يعتبر الحفاظ على الصحة هدفاً يتقاسمه سكان العالم في الماضي وحتى وقتنا هذا، وقد بدأ تاريخ الطب بتجارب بدأ فيها الأجداد للمحافظة على الصحة وتعلم طرق الشفاء. ويعرف الطب على أنه المجال الذي يهتم بالصحة والشفاء، ويشمل العلاج، والوقاية من الأمراض، والبحوث الطبية. وقد استمر تطور الطب من عصور ما قبل التاريخ والعصور القديمة حتى القرن 21.
قدمت منظمة الصحة العالمية (بالإنجليزية: WHO) تعريفاً للصحة عام 1948 والذي نص على أن الصحة هي حالة من المعافاة البدنية والعقلية والاجتماعية التامة، وليس فقط غياب المرض أو العجز. طور ذلك التعريف بعد ذلك عدة مرات ليشمل الصحة النفسية أيضاً.
بدايات الطب ما قبل التاريخ
كانت بدايات الطب الشعبي أو الطب المنزلي في عصور ما قبل التاريخ تعتمد على نظام التجربة والخطأ؛ حيث استخدمت بعض النباتات كغذاء لمعرفة أي منها سامة وأي منها تحمل قيمة طبية وتساعد على الشفاء من الأمراض. وتم التعامل مع بعض الأمراض باستخدام العلاجات العشبية كالإمساك ونزلات البرد. وتجدر الإشارة إلى أن السحر والدين كان لهما دور كبير في ذلك الوقت، حيث كان يصاحب إعطاء الدواء النباتي أو العلاج تعويذة، ورقص، وبعض حيل السحرة، لذلك كان أول الأطباء في العصور القديمة عبارة عن سحرة ومشعوذين. وقد أظهر الأطباء البدائيون حكمتهم من خلال علاج روح وجسد المريض حيث يشعر المريض بتحسن عندما يؤمن كل من الطبيب والمريض بفاعلية الدواء وهذا ما يسمى بالطب الحديث العلاج الوهمي الذي أصبح يستخدم في وقتنا الحالي.
أبقراط أبو الطب الحديث
لا يمكن التحدث عن تاريخ تطور الطب دون ذكر أبقراط أبو الطب الحديث، جاء فكر أبقراط في القرن الخامس قبل الميلاد، ليفصل الارتباط بين الطب والمعتقدات الدينية، والما ورائية، ويربط بينه وبين النظافة الشخصية والبيئية، وهكذا ربط أبقراط بين الطب وعدد من الإجراءات السلوكية والعملية.
اعتمد تعريف أبقراط للمرض على أنه انعدام التوازن بين الأخلاط الأربعة، المرارة السوداء، والمرارة الصفراء، والدم، والبلغم، وبالرغم من أن بعض المناطق حالياً ما لبثت تعتقد في الخرافات كوسيلة للعلاج، إلا أن الطب الحديث والمتقدم شرق الأرض وغربها ما زال يعتمد على مفهوم أبقراط للصحة والمرض.
الطب عند المصريين القدامى
لوحظ أن أقدم سجلات الطب أتت من الحضارة المصرية، حيث استمرت الحضارة المصرية من 3300 إلى 552 قبل الميلاد، فقد آمن المصريون القدماء أن الصلاة حل لكثير من المشاكل الصحية بالإضافة إلى استخدام العلاجات الطبيعية والعلمية مثل الأعشاب، وقد تميز المصريون القدماء بأنهم مجتمع منظم فقد كانوا يتقنون الكتابة والرياضيات، مما مكنهم من تسجيل أفكارهم وتطويرها وإيصالها للأجيال اللاحقة للتعلم منها. واستفاد المصريون القدماء من كونهم تجاراً فعند سفرهم كانوا يأتون بأعشاب من الأراضي البعيدة لاستخدامها في الطب ومعالجة الأمراض. ولقد اكتشف علماء الآثار بعض من السجلات والمخطوطات المكتوبة تصف الممارسات الطبية القديمة للمصريين بما في ذلك معرفة جسم الأنسان عن طريق دراسة المومياوات المحنطة، ومعرفة كيفية عمل القلب والأوعية الدموية، وتشمل المخطوطات أيضا على طرق تنظيم النسل ومعرفة إذا كانت المرأة حاملاً، وبعض النصائح عن مشاكل بشرة، ومشاكل الأسنان، والأمراض المتعلقة بالعيون، وكيفية علاج الخراج جراحياً، بالإضافة إلى كيفية معاينة العظام المكسورة، وعلاج الحروق.
الطب في آسيا
خلال القرن الثاني قبل الميلاد قام بعض أطباء أسرة هان في الصين باستخدام النبيذ وبعض الأعشاب للتخدير. وقد قام طبيب يدعى تشانج تشونج تشينج بعلاج الالتهابات بالديدان وعلاج الربو بالإيفيدرا، وشخص أعراض مرض السكري. ووجدت بعض السجلات الطبية القديمة التي تعود لعائلة هان وتانغ التي تشمل بعض التخصصات كطب الأطفال، وطب العيون، وطب الأسنان بالإضافة إلى طرق التوليد. وتم تطوير الطب الشرعي خلال القرن العاشر بواسطة طبيب يدعى تسنغ سي الذي عمل على إدخال غسل اليدين بالكبريت والخل لتجنب الإصابة أثناء تشريح الجثث. وأجرت الدولة الصينية امتحانات لتأهيل الأطباء في أوائل القرن الأول الميلادي.
الطب عند الرومان
لقد أثرت وجهات نظر أرسطو على التفكير العلمي للألفي سنة قادمة، إذ يعتبر أرسطو أول عالم أحياء فقد درس علم الأحياء ووضع أساس علم التشريح المقارن وعلم الأجنة. وقام طبيب يدعى أسكليبياديس بإعطاء اهتمام خاص للمرضى العقليين، وميز بين الهلوسة والأوهام، ووصف لهم الموسيقى والنبيذ للتهدئة، وبعض التمارين لتحسين الانتباه والذاكرة. ويجدر بالذكر دور الطبيب سورانوس أفسس الذي كان له تأثير قوي في القرن الثاني الميلادي فقد كتب عن الولادة ورعاية الرضع وأمراض النساء، ودعا إلى استخدام وسائل عديدة لمنع الحمل، كما وصف كيفية تسهيل الولادة الصعبة عن طريق قلب الجنين في الرحم. وقد اهتم الرومان بالصحة فبنوا المستشفيات وعينوا أطباء حكوميين للاهتمام بالفقراء.
الطب عند العرب والمسلمين
امتدت مساهمة العلماء المسلمين في مختلف مجالات العلم والطب من القرن الثامن إلى القرن السادس عشر حيث سمي هذا العصر بالعصر الذهبي الإسلامي، كان الطب جزءاً أساسياً من الثقافة الإسلامية في العصور الوسطى، وتم الاستفادة من المعرفة التي تركها الأطباء والعلماء اليونانيون والرومان ورائهم. وقد قام الغرب بترجمة الكثير من كتب الطب كموسوعة الطب لابن سينا التي قدمت ملخصاً واضحاً ومنظماً لكل المعرفة الطبية في ذلك الوقت. وبالإضافة إلى ابن سينا فقد اشتهر الكثير من العلماء الذين عملوا في عدد كبير من مختلف المجالات كالرازي وابن النفيس فقد كتبوا في علم وظائف الأعضاء، وطب العيون، وعلم الأجنة، وعلم النفس، والفلسفة والقانون. وأسس العرب والمسلمين الكثير من المؤسسات والمدارس العلمية التي عمل بها باحثون لجمع المعلومات وتطويرها.
الطب في العصور الوسطى
تعد العصور الوسطى من أسوأ المراحل التي مرت بتاريخ الطب، ففي أواسط القرن الثالث عشر كان متوسط عمر الفرد يتراوح ما بين 30، و35 عاماً. زادت وفيات الأطفال حديثي الولادة، ومات نحو 20% من الأطفال قبل أن يتموا عامهم الأول. فقدت الكثير من النساء حياتها أثناء الولادة، ومات الناس نتيجة إصابات أو عدوى بسيطة مثل الجذام (مرض يصيب أجزاء من الجسم والجهاز العصبي)، أو الجدري (مرض جلدي فيروسي يصاحبه حمى وتقرحات)، تراجع الطب تماماً إلى وسائل بدائية واكتفى بالأعشاب، وإراقة بعض الدماء، والكثير من الطرق الخارقة للطبيعة، وحظر التشريح فلم يفهم الأطباء كنه الجسم البشري أو ما يحدث بداخله.
لم يعرف الأطباء سبباً حقيقاً للمرض، وألقوا باللوم على كل شيء بداية من النجوم، والأرواح، والخطايا، والشياطين، ونهاية بالروائح الكريهة. ووضعوا ثقتهم وأحلامهم في خوارق الطبيعة مثل الحظ، والنجوم، ورغم كل تلك الممارسات الخاطئة، إلا أن الطب الحديث يقر بنجاح بعض تلك الوسائل مثل المداواة بالأعشاب.
الطب في بدايات العصر الحديث
بدأ اكتشاف نظريات علمية هامة بذلك الوقت، مثل اكتشاف ويليام هارفي للدورة الدموية عام 1628، وملاحظات وتدوينات أنتون فان عن البكتيريا عام 1683، لكن رغم ذلك مازال الأطباء لا يعلمون شيئاً عن الجراثيم وكونها سبب الأمراض. ألقى الأطباء اللوم على الرائحة الكريهة (عرض للتسمم)، وذلك حتى منتصف القرن التاسع عشر، ووقف الأطباء عاجزين عن التصرف أمام وباء مثل الطاعون عام 1665.
كانت هناك بعض تجارب الجراحة المتواضعة والتي اعتمدت على التجربة والخطأ، أما فيما يتعلق بالصحة العامة، فكانت متدنية للغاية، حيث امتلأت الطرقات بالقمامة والمخلفات البشرية.
الطب في القرن التاسع عشر
بدأت الأمور في التحسن مع بداية القرن 19، حتى وصل متوسط عمر الفرد الغني والمرفه إلى 52 عاماً، ولكن مازال متوسط عمر العامل بالمدن منخفضاً جداً حتى أنه يصل إلى 15 عاماً.
بدأت سلسلة من الاكتشافات من أهمها التالي ذكره:
- أثبت لويس باستور أن الجراثيم تسبب الأمراض عام 1864.
- عرف روبرت كوخ أنواعاً مختلفة من البكتيريا.
- اكتشفت الفيروسات، وأثبت أن البعوض ناقل للملاريا.
- بدأ اكتشاف فكرة اللقاحات والتطعيم عام 1798، حين حقن إدوارد جينير صبي بمادة من قيح فتاة مصابة بجدري البقر، ثم أعاد حقن الصبي بفيروس الجدري، فلم يصب الصبي بالجدري. أصبح التلقيح مجاناً للأطفال عام 1840، ثم أصبح إلزامياً عام 1853. وقد اختفى الجدري من العالم تماماً.
- كان اكتشاف التخدير علامة فارقة أيضاً، حيث عرف جيمس سيمبسون الكلوروفورم عام 1847، مما أدى إلى ارتفاع معدل نجاح الجراحات. لم يرغب الناس كثيراً في استعمال المخدر لاعتقاد بعض الأطباء أن الألم يساعد على الشفاء، حتى قبلت الملكة فيكتوريا استعماله في ولادة طفلها.
- ساعد اكتشاف الأشعة السينية عام 1895 الأطباء على التشخيص وتحديد العلاج.
بحلول تسعينيات القرن 19، أجريت الجراحات المعقمة بصفة منتظمة مثل إزالة الزائدة الدودية، واستخدمت القفازات، وطهر الأطباء أيديهم قبل الجراحة.
اقرأ أيضاً: مقدمة الجراحة عند العرب
الطب في القرن العشرون
ارتفع متوسط عمر الفرد في القرن 20 إلى 73 للرجال، و78 للنساء، قفز العلم والطب قفزات هائلة في القرن العشرين نذكر بعضها في النقاط الآتية:
- اخترع فيليم أينتهوفن من هولندا جهاز تخطيط القلب الكهربائي.
- اكتشف كارل لاندشتاينر فصائل الدم عام 1901.
- اكتشف العالمان تشاين وفلوري البنسلين في ثلاثينيات القرن 20، مهتدين بخطوات العالم الكسندر فليمنج.
- فعل مشروع الجينوم البشري والذي مسح جميع الجينات بجسم الإنسان والبالغ عددها 400,000، وذلك في تسعينيات القرن الماضي.
- ولد أول طفل أنابيب عام 1978.
- أجريت أول جراحة تجميلية لطيارين مشوهين عام 1967.
طورت العديد من قوانين التأمين الصحي والضمان الإجتماعي لحماية حقوق العمال، والأطفال، والمسنين، والفقراء، والمرأة الحامل أيضاً.
اقرأ أيضاً: تاريخ الطب عند العرب و المسلمين بين النظري و التطبيقي
الطب في القرن الواحد والعشرون
انطلق الطب والعلوم كلها بصفة عامة في القرن 21 إلى أبعاد وآفاق لم يسبق لها مثيل، مثل نجاح أول عملية لزراعة الوجه عام 2005، وزراعة الساق عام 2011، وزراعة الرحم عام 2013.
مازال أمام الطب أشواطاً كثيرة ليقطعها، فرغم كل ذلك التطور والنجاح، هناك بعض الأمراض يقف الطب أمامها عاجزاً مثل بعض أنواع السرطان، والزهايمر، والإيبولا، والإيدز.