأس والوجه، اندفاع الدم وزيادة الأكسجين يساعد في إعادة التوازن لدرجة حرارة الدماغ بعد اختلالها بسبب التوتر أو الضغط.

خامساً: لفت انتباه الآخرين والحصول على المساعدة

يستخدم الإنسان البكاء للتعبير عن مشاعر الحزن والألم، ويعتبر البكاء لغة للتواصل بين البشر، يبكي الأطفال منذ الولادة للتعبير عن حاجاتهم المختلفة مثل الجوع أو الألم أو طلب الإنتباه والعناية. فعندما تبكي يفهم المحيطون بك ما تمر به من صعوبات ويقومون بتقديم المساعدة لك. أيضاً يمكن أن يكون البكاء أو ذرف الدموع بشكل لا إرادي في حالات فقدان الوعي أو الغيبوبة دليلاً على وجود ألم فيعطي بذلك إشارة إلى الطاقم الطبي بمتابعة السبب بشكل مفصل أكثر.

سادساً: استعادة توازن المشاعر والعواطف

قد تبكي نتيجة لمشاعر مختلفة مثل: الحزن، أو الفرح، أو التوتر، أو غيرها من المشاعر القوية التي تخل بالتوازن العاطفي والنفسي. يعمل البكاء على تخفيف هذا الاضطراب في المشاعر واضطراب المزاج وإعادة التوازن.

سابعاً: يساعد الأطفال على النوم والتنفس بشكل جيد

يتنفس الأطفال قبل الولادة من خلال الحبل السري، وعند الولادة ومنذ اللحظات الأولى في حياة الطفل يبدأ بالبكاء، إذ يساعده ذلك على بدء عملية التنفس من خلال الرئتين. كما يعمل البكاء على تخليص الجسم من السوائل والإفرازات الرئوية التي تحتوي على الشوائب المختلفة التي قد تسبب الأمراض وتعيق عملية التنفس.

كما يعمل البكاء لبضع دقائق قبل النوم على زيادة عدد ساعات النوم وتقليل عدد مرات الاستيقاظ المتقطع كما تشير بعض الدراسات، حيث أنه وبعد تأكد الأم من أن رضيعها تناول طعامه ولايشعر بالجوع، أو البرد، وجسده نظيف وتم تلبية جميع حاجاته واستمر بالبكاء لبضع دقائق قبل النوم بدون وجود سبب واضح، فإن ذلك يكون تصرف طبيعي منه للتخلص من الطاقة الزائدة ومساعدته على النوم.

للمزيد: ما هي أسباب بكاء طفلك قبل النوم؟


متى يكون البكاء غير طبيعي

يعتبر البكاء ذو فائدة كبيرة كما أشرنا سابقا، ولكن البكاء بكثرة وبشكل يتعارض مع الأنشطة اليومية ويؤثر على الحياة الإجتماعية قد يكون عرضا من أعراض الاكتئاب ويجب في هذه الحالة مراجعة الطبيب. أيضاً حين يكون البكاء متكرر ودون وجود سبب واضح، أو يترافق مع أعراض أخرى مثل صعوبة في التركيز، ومشاكل في الذاكرة أو إحساس بالتعب المزمن، أيضاً الشعور بالعزلة، وفقدان المتعة والرغبة في الحياة أو الرغبة بالانتحار وغيرها من الأعراض غير الصحية ففي هذه الحالات يكون البكاء إشارة إلى وجود حالة صحية أخرى تحتاج استشارة الطبيب.

البكاء استجابة فطرية وطبيعية للتعبير عن المشاعر المختلفة، عند الإحساس بالحاجة للبكاء من الأفضل عدم منع النفس من البكاء لأنه ينعكس على الجسم بفوائد عديدة. لكن المبالغة في ذلك أو وجود أعراض أخرى يمكن أن تدل على وجود مشاكل نفسية أو جسدية أخرى يفضل عندها مراجعة الطبيب.