نشأ فيروس كورونا المستجد (بالإنجليزية: Corona) في الصين وانتشر بسرعة في جميع القارات، مما أدى إلى تصنيفه كوباء عالمي أو جائحة من قبل منظمة الصحة العالمية، ومع ذلك، هناك بعض الاختلافات اللافتة للنظر حول كيفية نشاط هذا الفيروس في دول مختلفة، على سبيل المثال، معدل الإصابات والوفيات الناجمة عن الفيروس مرتفعة جدا في الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا، في المقابل، هناك بعض الدول التي لا يلاحظ فيها مثل هذا الارتفاع مثل اليابان، وقد أرجع العديد من الباحثين هذه الاختلافات المحيرة إلى اختلاف الثقافات الصحية والاختلاف في معايير الرعاية الطبية، غير أن بعض الباحثين قد أرجع هذه الاختلافات إلى لقاح السل، وهو ما سنتناوله في هذه المقالة.
ما هو لقاح السل؟
يحتوي لقاح السل على سلالة حية ضعيفة من المتفطرة البقرية، يعطى هذا اللقاح للأطفال في السنة الأولى من ولادتهم في معظم دول العالم، وهو آمن ورخيص، كما يمنع حوالي 60٪ من حالات السل لدى الأطفال.
يتم الآن اختبار لقاح السل الذي تم تطويره قبل مئة عام لمكافحة مرض السل في أوروبا ضد فيروس كورونا من قبل العلماء الراغبين في إيجاد طريقة سريعة لحماية العاملين في مجال الرعاية الصحية من المضاعفات المحتملة جراء الإصابة بهذا الفيروس.
لا يزال لقاح (Bacillus Calmette-Guerin) الذي يعرف اختصاراً ب (BCG) يستخدم على نطاق واسع في دول العالم النامي، حيث وجد العلماء أنه يقوم بما هو أكثر من مجرد الوقاية من السل، حيث يمنع هذا اللقاح وفيات الرضع من مجموعة متنوعة من الأسباب، ويقلل بشكل واضح من حالات التهابات الجهاز التنفسي.
تم تسمية هذا اللقاح على اسم المخترعين، عالما الأحياء الدقيقة الفرنسيين، الدكتور ألبرت كالميت والدكتور كاميل غيرين، اللذان عملا على تطويره في أوائل القرن العشرين من المتفطرة البقرية، وهي شكل من أشكال السل يصيب الماشية.
مثل اللقاحات الأخرى ، فإن لقاح السل له هدف محدد وهو الوقاية من الإصابة بالسل، لكن الأدلة المتراكمة خلال الفترة الماضية تشير إلى أن هذا اللقاح له العديد من الآثار الإضافية، مثل كونه يقلل من خطر الإصابة بالأمراض الفيروسية، والتهابات الجهاز التنفسي، كما يعمل على تعزيز الجهاز المناعي في الجسم.
لقاح السل وفيروس كورونا
يقول الخبراء إن اللقاح يساعد الجهاز المناعي على التعرف على مجموعة متنوعة من أنواع العدوى والتصدي لها، بما في ذلك الفيروسات، والبكتيريا، والطفيليات. لا يوجد دليل حتى الآن على أن هذا اللقاح سيخفف من العدوى الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا المستجد، لكن سلسلة من التجارب السريرية قد تجيب على هذا السؤال في غضون أشهر قليلة.
بدأ العلماء في ملبورن، في أستراليا، منذ بضعة أسابيع في إعطاء لقاح السل أو دواء وهمي لآلاف الأطباء والممرضات وغيرهم من العاملين في مجال الرعاية الصحية، حيث تعد هذه التجربة هي الأولى من بين عدة تجارب عشوائية تهدف إلى اختبار فعالية اللقاح ضد فيروس كورونا.
يقول دكتور نايجل كيرتس، أستاذ الأمراض المعدية في جامعة ملبورن ومعهد أبحاث أطفال مردوخ، الذي خطط لهذه الدراسة: "لا أحد يقول أن هذا هو الحل الناجع لعلاج فيروس كورونا، ولكن كل ما نريده هو تقليل الوقت الذي يحتاجه المصابون من أفراد الطاقم الطبي حتى يتعافوا بشكل كامل ويمكنهم العودة إلى العمل بشكل أسرع."
وقد بدأت أيضا تجربة سريرية أخرى في هولندا لبيان مدى تأثير لقاح السل في تقليل المضاعفات والوفيات الناجمة عن فيروس كورونا المستجد، وقد أجريت هذه الدراسة على 1000 من العاملين في مجال الرعاية الصحية في ثمانية مستشفيات هولندية، وكما هو الحال في أستراليا، سيحصل نصف المشاركين على لقاح السل، بينما يحصل النصف الآخر على دواء وهمي.
تسعى الدكتورة دينيس فوستمان، أستاذة علم الأحياء المناعي في مستشفى ماساتشوستس العام، في الولايات المتحدة الأمريكية للحصول على تمويل لبدء تجربة سريرية لإعطاء هذا اللقاح لعدد من العاملين في مجال الرعاية الصحية في مدينة بوسطن. يمكن أن تكون النتائج الأولية لهذه التجربة متاحة في أقل من أربعة أشهر. تقول الدكتورة فوستمان: "لدينا بالفعل بيانات قوية من التجارب السريرية على البشر بأن هذا اللقاح يساهم في الحماية من العدوى الفيروسية والطفيلية".
كما وجد تحليل حديث لعدد الوفيات المتفاوت الذي أحدثه فيروس كورونا المستجد على الدول ذات الدخل المتوسط والعالي وجود ارتباط مع لقاح السل، حيث خلص هذا التحليل إلى أن الدول التي لا يوجد لديها برامج للتطعيم بلقاح السل، (مثل إيطاليا، وهولندا، والولايات المتحدة الأمريكية) أو الدول التي لها بداية متأخرة في برامج التطعيم بلقاح السل (مثل إيران التي بدأت عام 1984)، كان لديها المزيد من الإصابات بفيروس كورونا، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الوفيات لديها، مقارنة بالدول التي لديها برامج للتطعيم بلقاح السل. (تم استبعاد الدول ذات الدخل المنخفض من هذا التحليل بسبب البيانات غير الموثوقة لتقارير الإصابات والوفيات، فضلا عن ضعف الأنظمة الطبية بشكل عام).