يتواجد على أرض الجزائر، نوعان من العلاج والطب، أحدهما الطب الحديث المعاصر، والآخر هو الطب الموروث الشعبي، وعلى الرغم من التقدم الكبير المتسارع في العلم والتكنولوجيا، إلا أن الطب الموروث يظل له قدسيته ومكانته في المجتمع الجزائري.
وحتى هذه اللحظة هناك جدال ونقاش مجتمعي كبير حول علاقة الطب الشعبي والطب العلمي، كونها علاقة عكسية أم علاقة تكاملية.
اقرأ ايضاً: لماذا يلجأ الناس الى العلاج الشعبي
اصطلاح الطب الشعبي
هذا المصطلح المعروف باسم الطب الشعبي أو التقليدي، له تعريفات كثيرة ترجع لاختلاف في وجهات نظر كل من يحاول تعريف وتوضيح معنى المصطلح، على سبيل المثال، يرى ميلر أن الطب الشعبي، هو الرجوع للثقافة الموروثة، بكل ما تحتويه من مناحي للحياة، سواء كانت اجتماعية، أو صحية، ويربط ميلر الطب الشعبي والحفاظ عليه بالتمسك بالهوية.
كذلك يرى كلاً من سول تاكس، وكليفورد غيرتز، أن الحفاظ على الطب الشعبي من قبل المجتمع هو انعكاس لمحافظة أفراد هذا المجتمع على أصولهم، لأنه السبيل الأساسي لاكتساب قوتهم وانتمائهم، في حين أن منظمة الصحة العالمية، تعتبر الطب الشعبي لوناً من ألوان الطب التقليدية التاريخية التي ظهرت قبل الطب العلمي المعاصر على مر الزمن.
أنواع الطب الشعبي في غرب الجزائر
إن المراقب لمنطقة حوض تافنة بغرب الجزائر يجد أن هناك الكثير من الممارسات التي يلجأ إليها الناس للتداوي والشفاء، ومنها التالي:
العلاج بالأعشاب
تشير إحصائيات حماية المستهلكين في الجزائر إلى أن أكثر من نصف السكان في الجزائر، يستخدمون الوصفات العُشبية والزيتية، ويفضلونها على الذهاب لزيارة الطبيب، كذلك فإن الأعداد الكبيرة جداً للعشابين والتي تخطت حاجز الثلاثة آلاف في غرب الجزائر فقط، زاد من رواج هذه الوصفات والعلاجات بين السكان، ويبدو أن ارتفاع أسعار الدواء عالمياً وبالتالي محلياً، كان الدافع الرئيسي لاستمرار وازدهار هذا العلاج.
وينقسم التداوي بالأعشاب في غرب الجزائر إلى قسمين، القسم الأول وهم من يذهبون للطبيب، ويعرفون طبيعة المرض ثم يذهبون لجلب العلاج العُشبي بدلاً من الصيدلية، والقسم الثاني يترك للمعالج بالأعشاب مهمة التشخيص وكذلك العلاج معاً.
لكن المُعضلة الحقيقية التي تواجه هذا العلاج التقليدي، الخلط بين من يقدمون الأعشاب كعلاج حقيقي، وبين من يستعملون نفس الأعشاب في السحر والشعوذة.
اقرأ أيضاً: الوصفات العلاجية الشعبية في منطقة الغرب الجزائري
العلاج بالكّي
إن من فطرة البشر أنهم يخافون مس النار أو ملامستها لجسدهم، لكنهم في بعض الثقافات يلجأون للنار في علاج ما تعذر على الطب المعاصر علاجه، وفي قرى الغرب الجزائري، يتواجد الكثير من الأشخاص الذين يعالجون بالكي، يوجد في قرية الخرارزة أحد أشهر الناس في استخدام الكي لعلاج الناس، الذي يعالج الناس من آلام المفاصل والكسور والغضاريف.
الغريب أن أعداد المرضى الذين يتوافدون على هذا الحاج يتزايدون يوماً عن الآخر وذلك بعد فشل الطب الحديث في تخليصهم من آلامهم وعلاجهم، كذلك أظهرت العديد من الدراسات عن العلاج بالنار في الغرب الجزائري، أن النسبة الكبرى للمعالجين من الرجال أكثر من السيدات المعالجات.
كما تنحصر هذه المهنة في الغالب على المُعمرين والعجائز، الذين ورثوها من أجداد الأجداد، وأن أكثر المعالجين والمعالجات من أشخاص أميين لم يتلقوا قسطاً من التعليم، وأنهم في أفضل الظروف لم يتخطوا المرحلة الابتدائية.
العلاج بالحجامة
إن معنى الكلمة أصلاً قد اُشتق من كلمة حَجَمَ وحَجَّمَ، ومعناها العودة للحجم الطبيعي، وكذلك منع تقدم المرض بالجسم.
بدأ هذا النوع من العلاج منذ الفراعنة، ثم أعاد الإسلام اكتشافه واستخدامه. برغم أن الحجامة من أنواع الطب الذي يلقى احتراماً وقبولاً من الطب الحديث، ومن منظمات صحية عالمية، إلا أن كثيراً من الناس استغلوا ذلك في إضفاء لمسة الدجل والشعوذة لهذا الطب التقليدي القديم، وفي غرب الجزائر، العديد من المعالجين الذين ورثوا هذه المهنة أو نقلوها من بلاد الشام. وفي الحجامة وسيلة بسيطة لتنشيط الدورة الدموية بل والجسد كله، دون آثار جانبية لهذه العملية.
بل إن هناك الكثير من الأطباء في الجزائر تحولوا لممارسة الحجامة وأطلقوا عليها اسم الحجامة الطبية، واستخدموها في علاج الكثير والكثير من الأمراض، مثل الجهاز الهضمي، وآلام المفاصل والظهر، وعلاج الأوعية الدموية والقلب، وعلاج آلام الرقبة، وعلاج العقم والإجهاض المتكرر، كذلك علاج الكسل والاكتئاب، وضعف الذاكرة، والقولون العصبي، وعلاج الربو.
للمزيد: آلام الرقبة، الأسباب والعلاج
العلاج بالتجبير
ويسمى المعالج المجبراتي، وهو علاج قديم الهدف منه إصلاح الكسور، أو علاج الالتواءات في مفاصل الجسم المختلفة، وبرغم قلة عدد المعالجين بهذه الطريقة، وانحسار العلاج بها لكثرة أطباء العظام، والمستشفيات الخاصة بالعظام، لكن يظل في غرب الجزائر الكثير من المريدين لهذا اللون العلاجي.
ويرجع استمرار الطلب على العلاج بالتجبير في غرب الجزائر، إلى عدة أسباب منها، سهولة الطرق والأدوات المستخدمة في العلاج، وكذلك عدم الحاجة للمكوث في أروقة المصحات والمستشفيات، وأيضاً لانخفاض سعره مقابل الطب الحديث.
ولا يقتصر هذا العلاج على الأشخاص غير المتعلمين فقط كما في بعض العلاجات التقليدية الأخرى، بل امتد ليشمل معالجين من ذوي التعليم العالي، ومن أشهر العلاجات التي يقدمها المجبراتي في غرب الجزائر حالياً، علاج الغضروف، والفقرات في العمود الفقري.
اقرأ أيضاً: علاج الديسك او الانزلاق الغضروفي
الختان
ينتشر هذا العلاج التقليدي للأطفال الصبيان والبنات في كثير من البلدان، الأفريقية تحديداً وبعض الدول الآسيوية والعربية، وإذا كانت جميع المنظمات تكافح من أجل وقف عملية ختان الإناث، إلا أن العديد من البلدان تتجاهل كل هذه التحذيرات من ختان الإناث، بسبب موروثها الثقافي تارة ومعتقداتها الدينية تارة أخرى.
وفي غرب الجزائر هناك طقوساً خاصة، مع ختان الصبيان بالتحديد. فالبعض يربط عملية الختان بموسم ديني، مثل شهر رمضان، وليلة القدر، وغيرها من المناسبات الدينية، وعلى الرغم من أن منظمة الصحة العالمية، تمنع منعاً باتاً ختان الإناث، وتضع البرامج والخطط لمحاربة ذلك، لكن الطهّار لا يزال له وجوداً ملموساً في القرى والمناطق النائية بغرب الجزائر.
العلاج بالتدليك
كان يُطلق على القائمين بهذا العلاج اسم المسّادون، ولفترات طويلة، اقتصر هذا العلاج على الإناث، وكانت المسّادة تقوم بالتدليك في الحمامات الشهيرة، وكذلك تقوم بعملية التوليد، ولا زالت هذه المهنة تصارع البقاء، بعد انتشار العديد من المراكز التي تعتني بالجمال والتي جعلت من التدليك وسيلة حديثة حتى تستعيد المرأة نشاطها وحيويتها. وفي الآونة الأخيرة، صار الرواد من الإناث والرجال معاً، للتخلص من أعباء العمل واستعادة اللياقة.
اقرأ أيضاً: التدليك الذاتي علاج طبيعي لتنشيط الدورة الدموية
العلاج الروحاني
بدأت رحلة العلاج الروحاني مع الرُقية الشرعية، وهي لها عند الثقافة الدينية الإسلامية قدسية خاصة، ثم تطور الأمر لعلاج حالات تلبُّس الجن للجسد البشري، والذي تدور حوله المعارك والنقاشات بين فريقين أحدهما يؤيد والآخر يُنكر تماماً وجود مس من الجن للبشر.
ومؤخراً وصل الأمر إلى استخدام العلاج بالقرأن في حالات مرضية مُستعصية مثل السرطان والسُكّري، بل أن منطقة الغرب الجزائري، جاري العمل فيها على إنشاء أول مستشفى في العالم متخصصة في العلاج بالقرأن، وذلك لعلاج الحالات النفسية ومن دون الاستعانة بالمتخصصين النفسيين في هذا المجال.
وتعود فكرة المستشفى، والتي تُشبه لحد كبير فكرة المصحات النفسية، مع اختلاف الأدوات المستخدمة، إلى جمعية تُسمى جمعية البشائر، وهذه الجمعية قد أُثير حولها لغطاً كبيراً منذ عام 2013 حيث قررت الحكومة غلقها، ثم عاودت فتحها والسماح لها بالعمل، بل وإنشاء مستشفى كبيرة متخصصة.