الجفاف عند الأطفال
قبل فترة كتبنا مقالاً عن "القاتل الصامت" الذي عادةً ما يكون ضحاياه من الذين تجاوزوا سن الأربعين ولعل القتلة والمجرمون لازالوا يلاحقوننا ويهددون مصيرنا ومصير أطفالنا لذلك لا بد من الحديث اليوم عن قاتل آخر ومن طراز مختلف، قاتل محترف، يقتل الأطفال الذين لم يتجاوزوا الخامسة من عمرهم بدمٍ بارد وتحت أنظار الجميع. وعلى الرغم من أنه مفضوح ومن الممكن إيقافه عن إرتكاب الجريمة إلا أنه ينجو بفعلته في أوقات كثيرة نتيجة الإهمال ونقص الثقافة لدى المسؤولين عن حماية ضحاياه. هل أصابكم الفضول وتشوقتم لمعرفة هذا "القاتل المفضوح"؟…إنه "الجفاف عند الأطفال".
يعتبر الجفاف أحد أهم الأسباب المؤدية إلى وفاة الأطفال في سنوات حياتهم الأولى، وهو أحد أخطر مضاعفات الإسهال؛ ثاني الأسباب المؤدية إلى موت الأطفال دون سن الخامسة طبقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية. ويُعرَّف الجفاف بأنه نقص سوائل الجسم الواجب توفرها للقيام بالفعاليات الأيضية، ويعتبر من التحديات المهمة التي تواجه أطباء الأطفال والعاملين في مراكز الرعاية الصحية الأولية ووحدات طوارئ الأطفال، ليس بسبب صعوبة علاجه ولكن لقلة الوعي عند أغلب الأمهات والآباء خصوصاً في مجتمعنا حيث الثقافة الطبية عادة ما تكون متدنية وكذلك الجانب التوعوي.
وكما أسلفنا فان أعراض الجفاف وعلاماته واضحة ومفضوحة ومن السهل نسبياً تشخيص الحالة حتى من قبل والدي الطفل، لكن ما يحدث هو أن ينصب جُل إهتمام الأهل على إعطاء الطفل بعض المضادات الحيوية والأدوية لإيقاف الإسهال دون إعطاء الطفل السوائل المطلوبة لتعويض النقص الحاصل في سوائل الجسم وبالتالي تتدهور حالته العامة في فترة قصيرة وتسوء أكثر وأكثر، وهنا يكون التدخل الطبي أكثر صعوبة وقد تخرج الأمور عن السيطرة في بعض الأحيان. ونحن هنا لا نريد أن نُسهب أكثر فسوف نتحدث مباشرة عن المشكلة ودرجات خطورتها وكيفية علاجها.
أسباب الجفاف عند الأطفال
- يمثل فقدان السوائل عن طريق الاسهال والتقيؤ السبب الرئيسي للجفاف عند الأطفال خصوصاً إذا أخذنا بالحسبان عدم قدرة الطفل الصغير على إخبارنا عن عطشه وحاجته للماء.
- الإصابة بالحمى الشديدة.
- التعرق الشديد.
- التبول بكثرة.
- في حالات الحروق.
لكن يبقى الإسهال هو السبب الأهم. للمزيد: إسهال وجفاف الأطفال.
أعراض وعلامات الجفاف عند الأطفال
وكما أسلفنا فإن علامات وأعراض الجفاف واضحة وسهلة التشخيص في حال كان الشخص الفاحص مطلعاً عليها وهي تتراوح في الوضوح حسب شدة الحالة كالتالي:
- فالطفل المصاب بالجفاف نلاحظ أن عيونه غائرة وفاقدة للبريق مع قلة الدموع عند البكاء.
- قلة عدد مرات التبول.
- يكون فمه جافاً وجلده قليل المرونة؛ فإذا قمنا بجذب جزءاً من الجلد وتركناه فإنه لا يرجع إلى وضعه الطبيعي بسهولة ومرونة.
- الطفل المصاب بالجفاف أما أن تشاهده يشرب الماء والسوائل بلهفة أو قد يكون غير قادر على الشرب تماماً ويتدهور وعيه في الحالات المتقدمة.
أنواع وطرق علاج الجفاف عند الأطفال
الجفاف خطير جداً وخطورته تكمن بأنه قد يقود الى ما يعرف بالصدمة الوعائية التي من شأنها أن تؤدي إلى ضعف قدرة أعضاء الجسم على القيام بوظائفها الطبيعية ولعل أبرز هذه الأعضاء هي الكلية التي قد تصاب بالعجز الحاد نتيجة حدوث الصدمة الوعائية.
لأن الجفاف شائع الحدوث جداً ويؤدي لقتل ملايين الأطفال حول العالم كل عام خصوصاً في المجتمعات الفقيرة وقليلة الثقافة الطبية، فقد إهتمت المنظمات العالمية وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية بتشخيصه وعلاجه وقد وضعت هذه المنظمة ثلاث خطط للتعامل مع الجفاف وحسب شدته حيث قسمت الجفاف في الأطفال المصابين بالإسهال الى هذه المستويات:
أولا: لا يوجد جفاف
ونستطيع أن نضع الطفل في هذه الخانة في حال كان يعاني من الإسهال وليس لديه علامات كافية لتصنيفه كمصاب بالجفاف. وعلاج هذه الحالة يكون طبقاً للخطة (أ) والتي تتضمن العلاج في البيت بإعطاء الطفل المزيد من السوائل، بالإضافة إلى حبوب الزنك لمدة 14-10 يوماً، مع توجيه النصيحة للأم بأن تستمر بإرضاع الطفل، وبأن تعود للمستشفى فوراً في حال لاحظت أي من العلامات التالية:
- تدهور حالة الطفل.
- فقدان القدرة على الرضاعة أو الشرب أو ضعف القدرة على الشرب.
- إرتفاع درجة الحرارة.
- خروج دم مع الإخراج.
ثانياً: وجود بعض الجفاف
وهنا يكون الطفل لديه إثنين أو أكثر من هذه العلامات: تهيج مفرط، عيون غائرة، عطش وشرب السوائل بلهفة، فقدان مرونة الجلد ورجوعه ببطء في حال جذبه وتركه.
وعلاج هذه الحالة يكون بإتباع الخطة (ب) والتي تتضمن العلاج ما يلي:
- إعطاء محلول الإرواء الفموي حسب وزن الطفل في العيادة او المستشفى لمدة أربع ساعات على الأقل.
- وتعليم الأم على كيفية إعطاء محلول الإرواء الفموي عن طريق ملعقة صغيرة كل دقيقة أو دقيقتين في حال كان الطفل أصغر من سنتين، وعن طريق رشفات من الكوب في حال كان أكبر من ذلك.
- مع مراقبة الطفل في حال حدثت لديه أي مشكلة كالتقيؤ، حيث ننصح الأم هنا بأن تتوقف وتعاود إعطاء المحلول بعد عشرة دقائق ببطء (ملعقة صغيرة كل دقيقتين أو ثلاثة).
- والاستمرار في الرضاعة الطبيعية كلما احتاج الطفل، ومراقبة نسبة السكر والأملاح في حال كان الطفل متهيجاً أو أصابه صرع.
- إعادة تقييم حالة الطفل بعد أربع ساعات.
- وننظر فيما إذا كان الطفل ليس لديه علامات جفاف فنتبع الخطة (أ) في العلاج، وفي حال كان لديه علامتين أو أكثر من علامات الجفاف في "ثانياً" فنعيد تطبيق الخطة (ب)، أما إذا كان الجفاف شديداً فنتبع الخطة (ج) والتي سنأتي على ذكرها في الأسطر القادمة.
ثالثاً: الجفاف الشديد
ونضع الطفل في هذه الخانة إذا كان لديه علامتين أو أكثر من العلامات التالية: فتور أو فقدان للوعي، عيون غائرة، قلة الشرب أو عدم القدرة عليه تماماً، قلة مرونة الجلد بحيث يتأخر رجوعه لوضعه الطبيعي (ثانيتين أو أكثر) في حال جذبه وتركه.
وعلاج حالة الجفاف الشديد يجب أن يكون في المستشفى وحسب الخطة (ج) والتي تتضمن ما يلي:
- إعطاء المحاليل الوريدية حالاً إعتماداً على وزن وعمر الطفل خلال 6-3 ساعات مع مراقبة شديدة لحالة الطفل ونبضه كل ربع او نصف ساعة إلى حين تحسن النبض.
- وبعدها نعيد تقييم شدة الجفاف على الأقل كل ساعة، للتأكد من أن الطفل في حالة تحسن مع إعطاء محلول الإرواء الفموي (حوالي 5 مليلتر لكل كيلو غرام من وزن الطفل في الساعة) في حال كان الطفل قادراً على الشرب، هذا المحلول سوف يساعد في توفير عنصر البوتاسيوم للطفل والذي قد لا يوفره المحلول الوريدي.
- بعد إكمال مدة إعطاء المحلول الوريدي نقيّم حالة الطفل مرة أخرى لنضعه في أيّ من الخانات الثلاثة آنفة الذكر ونعالجه طبقاً لها مع عدم نسيان إعطاء الزنك بعد تحسن الحالة، أمّا في حال كان الطفل في منطقة موبوءة بالكوليرا فيجب إعطاؤه المضادات الحيوية المناسبة.
وبهذا نكون قد سلّطنا الضوء على أحد أهم "القتلة" الذين يفتكون بنا وبأطفالنا لقلة ثقافتنا أو لضعف وعيّنا الصحي ونتمنى أن نكون قد وُفّقنا في ذلك.