تعتقد الكثير من الأمهات أن أطفالهن لا يريدون القيام بالمهمات والرسائل الموجهة لأطفالهم، حيث تشكو نسبة كبيرة من الأمهات من أن أطفالهن لا يستمعون الى الكلام أو التوجيهات، وتحتاج الأم لتكرار ما تقول مرات ومرات قبل أن يقوم الطفل بعمل المهمة المطلوبة منه. غالباً ما تعتقد الأم أن الطفل سمع الأمر ولكنه لا يريد تنفيذه، أو أن الطفل لا يصغي للكلام أصلاً.
الاستماع والاصغاء هو أحد أهم المهارات المتعلمة التي يطورها الطفل خلال مراحل حياته المختلفة. والمقصود بذلك ليس مجرد عملية السمع، فكل شخص يمتلك حاسة سمع سليمة يستطيع أن يسمع الأصوات المختلفة، ولكن المقصود هو الاستماع الفعال لما يقوله الشخص الآخر، وفهم هذا الأمر، ثم حفظه أو تنفيذه أو القيام بالفعل المناسب له. تعلم الطفل للاستماع بشكل جيد ينعكس على اكتسابه المعلومات خلال المدرسة بشكل سليم، والاستماع هو الخطوة الأولى بجانب الحواس الخمسة الأخرى لإدخال المعلومات لِيقوم الدماغ بتحليلها ثم توظيفها في الأماكن المناسبة لها.
يمكن أن يشارك الأبوين في تطوير وتحسين مهارة الاستماع عند أطفالهم خصوصاً عندما يدرك الابوين أنهما العامل الرئيسي في نمو أطفالهم وتطورهم العقلي والفكري بشكل سليم. على الرغم من كل المؤثرات الخارجية من البيئة المحيطة، والعائلة، والأصدقاء، إلا أن نوعية الأبوة والأمومة هي المؤشر الأكثر قبولا على نطاق واسع للصحة العقلية للأطفال. والصحة العقلية للطفل هي نمو الطفل بشكل خال من المشاكل النفسية مع وجود قوة ورفاه نفسي وجسدي.
للمزيد: أهمية الصحة العقلية والنفسية للأطفال
يكون الأبوين مؤثرين بشكل أساسي في نمو وتطور الطفل من خلال كونهم المرجع الأساسي لكل تصرفات الطفل، فالطفل يتعلم طريقة حديث والديه، وكيف تكون ردة أفعالهم عند حدوث موقف معين، مثل رؤية شخص غريب، فالطفل في عمر السنة ينظر الى والديه مباشرة ليرى ما هو رد الفعل المناسب لمثل هذا الموقف الجديد بالنسبة إليه. أيضاً يطور الطفل بشكل تدريجي مشاعره تجاه المحفزات الإيجابية وعلاقتها بالفعل الذي قام به أو المؤثر السلبي ويكرر الفعل أو يمتنع عنه بناءً على ذلك.
كل هذه الأمور يمكن أن تجعل الابوين يدركان بشكل أكبر مقدار تأثير طريقة تعاملهم مع الطفل خلال الحياة اليومية وكيف يمكن أن يطورو مهارة الاستماع لديه.
القراءة للطفل
تعتبر قراءة القصص المصورة للأطفال من الطرق المفيدة جداً في تطوير مهارة الاستماع عند الطفل منذ مرحلة الرضاعة، الى جانب اعطاء الطفل مهارات لغوية إضافية، فقد أثبتت الدراسات ارتباط القراءة للطفل الرضيع بعمر مبكر بزيادة تحصيله الدراسي في الصفوف الأولى في المدرسة وقدرته على تعلم القراءة والكتابة بشكل أسرع.
يمكن أن يبدأ الابوين بالقراءة للطفل من عمر الـ 6 أشهر، ويجب أن تكون القراءة بصوت واضح وأن يتم وصف الأشكال والأحداث على شكل محادثة بين الشخصيات الموجودة في القصة. هذا الاسلوب يطور مهارة الاستماع عند الطفل ويساعد على تطوره العقلي بشكل سليم حتى لو كان الطفل مشغولاً أثناء القراءة بلعبة أخرى لكن مع الوقت سيتعلم الاستماع ويتفاعل بشكل تدريجي من القصة حسب مرحلته العمرية.
القراءة للطفل تزيد من مخزون المصطلحات اللغوية لديه، وتقوم بإثراء ترابط اللغة وسرعة القيام بالعمليات العقلية. كل ذلك ينعكس على أداء الطفل خلال مراحل المدرسة الأولى، فقدرته على الاستماع تتطور وتتحسن، وبالتالي فهمه للرسائل والمعلومات الموجه إليه يكون بشكل أفضل مما يعطيه الامكانية للتعلم بشكل أفضل.
للمزيد: تشجيع الأطفال على القراءة
تطبيق ألعاب الاستماع الجيد
يمكن تطبيق العاب الاستماع الجيد مع الأطفال في المراحل العمرية التي يستطيعون فيها التحدث، حيث يمكن أن يقرأ أحد الأبوين القصة للطفل، ثم يقوم بسردها مرة أخرى مع تغير بسيط في الأحداث. إذا كان الطفل يصغي بشكل جيد فإنه سينتبه للتغيرات التي حصلت. ويمكن أيضاً عكس الأدوار وجعل الطفل يقوم بدور راوي القصة لتعزيز المهارات الكلامية والثقة بالنفس لديه.
الاستماع للطفل بانتباه كامل
عند التعامل مع الطفل من المهم الانتباه الى التصرفات التي يقوم بها الشخص بشكل جيد، فعند التحدث مع الطفل الحرص على الانخفاض إلى ارتفاع مناسب له، والقيام بتواصل بصري فعال معه، مع الاستماع له بانتباه كامل دون الانشغال بمشاهدة التلفاز أو عمل أي شيء آخر. هذا التصرف يجعل الطفل يتعلم بشكل لا واعي أنه عندما يتحدث معه شخص يجب أن ينتبه تماماً له.
عمل حوار مع الطفل
يحتاج الإنسان في مختلف مراحله العمرية شخص آخر ليتحدث معه ويشاركه تفاصيل يومه ويساعده على حل مشكلاته، وتحديداً في مرحلة الطفولة يكون هذا الأمر طريقة مهمة في تطوير نضج الطفل الفكري. لذلك يعتبر الحرص على فتح باب الحوار مع الطفل وسؤاله عن يومه، وأفكاره، وأحلامه، ومخاوفه أحد أهم أساليب التربية، لأنها تشعر الطفل باستقلاليتُه وأهميته الذاتية، كما أنها تعزز طريقة التفكير لديه، وجودة الكلام، والقدرة على الربط والتحليل. أيضاً إخبار الابوين الطفل عما يحدث في يومهم وجعل العملية متبادلة يربي طفلا مستمع يحترم الطرف الآخر.
للمزيد: الثقة بالنفس وتقدير الذات
الحرص على عمل حوار متبادل مع الطفل مهم جداً خصوصاً لأن الأطفال في هذا العصر يقضون أوقات اللعب التي من المفترض أن يشاركوا بها أطفال آخرين ويتحدثون ويلعبون معهم، يقضونها بلعب الالعاب الالكترونيه التي تعزز الوحدة والتفرد، ولا يجبر الطفل فيها على الكلام والتحدث.
للمزيد: مخاطر الأجهزة الإلكترونية على صحة الأطفال
إعطاء المهمات بطريقة محمسة للطفل
إعطاء الطفل مهمة معينة عن بعد يمكن أن لا يكون أمراً مهماً له بالقدر الذي يجعله يتوقف عن اللعب للإصغاء مثل قول حان وقت النوم اترك الالعاب والى السرير. لكن يمكن أن يتم تهيئة الطفل بشكل تدريجي وإعطاء المهمة بشكل محبب أكثر له، مثل إذا ذهبت الى السرير خلال قيامي بعمل معين فسوف نقرأ القصة التي تحب.
الطلب بشكل واضح ومحدد
يعطي الطفل انتباهه للحظات محدودة، لذلك عند اعطاء أي ملاحظة أو توجيه له يفضل أن يكون واضح وبسيط ومفهوم من قبل الطفل. وتجنب الدوران حول الفكرة الرئيسية مثل قول الجو بارد في الخارج، وملابسك خفيفة، البس معطفك قبل أن نخرج. قد لا ينتبه الطفل أو لا يفهم المغزى، لذلك يكون قول حان الوقت لارتداء المعطف أسهل على الطفل.
تعزيز الطلب الموجه للطفل
الأوقات التي يكون الطفل مندمجاً خلالها بنشاط معين يصعب على الأهل تحفيزُه على قطع النشاط لسماع الطلب أو الرسالة التي قاموا بتوجيهها له، لذلك ينصح بتعزيز الطلب بشكل غير لفظي بعد القيام بطلبه لفظياً. مثل عند الطلب من الطفل القيام بتفريش الأسنان يمكن القيام بحركة التفريش للتأكد من أن الطفل سمع ورأى ما هو مطلوب منه أو عند حضور وقت النوم يمكن خفض الاضاءة لإعطائه إحساساً بالانتقال إلى فقرة جديدة.
للمزيد: صحة أسنان الأطفال
قضاء أوقات مشتركة مع العائلة
الأوقات المشتركة للعائلة تعتبر ذات فائدة عظيمة للأطفال، يمكن أن يتشارك أفراد العائلة تناول وجبة واحدة في اليوم خلالها يستطيع الطفل أن يتعلم منها كيفية الحوار، وأهمية الاستماع والفهم ثم التحدث. كل هذه التصرفات التي تصدر عن الأبوين والأخوة هي المرجع الأساسي في المراحل العمرية الأولى للطفل. لكن من المهم إدراك أن الطفل يقلد الشي الذي يفهمه، بمعنى في المراحل العمرية الأولى لا يستطيع الطفل تحليل النوايا وربط الأفعال بالمقاصد الداخلية للأشخاص، لكنه يرى الفعل نوعاً ما بشكل مبسط، لذلك يمكن أن يقوم بتقاليد التصرفات ولكن بطريقة مختلفة عن ما فعله الشخص أمامه لكنه قام بفهم التصرف بهذا الشكل.
بناء الثقة
ليتعلم الطفل أنك تقوم بالاستماع له فمن المهم إعطاء رد فعل خلال فاصل زمني قصير، مثلاً أثناء تناول الطعام عندما يقوم الطفل بطلب العصير من الأم، وتشير له بأنها سمعته، بُفضل أنه تقوم بتلبية طلبه بوقت قصير إذا كانت تستطيع أو أن توضح له أنها ستتأخر قليلاً لأنها منشغله بشيء آخر مهم ولكنها سمعته جيداً. ولكن ليس من الصواب ترك الطفل ينتظر لخمس دقائق ثم إعطاؤه كوب من الماء بدل العصير! سيشعر الطفل في هذه الحالة أنه غير مهم ولا يوجد ثقة في تصرفات الأم معه. لذلك سيُكون صورة بذهنه عن كيفية الاستجابة لطلبات الأم منه لاحقاً.
خلال السنوات الثلاثة الأولى من عمر الطفل يعتبر بناء الثقة بين الأبوين والطفل مهم جداً والثقة تكون في أدق التفاصيل حتى أكبرها. فطلب الطفل لعبته ووعدِه بإعطائه إياها ثم الانشغال عنه، يزرع بداخله احساساً بعدم الثقة ويجعله يتعلم سلوك خاطئ عن كيفية الاستماع والاستجابة.
إعطاء الطفل رسائل مرنة
بالطبع ليس كل التوجيهات التي توجه للطفل تحتمل المرونة، لكن في حال إمكانية ذلك فإن ذلك سيعزز استجابة الطفل وسماعه للرسالة الموجه له. فعند حضور وقت الاستحمام والطفل يلعب يمكن أن يقال للطفل بدل من اترك الالعاب والى الاستحمام،يمكن جعل الرسالة أكثر مرونة وقرباً للطفل مثل لنضع الدراجة على الأرض ثم لنترك المكعبات، ونتوجه بخفة ورشاقة الى حوض الاستحمام. يمكن أن تغني الأم ذلك أو تقول ذلك بصوت برامج الأطفال الكرتونية، كل هذه الطرق تجذب انتباه الطفل وتعزز الاستماع لديه أكثر من القوالب الصارمة.
خلال الأشهر الأولى من المهم أن تنتبه الأم الى استجابة الرضيع للمؤثرات الصوتية وتفاعله مع الأصوات من حوله، في حال ملاحظة أي مشكلة ينصح بمراجعة الطبيب لفحص السمع. أيضاً عند اعتقاد الابوين بأن الطفل لا يسمع بشكل جيد ينصح بمراجعة الطبيب لأن مشاكل التهاب الأذن المتكررة يمكن أن تضعف من حاسة السمع عند الأطفال وتكون هي السبب الرئيسي لعدم استجابة الطفل، أو انخفاض تحصيله الدراسي.
التأكد من أن حاسة السمع سليمة يعطي إمكانية للابوين باتخاذ حلول لتعزيز مهارة الاستماع عند طفلهم، بدءاً من إعادة النظر بطريقة تعاملهم مع الطفل وتقييم ردود أفعالهم وتصرفاتهم، انطلاقاً الى الحلول الأخرى.
للمزيد: 4 طرق لتدريب الطفل على النوم